О происхождении двенадцатеричного имамитского шиитского течения - Презентация и критика -
أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية - عرض ونقد -
Номер издания
الأولى
Год публикации
١٤١٤ هـ
Жанры
ـ[أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية - عرض ونقد -]ـ
المؤلف: دكتور ناصر بن عبد الله بن علي القفاري
دار النشر: بدون
سنة الطبع: ١٤١٤ هـ
عدد الأجزاء: ٣
الطبعة: الأولى
_________
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو مذيل بالحواشي]
-أعده للشاملة: أسامة بن الزهراء؛ فريق عمل الشاملة -
(أصل هذا الكتاب رسالة علمية تقدم بها المؤلف لنيل درجة الدكتوراة من قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - وقد أجيزت هذه الرسالة بمرتبة الشرف الأولى مع التوصية بطبعها وتبادلها بين الجامعات)
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
أصل هذا الكتاب رسالة علمية تقدم بها المؤلف لنيل درجة الدكتوراة من قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - وقد أجيزت هذه الرسالة بمرتبة الشرف الأولى مع التوصية بطبعها وتبادلها بين الجامعات
1 / 3
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
وبعد..
فإن من أصول الإسلام العظيمة الاعتصام بحبل الله جميعًا وعدم التفرق قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾ (١) وقال سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ (٢) .
وقد كان المسلمون على ما بعث الله به رسوله من الهدى ودين الحق الموافق لصحيح المنقول وصريح المعقول، فلما قتل عثمان ﵁ وأرضاه - ووقعت الفتنة، فاقتتل المسلمون بصفين، مرقت المارقة (٣) . التي قال فيها النبي ﷺ: "تمرق مارق على حين فرقة من المسلمين، يقتلهم أولى الطائفتين بالحق" (٤) وكان مروقها لما حكم الحكمان، وتفرق الناس على غير اتفاق.
ثم حدث بعد بدعة
_________
(١) آل عمران، آية: ١٠٣
(٢) الأنعام، آية: ١٥٩
(٣) المارقة: لقب من ألقاب الخوارج، والخوارج: هم الذين خرجوا على علي ﵁ بعد التحكيم، فقاتلهم علي يوم النهروان، وقد أمر النبي ﷺ بقتالهم في الأحاديث الصحيحة، ففي الصحيحين عشرة أحاديث فيهم، أخرج البخاري منها ثلاثة، وأخرج مسلم سائرها (شرح الطحاوية ص ٥٣٠) وساقها جميعًا ابن القيم في تهذيب السنن: ٤/١٤٨-١٥٣، وانظر في عقائدهم وفرقهم: الفرق بين الفرق، ص٧٢ وما بعدها، الملل والنحل: ١/١٤٦ وما بعدها، الفصل: ٥/٥١-٥٦
(٤) انظر: صحيح مسلم (بشرح النووي) كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم: ٧/١٦٨
1 / 5
الخوارج بدع التشيع (١)، وتتابع خروج الفرق، كما أخبر بذلك المصطفى ﷺ (٢) . وقد خرج التشيع من الكوفة (٣)، ولذلك جاء في أخبار الشيعة بأنه لم يقبل دعوتهم من أمصار المسلمين إلا الكوفة (٤) . ثم انتشر بعد ذلك في غيرها، كما خرج الإرجاء أيضًا من الكوفة، وظهر القدر، والاعتزال، والنسك الفاسد من البصرة، ظهر التجهم من ناحية خراسان.
وكان ظهور هذه البدع بحسب البعد عن "الدار النبوية" (٥) . لأن البدعة لا تنمو وتنتشر إلا في ظل الجهل، وغيبة أهل العلم والإيمان، ولذلك قال بعض السلف: من سعادة الحدث والأعجمي أن يوفقهما الله للعالم من أهل السنة (٦)؛ وذلك لسرعة تأثرها هؤلاء بأعاصير الفتنة والبدعة لضعف قدرتهم على معرفة ضلالها، واكتشاف عوارها، ولذا فإن خير منهج لمقاومة البدعة، ودرء الفرقة، هو نشر السنة بين الناس، وبين ضلال الخارجين عنها، ولذلك نهض أئمة السنة بهذا الأمر، وبينوا حال أهل البدعة، وردوا شبهاتها، كما فعل الإمام أحمد في الرد على الزنادقة والجهمية، والإمام البخاري في الرد على الجهمية، وابن قتيبة في الرد على الجهمية والمشبهة، والدارمي في الرد على بشر المريسي وغيرهم.
ولا شك بأن بيان حال الفرق الخارجة عن الجماعة، والمجانبة للسنة ضروري لرفع الالتباس، وبيان الحق للناس، ونشر دين الله سبحانه، وإقامة الحجة على تلك الطوائف، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حيّ عن بينة، فإن الحق لا يكاد يخفى على أحد، وإنما يضلل هؤلاء أتباعهم بالشبهات والأقوال الموهمة، ولذلك فإن أتباع تلك الطوائف هم ما بين زنديق، أو جاهل، ومن الضروري تعليم الجاهل، وكشف حال الزنديق ليعرف ويحذر.
_________
(١) انظر: منهاج السنة لابن تيمية: ١/٢١٨-٢١٩
(٢) انظر: ص (١١٢) هامش رقم (٤)
(٣) مجموعة فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: ٢٠/٣٠١
(٤) بحار الأنوار: ١٠٠/٢٥٩
(٥) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: ٢٠/٣٠٠-٣٠١
(٦) شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي: ١/٦٠، والقول لأيوب السختياني
1 / 6
وبيان حال أئمة البدع المخالفة للكتاب والسنة واجب باتفاق المسلمين "حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك، أو يتكلم في أهل البدع؟
فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل.
فبين أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله، إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته، دفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعًا، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء" (١) .
وقد وجد العدو المتربص بالأمة في هذه الفرق الخارجة عن الجماعة، وسيلة لإيقاع الفتنة في الأمة، ولا يبعد أنه اليوم يريد أن يستثمر هذه المسألة لمواجهة بوادر البعث الإسلامي المتنامي في أرجاء المعمورة، والوقوف في وجه الصحوة الإسلامية التي امتدت إلى عقر داره، وهو يتخذ من تقارير مستشاريه - الذين يهتمون أبلغ الاهتمام بتاريخ تلك الطوائف وعقائدهم - منهجًا يحتذيه في علاقته مع المسلمين ودولهم.
ولذا نلحظ أنه يغذي بعض هذه الطوائف، ويهيئ الوسائل لوصولها لدفة الحكم والتوجيه.
ولا شك أن بيان الحق في أمر هذه الفرق فيه تفويت للفرصة أمام العدو لتوسيع رقعة الخلاف واستمراره؛ فإن ترك رؤوس زنادقة البدع يسعون لإضلال الناس، ويعملون على تكثير سوادهم، والتغرير بأتباعهم، ويدعون أن ما هم عليه هو الإسلام، هو من باب الصد عن دين الله وشرعه، حتى أن من أسباب خروج
_________
(١) ابن تيمية/ مجموعة الرسائل والمسائل: ٥/١١٠
1 / 7
الملاحدة ظنهم أن الإسلام هو ما عليه فرق أهل البدعة، ورأوا أن ذلك فاسدٌ في العقل فكفروا بالدين أصلًا.
ومعظم الفرق التي خرجت عن الجماعة ضعف نشاطها اليوم، وفتر حماسها وتقلص أتباعها، وانكفأت على نفسها، وقلت منابذتها أهل السنة.
أما طائفة الشيعة فإن هجومها على أهل السنة، وتجريحها لرجالهم، وطعنها في مذهبهم، وسعيها لنشر التشيع بينهم يزداد يومًا بعد يوم.
ولعل طائفة الاثني عشرية هي أشد فرق الشيعة سعيًا في هذا الباب لإضلال العباد إن لم تكن الفرقة الوحيدة التي تُكثر من التطاول على السنة، والكيد لها على الدوام مما لا تجده عند فرقة أخرى.
ولقد كانت صلتي بقضية الشيعة تعود إلى مرحلة "الماجستير"، حيث كان موضوعها "فكرة التقريب بين أهل السنة والشيعة" وبعد أن انتهيت من دراسة مسألة التقريب، رغبت أن أتجه في دراستي للدكتوراه إلى تحقيق بعض كتب التراث، وتقدمت إلى القسم بطلب الموافقة على تحقيق الجزء الأول "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" لشيخ الإسلام ابن تيمية، ولكن أشار عليّ بعض الأساتذة الفضلاء في القسم وخارجه بالاستمرار في دراسة قضية الشيعة؛ لأهميتها وضرورة دراستها دراسة علمية موضوعية.
وبعد الاستشارة والاستخارة عقدت العزم على أن أدرس العقائد الأساسية للمذهب الاثني عشري، وأنا على علم بأن الجهد الذي يتطلبه هذا الموضع يفوق الموضوع الأول كثيرًا، لأنني - كما سيتبين - أمام دارسة دين بأكمله، لا كتاب شخص واحد.
وقد اخترت طائفة الاثني عشرية بالذات من بين طوائف الشيعة لعدة أسباب، منها:
أولًا: أن هذه الطائفة بمصادرها في التلقي وكتبها، وتراثها تمثل نحلة كبرى، حتى أنهم
1 / 8
يسمون مسائل اعتقادهم "دين الإمامية" (١) . لا مذهب الإمامية، وذلك لانفصالها عن دين الأمة، وبحسبك أن تعرف أن أحد مصادرها في الحديث عن الأئمة يبلغ مائة وعشرة مجلدات وهو "بحار الأنوار" لشيخهم المجلسي (ت١١١١هـ) .
ثانيًا: اهتمام هذه الطائفة بنشر مذهبها والدعوة إليه، وعندها دعاة متفرغون ومنظمون، ولها في كل مكان (غالبًا) خلية ونشاط، وتوجه جل اهتمامها في الدعوة لنحلتها في أوساط أهل السنة، ولا أظن أن طائفة من طائف البدع تبلغ شأو هذه الطائفة في العمل لنشر معتقدها والاهتمام بذلك.
هي اليوم تسعى جاهدة لنشر "مذهبها" في العالم الإسلامي، وتصدير ثروتها، وإقامة دولتها الكبرى بمختلف الوسائل.
وقد تشيع بسبب الجهود التي يبذلها شيوخ الاثني عشرية الكثيرُ من شباب المسلمين.. ومن يطالع كتاب "عنوان المجد في تاريخ البصرة ونجد" يهوله الأمر، حيث يجد قبائل بأكملها قد تشيعت.
وقد تحولت سفارات دولة الشيعة في إيران إلى مركز للدعوة إلى مذهبها في صفف الطلبة، والعاملين المسلمين في العالم. وهي تهتم بدعوة المسلمين أكثر من اهتمامها بدعوة الكافرين (٢) .
ولاشك أن المسؤولية كبيرة في إيضاح الحقيقة أمام المسلمين. ولاسيما الذين دخلوا في سلك التشيع حبًا لأهل البيت واعتقادهًا منهم أن هذا الطريق عين الحق، وطريق الصدق.
_________
(١) الاعتقادات لابن بابويه يسمى "دين الإمامية" انظر: (الفهرست للطوسي: ص١٨٩، أغا بزرك/ الذريعة: ٢/٢٢٦)
(٢) انظر سبب ذلك في ص (٧١٤-٧١٥) من هذه الرسالة، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام: ٢٨/٤٧٨
1 / 9
ثالثًا: أن هذه هي الطائفة الشيعية الكبرى في عالم اليوم، وقد احتوت معظم الفرق الشيعية التي وجدت على مسرح التاريخ، تمثل مصادرها في التلقي، خلاصة أفكار الاتجاهات الشيعية المختلفة ومستقرها التي ظهرت على امتداد الزمن، حتى قيل بأن لقب الشيعة إذا أطلق لا ينصر إلا إليها.
رابعًا: هذه الفرقة لها اهتمام دعائي في الدعوة للتقارب مع أهل السنة، وقد أقامت المراكز، وأرسلت الدعاة، وأنشأت الجمعيات التي ترفع شار الوحدة الإسلامية (١) .
خامسًا: هذه الطائفة تكثر من القول بأن مذهبها لا يختلف عن مذهب أهل السنة، وأنها مظلومة ومفترى عليها، ولها اهتمام كبير بالدفاع عن مذهبها، ونشر الكتب والرسائل الكثيرة للدعاية له، وتتبع كتب أهل السنة ومحاولة الرد عليها، مما لا يوجد مثله عند طائفة أخرى.
سادسًا: كثرة مهاجمة هذه الطائفة لأهل السنة، ولا سيما صحابة رسول الله ﷺ، وطعنها في أمهات كتب المسلمين، عبر مؤلفاتهم التي يخرج سنويًا العشرات من الكتب.. كذلك مهاجمتها بعنف وضراوة لكل من يكتب عنها أو يتعرض لمذهبها بالنقد، تحت ستار أن هذه الكتابات تعيق التقريب، وتعرقل مساعي الوحدة الإسلامية، فانصرفت أكثر الأقلام عن الكتابة عنها.
سابعًا: استرعى انتباهي تضخم الخلاف حول حقيقة الاثني عشرية لدى الكتاب المعاصرين:
فمن فريق يرى أنهم كفرة، وأن غلهم تجاوز الحدود الإسلامية، كما في كتابات الأستاذ محب الدين الخطيب، وإحسان إلهي ظهير، وإبراهيم الجبهان (٢) . وغيرهم.
_________
(١) انظر: "فكرة التقريب بين أهل السنة والشيعة": ص ٥١١ وما بعدها
(٢) انظر: الخطوط العريضة للخطيب، والشيعة والسنة لإحسان إلهي ظهير، وتبديل الظلام للجبهان
1 / 10
وفريق يرى أن الاثني عشرية طائفة معتدلة لم تجنح إلى الغلو الذي وقعت فيه الفرق الباطنية، مثل: كتابات النشار، وسليمان دنيا، ومصطفى الشكعة (١) . وغيرهم.
وفريق ثالث التبس عليه الأمر حتى ذهب يستفتي شيوخ الشيعة الاثني عشرية فيما كتبه عنهم إحسان إلهي ظهير، ومحب الدين الخطيب، كما تجد ذلك فيما كتبه البهنساوي في "السنة المفترى عليها".
ومن خلال هذه الاختلافات قد تضيع الحقيقة، أو تخفى على الكثير.
ولذلك فقد راعيت في هذه الرسالة - ولا سيما في باب الشيعة المعاصرين - الاستماع إلى أصوات الشيعة المدافعين عن مذهبهم والناقدين لما كتبه بعض أهل السنة عن معتقدهم، ومناقشة ذلك.
ولقد كتب أسلافنا عن الاثني عشرية، وهي التي يسمونها بالرافضة، وكان لمصنفاتهم أثرها، كما في كتابات أبي نعيم، وشيخ الإسلام ابن تيمية، المقدسي، والفيروزآبادي، وما في كتب الفرق والعقيدة، ولكن تلك الكتابات كانت قبل شيوع كتب الشيعة وانتشارها، وجملة منها يحمل صفة الرد على بعض مؤلفات الشيعة، ولا تدرس الطائفة بعقائدها وأفكارها بشكل شامل.
كما أن الاثني عشرية لمهارتها في التقية، قد خفي أمرها؛ حتى نجد في شرح صحيح مسلم القول بأن الإمامية لا تكفر الصحابة، وإنما ترى أنهم أخطأوا في تقديم أبي بكر (٢) . ونرى شيخ الإسلام ابن تيمية على اهتمامه بالمذهب الرافضي ونقده، يقول: حدثني الثقات أن فيهم من يرى الحج إلى المشاهد أعظم من الحج إلى بيت الله (٣) .
_________
(١) نشأة الفكر الفلسفي للنشار، الجزء الثاني ص١٣، والشيعة وأهل السنة سليمان دنيا، وإسلام بلا مذاهب لمصطفى الشكعة ص ١٩٤
(٢) شرح صحيح مسلم: ١٥/ ١٧٤
(٣) منهاج السنة: ٢/١٢٤
1 / 11
بينما هذه القضية تجدها اليوم مقررة في أمهات كتبهم في عشرات الروايات والعديد من الأبواب.
كما أن أهم كتاب عند الشيعة وهو "أصول الكافي" لا تجد له ذكرًا عند الأشعري، أو ابن حزام، أو ابن تيمية، وهو اليوم الأصل الأول المعتمد عند الطائفة في حديثها عن الأئمة الذي هو أساس مذهبها.
وأيضًا فإن طبيعة هذا المذهب أنه يتطور من وقت لآخر، ويتغير من جيل لجيل، حتى أن الممقاني أكبر شيوخهم في هذا العصر يقول: إن ما يعتبر غلوًا عند الشيعة الماضين أصبح اليوم من ضرورات المذهب (١) . هذه الطبيعة المتغيرة تقتضي التعرف على الوجه الحقيقي للاثني عشرية في عصرنا.
كما أن جل الردود التي تسود المصنفات التي كتبها الأئمة السابقون - رحمة الله عليهم أجمعين - هي على شبهات يثيرها الشيعة من كتب السنة نفسها؛ فيرد عليها أهل السنة مبينين أن تلك النصوص التي يتمسك بها الشيعة إما موضوعة، وإما ضعيفة، أو بعيدة عن استدلالهم الفاسد.
ولكن الشيعة لا تؤمن بكتب أهل السنة كلها أصلًا، وهي تثير هذه الشبهات إلى اليوم لتحقيق أمرين:
الأول: إشغال أهل السنة بهذه الشبهات، حتى لا يتفرغوا لنقد كتبهم، ونصوصهم، ورجال رواياتهم.
الثاني: إقناع الحائرين والمتشككين من أهل طائفتهم بدعوى أن ما هم عليه من شذوذ وهو موضع اتفاق بين السنة والشيعة.
ولكن كتب الشيعة اليم قد توفرت بشكل لم يعهد من قبل.. فينبغي أن تكون من أهم ركائز الدراسة والنقد؛ لأن الحجة على كل طائفة إنما تقام بما
_________
(١) سيأتي بنصه في ص (٣٧٣)
1 / 12
تصدقه وتؤمن به.
أما الكتابات المعاصرة من قبل أهل السنة عن الاثني عشرية فهي قليلة بالنسبة لما يكتبه الشيعة عن أهل السنة.
وهي بالنسبة للاثني عشرية لا تكفي، فمذهبهم قائم على مئات الكتب التي تخدم المذهب، وتدعو إليه، وتمثل فكره ووجهته، ودراستها ونقدها يحتاج لجهد أكبر، وعمل أوسع.
ولقد رأيت في هذه المؤلفات أنها أغفلت جوانب مهمة في دراسة الاثني عشرية؛ كعقيدتهم - مثلًا - في أصول الدين، وهو ما حاولت القيام بدراسته في الباب الثاني من هذه الرسالة.
كذلك معرفة آراء المعاصرين من الشيعة وتوجهاتهم، وصلتهم بالفرق القديمة، وكتبهم السابقة، وهو ما يتحدث عنه الباب الرابع.
والموضوع - حقيقة - كان من السعة والتشعب، بحيث يحتاج إلى دراسات جديدة ترتاد آفاقًا مازالت مجهولة في المذهب الاثني عشري، ولذلك نحوت في دراسة الموضوع منحًا علميًا تكشفت فيه معالم جديدة، لعل من أبرزها ما يلي:
أولًا: دراسة مذهب الاثني عشرية في أصول الدين وهي منطقة في معظم مسائلها مجهولة، لأن الشيعة يتسترون عليها، والباحثين من أهل السنة لم يطرقوها. وقد شكل ذلك بابًا كاملًا في الرسالة هو الباب الثاني.
ثانيًا: أماطت هذه الدراسة اللثام عن عقائد لم يطرقها أحد من قبل - حسب علمي - كعقيدة أن القرآن ليس حجة إلا بقيم، وأن جل القرآن نزل فيهم وفي أعدائهم، وعقيدة الظهور، والطينة (١)، ودعوى تنزل كتب إلهية على الأئمة (٢) .
_________
(١) قد أشار الشيخ تونسوي في كتابه "عقائد الشيعة" إلى هذه العقيدة إشارة مقتضبة، ونقل نصًا واحدًا من الكافي لا يصور هذه العقيدة بكاملها
(٢) والباحثون يخلطون بينها وبين عقدية التحريف عند الشيعة
1 / 13
كما كشفت عن متى بدأت فرية التحريف في المذهب الاثني عشري، وأول كتاب سجلت فيه هذه الفرية، واكتشاف وضع هذا الكتاب ومتى وضع.
كذلك تم اكتشاف صلة شيخ الإسلام ابن تيمية ومنهاج السنة، بأكبر تحول في تقويم النصوص عندهم وتقسيمها إلى صحيح، وضعيف وموثق.
وحققت القول بوجود المهدي الذي يقوم عليه مذهب الاثني عشرية اليوم وعرض شهادات مهمة صادرة من أسرة الحسن العسكري، وأهل البيت والحسن العسكري نفسه، ومأخوذة من كتب الشيعة ذاتها.
وغير ذلك مما قد يجده الباحث في هذه الرسالة.
وإنني أذكر هذه المسائل حتى تتضح للقارئ مواضع الإضافة التي يمكن أن يفيد منها.. ذلك أنني حاولت أن أكتفي في المسائل المبحوثة بالإشارة أو الإتيان بنصوص جديدة، كما في مسألة تكفيرهم للشيخين، التي تجد النصوص التي تكشف تورط الشيعة فيها من خلال ما كتبه الشيخ موسى جار الله وإحسان إلهي ظهير، وغيرهما، فحاولت أن أقدم نصوصًا شيعية تعبر عن الشيخين برموز خاصة، ثم أوردت تفسيرها من كتب الاثني عشرية نفسها.
أما عن المنهج الذي حكم أسلوب معالجتي للموضوع، والجديد الذي يحتمل إضافته، فإن أبواب هذا البحث خير من يتحدث عنه، وإذا كان لابد من إشارات في هذا التقديم فأقول:
قد عمدت في بداية رحلتي مع الشيعة وكتبها ألا أنظر في المصادر الناقلة عنهم، وأن أتعامل مباشرة مع الكتاب الشيعي حتى لا يتوجه البحث وجهة أخرى.
1 / 14
وحاولت - جهد الطاقة - أن أكون موضوعيًا، ضمن الإطار الذي يتطلبه موضوع له صلة وثيقة بالعقدية كموضعي هذا.
والموضوعية الصادقة أن تنقل من كتبهم بأمانة، أن تختار المصادر المعتمدة عندهم، وأن تعدل في الحكم، وأن تحرص على الروايات الموثقة عندهم أو المستفيضة في مصادرهم - ما أمكن -.
أما إنكار ما أقف عليه من منكر، بيان فساده، فهذا ليس خروجًا عن الموضوعية، بل هو جزء من واجب كل مسلم، فمن يتعرض لكتاب الله سبحانه، ويدعي فيه نقصًا وتحريفًا، أو يقول بأن عليًا هو الأول والآخر والظاهر الباطن، وأمثال هذه الكفريات الظاهرة، لا تملك إلا أن تصمه بما يستحقه، وأن تظهر فداحة جرمه، وشناعة معتقده، وإلا كان في الأمر خداع وتغرير بالقارئ المسلم.
ولذلك فإنني أعرض لعقائدهم بمنهج نقدي، وحينما أجد أن المسألة تحتاج إلى دراسة نقدية أكثر تفصيلًا أعقد لذلك مبحثًا مستقلًا، ولا ألتزم ذلك دائمًا؛ لأن في جملة من العقائد ما يكفي لمعرفة حقيقتها بمجرد عرضها، ولهذا ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن تصور المذهب الباطل يكفي في بيان فساده ولا يحتاج مع حسن التصور إلى دليل آخر، وإنما تقع الشبهة؛ لأن أكثر الناس لا يفهمون حقيقة قولهم وقصدهم لما فيه من الألفاظ المجملة المشتركة (١) .
ولذلك فإنني أحيانًا أكتفي بمجرد تصوير حقيقة القول، والإشارة إلى بطلانه، ولا سيما في المسائل الجزئية، كما أنني في مسائل المذهب الكبار كمسألة النص أو الصحابة، أزيد على ذلك بنقد المقالة من خلال الكتاب والسنة، وأقوال أئمتهم، والأمور المعلومة، والمتفق عليها.
وأسلك بوجه عام في مناقشتهم منهج النقد الداخلي للنصوص؛ وذلك عن
_________
(١) مجموع فتاوى شيخ الإسلام: ٢/١٣٨ (جمع الشيخ عبد الرحمن بن قاسم)
1 / 15
طريق مقارنة هذه النصوص بعضها ببعض وبيان ما بينها من تناقض ومفارقات - ما أمن ذلك -.
كما أنني أحيانًا أناقشهم على وفق منطقهم، وبمقتضى مقرراتهم وقواعدهم، وعلى ضوء رواياتهم، ولا يعني هذا الموافقة على تلك الأصول، وقبول تلك الروايات؛ وإنما هو منهج في النقد، لكشف حقيقة المذهب، وخروجه عن أصوله، وعمله ببعض رواياته وترك الآخر.
ثم إنني في عرضي لعقائدهم ألتزم النقل من مصادرهم المعتمدة، لكن لا أغفل في الغالب ما قالته المصادر الأخرى. ووضع الأمرين أمام القارئ مفيد جدًا للموازنة والمقارنة، ومعرفة مدى اطلاع الأوائل على معتقد الشيعة، ومقدار التغير في المذهب الشيعي عبر القرون.
كما قمت بتخريج ما يرد في البحث من الأحاديث والآثار، والتعريف بالفرق والملل، وبيان المصطلحات، وكذلك الترجمة للأعلام الذين لهم دور في تأسيس بعض عقائد الشيعة، أو ما تدعو حاجة البحث لمعرفته. أما الترجمة لكل عَلَمٍ يرد فهذا يشغل القارئ عن الموضوع الأساسي، وهو موضوع مكانه كتب التاريخ التراجم، ولذلك فإني التزمت التعريف بكل فرقة ترد؛ لأن هذا هو الأقرب للتخصص والموضوع.
ولقد اكتنفت دراستي عدة صعوبات:
أولها: أن كتب الرواية عند الشيعة لا تحظى بفهرسة، وليس لها تنظيم معين، كما هو الحال في كتب أهل السنة (١)، ولذلك فإن الأمر اقتضى مني قراءة طويلة في كتب حديثهم، حتى تصفحت البحار بكامل مجلداته، وأحيانًا أقرأ رواية رواية، وقرأت أصول الكافي، وتصفحت وسائل الشيعة، وكانت الروايات التي أحتاج إليها تبلغ المئات في كل مسألة في الغالب.
_________
(١) يوجد عندهم "مفتاح الكتب الأربعة" عندي منه اثنا عشر مجلدًا، إلا أن طريقة مؤلفه في ترتيبه تجعله أشبه بكتاب لا بفهرس
1 / 16
فلا تستطيع أن تكتب عن هذه المسألة حتى تستكمل قراءة هذه الأخبار.
وأرجع كثيرًا إلى شروح الكافي كشرح جامع للمازندراني، لفهم وجهة نظر شيوخهم في الروايات.
ثانيًا: رحلت في البحث عن الكتاب الشيعي إلى مصر، والعراق، والبحرين، والكويت، وباكستان، وحصلت من خلال ذلك على مصادر مهمة أفدت منها في أبواب هذا البحث وفصوله.
ثالثًا: طول المسافة الزمنية التي شملها البحث، والتي امتدت منذ نشأة الشيعة حتى اليوم، فأمامي عشرات الكتب الشيعية في مختلف العصور أمضيت وقتًا طويلًا في تتبعها، وملاحقة التطور العقدي للشيعة في امتدادها.
مصادر الرسالة:
وقد اعتمدت في دراستي عنهم على مصادرهم المعتبرة من كتب التفسير والحديث، والرجال، والعقائد، والفرق، والفقه، والأصول:
أ- ففي كتب التفسير رجعت إلى:
تفسير علي بن إبراهيم القمي، الذي قالوا عنه بأنه أصل أصول التفاسير عندهم (١) . ووثق رواياته شيخ مشايخهم في هذا العصر الذي يلقبونه "بالإمام الأكبر" وهو أبو القاسم الخوئي، فقال: "ولذا نحكم بوثاقة جميع مشايخ علي بن إبراهيم القمي الذي روى عنهم في تفسيره مع انتهاء السند إلى أحد المعصومين" (٢) . والقمي عندهم ثقة في الحديث، ثبت معتمد (٣)، كان في عصر الإمام العسكري، وعاش إلى سنة (٣٠٧هـ) (٤) .
_________
(١) مقدمة تفسير القمي: ص ١٠
(٢) أبو القاسم الخوئي/ معجم رجال الحديث: ١/٦٣
(٣) رجال النجاشي: ص ١٩٧
(٤) الذريعة: ٤/٣٠٢، مقدمة تفسير القمي: ص ٨
1 / 17
وكذلك تفسير العياشي الذي قال فيه شيخهم المعاصر - محمد حسين الطبطبائي: "أحسن كتاب ألف قديمًا في بابه، وأوثق ما ورثناه من قدماء مشايخنا من كتب التفسير بالمأثور، فقد تلقاه علماء هذا الشأن منذ ألف عام إلى يومنا هذا من غير أن يذكر بقدح، أو يغمض فيه بطرف" (١) .
والعياشي هو محمد بن مسعود أبو النضر، عاش في أواخر القرن الثالث، وهو عندهم جليل القدر، واسع الأخبار، بصير بالروايات (٢) .
وتفسير فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي، من شيوخهم في القرن الثالث وأوائل القرن الرابع (٣) . وقد وثقه شيخهم المجلسي فقال: "أخبار تفسير فرات موافقة لما وصل إلينا من الأحاديث المعتبرة" (٤) .
هذه أهم كتب التفسير القديمة الموجودة اليوم بين أيديهم (٥) . وقد رجعت إليها في أثناء عرض عقيدتهم في القرآن وغيره، ولم أكتف بتوثيق المنقول منها، بل شفعت ذلك بما كتبه شيوخهم المتأخرون المعتمدون عندهم، مثل:
تفسير الصافي لشيخهم محمد محسن المعروف بالفيض الكاشاني، والذي يصفونه بـ "العلامة المحقق، المدقق، جليل القدر، عظيم الشأن" (٦) .
والبرهان في تفسير القرآن لشيخهم هاشم بن سليمان البحراني (المتوفى سنة ١١٠٧ أو ١١٠٩هـ) وهو عندهم العلامة الثقة الثبت المحدث الخبير والناقد البصير (٧) .
_________
(١) الطبطائي/ مقدمة حل الكتاب ومؤلفة: صاج
(٢) الطوسي/ الفهرست: ص ١٦٣ -١٦٥؟
(٣) أغا بزرك الطهراني/ نوابع الرواة: ص ٢١٦
(٤) بحار الأنوار: ١/ ٣٧، وانظر في بيان أنه من مصادرهم المعتبرة عند القدامى والمعاصرين: مقدمة تفسير فرات، لمحمد علي الأوردبادي
(٥) بالإضافة إلى تفسير التبيان للطوسي، ومجمع البيان للطبرسي، والتي قال فيهما بعض شيوخهم بأنهما وضعا على أسلوب التقية - كما سيأتي -
(٦) الأردبيلي/ جامع الرواة: ٢/٤٢
(٧) انظر: أمل الآمل: ٢/٣٤١، يوسف البحراني/ لؤلؤة البحرين ص ٦٣، البلادي/ أنوار البدرين ص ١٣٧
1 / 18
* ومرآة الأنوار ومشكاة الأسرار، أو مقدمة البرهان لشيخهم أبي الحسن بن محمد العاملي الفتوني، تلميذ المجلسي صاحب البحار (ت ١١٤٠هـ) قال عنه صاحب لؤلؤة البحرين بأنه كان محققًا مدققًا (١)، وقال عنه صاحب روضات الجنات: "من أعاظم فقهائنا المتأخرين" (٢)، ووصفه شيخهم النوري بالحجة وقال عن كتابه: "لم يعمل مثله" (٣) . ومثل ذلك قال صاحب الذريعة (٤)، وغير ذلك من كتب التفسير عندهم التي رجعت إليها، وذكرتها تبعًا لما أشرت إليه ووثقته من كتبهم.
وأصحاب الكتب السابقة كلهم قالوا بتحريف القرآن، ولاشك أن من اعتقد ذلك فهو ليس من أهل القبلة، ولكني أنقل توثيقاتهم لشيوخهم.
ب- أما كتب حديثهم: (وهي رواياتهم عن الأئمة) فقد رجعت لمصادرهم المعتمدة عندهم وهي:
١- الكتب الأربعة: الكافي، والتهذيب، والاستبصار، ومن لا يحضره الفقيه، قال شيخهم المعاصر محمد صادق الصدر: "إن الشيعة (٥) " (٦) .
٢- الكتب الأربعة المتأخرة وهي: الوافي، وبحار الأنوار، والوسائل، ومستدرك الوسائل، فتصبح مصادرهم الرئيسية ثمانية. قال عالمهم المعاصر محمد صالح الحائري: "وأما صحاح الإمامية فهي ثمانية، أربعة منها للمحمدين الثلاثة الأوائل، وثلاثة بعدها للمحمدين الثلاثة الأواخر، وثامنها لمحمد حسين المرحوم المعاصر النوري" (٧) .
_________
(١) يوسف البحراني/ لؤلؤة البحرين: ص ١٠٧
(٢) الخوانساري/ روضات الجنات: ص ٦٥٨. ط: الثانية، الزرندي/ ترجمة المؤلف (المطبوع مع مقدمة مرآة الأنوار)
(٣) مستدرك الوسائل: ٣/٣٨٥
(٤) أغابزرك/ الذريعة: ٢٠/٢٦٤
(٥) مجمعة على اعتبار الكتب الأربعة، وقائلة بصحة كل ما فيها من روايات
(٦) الشيعة: ص ١٢٧
(٧) منهاج عملي للتقريب (مقال للرافضي محمد الحائري ضمن كتاب الوحدة الإسلامية: ص ٢٣٣)
1 / 19
وقد تحدثت عن هذه المصادر في فصل (عقيدتهم في السنة) .
وأكثر ما رجعت إليه من هذه المصدر الثمانية كتابان هما: "أصول الكافي"، و"بحار الأنوار"؛ وذلك لأنهما أكثر اهتمامًا بمسائل الاعتقاد، ولأن الشيعة تعلق عليهما أهمية بالغة.
قال الصدر عن الكافي: "ويعتبر (الكافي) عند الشيعة أوثق الكتب الأربعة" (١) . وتبلغ أخباره (١٦١٩٩)، ولو لم يقم صاحب الكافي بجمع الروايات عن الأئمة في كتابه لما بقي منها إلا النزر اليسير.
وقال: يحكى أن الكافي عرض على المهدي فقال: "كاف لشيعتنا" (٢) .
هذا ما يقوله الصدر، وينسبه للشيعة عمومًا، ولهذا قال محب الدين الخطيب: "إن الكافي عند الشيعة هو كصحيح البخاري عند المسلمين" (٣) .
وقد يكون في كلام الخطيب هذا بعض التسامح؛ لأن غلوهم في الكافي أكثر، ألا ترى أنهم يقولون: إن الكافي ألّف إبان الصلة المباشرة بمهديهم وإنه عرض على "المعصوم" عندهم، فهو كما لو قال بعض أهل السنة: إنه صحيح البخاري تم عرضه على الرسول ﷺ.. لأن الإمام عندهم كالنبي، ولذا قالوا: "كانت منابع اطلاعات الكليني قطعية الاعتبار، لأن باب العلم واستعلام حال تلك الكتب (٤) . بواسطة سفراء القائم (٥) . كان مفتوحًا عليه لكونهم معه في بلد واحد، بغداد" (٦) .
_________
(١) الشيعة: ص١٣٣
(٢) المصدر السابق: ص١٢٣، روضات الجنات، للخوانساري: ٦/١١٦، ومقدمة الكافي، لحسين علي: ص٢٥
(٣) الخطوط العريضة: ص ٢٨
(٤) التي جمع من خلالها الكافي
(٥) هو مهديهم المنتظر، وسفراؤهم: أبوابه الأربعة، كما سيأتي في فصل الغيبة
(٦) الحائري/ منهاج عملي للتقريب (ضمن كتاب الوحدة الإسلامية ص٣٣٣) . وانظر: ابن طاوس/ كشف المحجة ص ١٥٩
1 / 20
أما البحار فقالوا بأنه: "المرجع الوحيد لتحقيق معارف المذهب" (١) . وعظموا من أمره، كما سيأتي من خلال صفحات هذه الرسالة (٢) .
٣- ورجعت إلى كتب شيوخهم المعتمدين عندهم، والتي يعدونها في الاعتبار والاعتماد كالكتب الأربعة، منها:
أ- كتاب سليم بن قيس، وهو أول كتاب ظهر للشيعة، كما يقول ابن النديم (٣)، وهو من أصولهم المعتبرة (٤)، ولنا وقفة مع هذا الكتاب ومؤلفه في أثناء الحديث عن فرية التحريف (٥) .
ب- كتب شيخهم أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي (المتوفى سنة ٣٨١هـ) مثل: إكمال الدين، والتوحيد، وثواب الأعمال، وعيون أخبار الرضا، ومعاني الأخبار، والأمالي وغيرها، وكتبه كلها "لا تقصر في الاشتهار عن الكتب الأربعة التي عليها المدار في هذه الأعصار" (٦)، ولا يستثنى من ذلك إلا خمسة كتب لم أرجع إليها (٧) .
ج- كتب شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (المتوفى سنة ٤٦٠هـ) وهي مثل كتب ابن بابويه في الاعتبار والاشتهار عندهم إلا كتاب واحد (٨) . وغيرها من كتب شيوخهم، والتي تكلف شيخهم المجلي بتوثيقها في الجزء الأول من بحاره (٩)، كما قد ألمحت ببعض توثيقاتهم لهذه
_________
(١) البهبودي/ مقدمة البحار: ص ١٩
(٢) انظر: ص (١٦٤)
(٣) انظر: الفهرست ص٢١٩، الذريعة: ٢/١٥٢، وفي رضات الجنات ٤/٦٧ زعم أنه "أول ما صنف ودوّن في الإسلام"
(٤) انظر: بحار الأنوار: ١/٣٢
(٥) انظر: ص (٢٢١)
(٦) بحار الأنوار: ١/٢٦
(٧) وهي: الهداية، وصفات الشيعة، وفضائل الشيعة، ومصادقة الإخوان، وفضائل الأشهر. (بحار الأنوار: ١/٢٦)
(٨) وهو الأمالي (بحار الأنوار: ١/٢٧)
(٩) ص: (٢٩) وما بعدها
1 / 21
الكتب في أثناء البحث، وأذكر توثيق الكتاب الذي لا أنقل منه إلا مرة واحدة في موضع النص المنقول.
د- رجعت إلى كتب العقيدة المعتمدة عندهم مثل:
١- اعتقادات ابن بابويه.
٢- وأوائل المقالات للمفيد، وتصحيح الاعتقاد له أيضًا.
٣- ونهج المسترشدين لابن المطهر الحلي.
٤- والاعتقاد للمجلسي صاحب البحار.
٥- وعقائد الإمامية للمظفر (من المعاصرين) .
٦- عقائد الإمامية الاثني عشرية للزنجاني (معاصر) وغيرها.
وفي عقائدهم التي تفردوا بها رجعت - بالإضافة لما مضى - إلى ما كتب عن هذه العقائد مستقلًا، ففي الغيبة - مثلًا - رجعت إلى كتاب الغيبة لشيخهم محمد بن إبراهيم النعماني، من شيوخهم في القرن الثالث، وقد قال المجلسي عن كتابه هذا: "وكتاب النعماني من أجلّ الكتب" (١)، ثم نقل عن المفيد ما يتضمن الثناء عليه وتوثيقه (٢) .
وكذلك كتاب الغيبة للطوسي، وإكمال الدين لابن بابويه وغيرها.
وفي اعتقادهم في الرجعة، رجعت إلى ما كتبه شيخهم الحر العاملي في الرجعة وهو "الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة" وهكذا.
هـوكذلك رجعت إلى ما كتبه بعض شيوخهم في المقالات والفرق، وهما "المقالات والفرق" لشيخهم سعد بن عبد الله الأشعري القمي المتوفى سنة (٣٠١هـ)، و"فرق الشيعة" لشيخهم الحسن بن موسى النوبختي من شيوخهم في القرن الثالث. "وهما كتابان وصلا إلينا من بين كتب فرق الشيعة الضائعة" (٣) .
_________
(١) بحار الأنوار: ١/٣١
(٢) الموضع نفسه من المصدر السابق
(٣) محمد جواد مشكور، مقدمة كتاب المقالات والفرق للقمي: ص/ كا
1 / 22