ومضى رسول الله ﷺ يبلغ رسالة ربه جهرًا، وأخذ ﷺ يدعو الناس إلى عبادة الله في كل مكان، وبدأ يجهر بصلاته وقراءة القرآن أمام الكفار، وأخذ الضعفاء والمساكين يؤمنون بالله ﷿، ويتبعون رسول الله ﷺ على هذا الدين الذي بعثه الله به، وأخذوا يزدادون يومًا بعد يوم.
عباد الله! وممن أسلم في مرحلة الدعوة الجهرية في مكة أبو ذر الغفاري ﵁.
ويؤخذ من الروايات الصحيحة أن أبا ذر ﵁ كان منكرًا لحال الجاهلية، يأبى عبادة الأصنام، وينكر على من يشرك بالله وكان يصلي لله قبل إسلامه بثلاث سنوات دون أن يخص قبلة بعينها بالتوجه، ويبدو أنه كان متأثرًا بالأحناف، ولما سمع بالنبي ﷺ قدم إلى مكة، وكره أن يسأل عنه حتى أدركه الليل، فاضطجع فرآه علي ﵁ فعرف أنه غريب، فاستضافه ولم يسأله عن شيء، ثم غادره صباحًا إلى المسجد الحرام فمكث حتى أمسى، فرآه علي فاستضافه لليلة ثانية وحدث مثل ذلك في الليلة الثالثة، ثم سأله عن سبب قدومه فلما استوثق منه أبوذر، أخبره بأنه يريد مقابلة رسول الله ﷺ فقال له علي: "فإنه حق وهو رسول الله، فإذا أصبحت فاتبعني، فإني إن رأيت شيئًا أخاف عليك قمت كأني أريق الماء، فإن مضيت فاتبعني، فتبعه، وقابل الرسول ﷺ واستمع إلى قوله فأسلم، فقال له النبي ﷺ "ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري" فقال: والذي نفسي بيده لأصرخن بها بين ظهرانيهم، فخرج حتى أتى المسجد، فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وثار القوم فضربوه حتى أضجعوه"، فأتى العباس بن عبد المطلب فحذرهم من انتقام غفار، والتعرض لتجارتهم التي تمر بديارهم إلى الشام فأنقذه منهم" (١).