Ориенталисты и миссионеры в арабском и исламском мире
المستشرقون والمبشرون في العالم العربي والإسلامي
Издатель
دار الوعي العربي
Жанры
الكتاب: المستشرقون والمبشرون في العالم العربي والإسلامي
المؤلف: الشيخ / إبراهيم خليل أحمد (من كبار علماء النصارى مَنَّ الله عليه بالإسلام)
الناشر: دار الوعي العربي
عدد الأجزاء: ١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
1 / 7
حوار مع المؤلف:
منقول من موقع islamicweb
الأستاذ إبراهيم خليل أحمد ... داعية اليوم كان هذا اللقاء.. وعبر دهاليز الضلالة والزيف نحو عالم الحق والهداية والنور كان هذا الحوار.
ـ كيف كانت رحلة الهداية التي أوصلتك شاطئ الإيمان والإسلام، ومن أين كانت البداية؟
ـ في مدينة الإسكندرية وفي الثالث عشر من يناير عام ١٩١٩ كان مولدي، نشأت نشأة مسيحية ملتزمة وتهذبت في مدارس الإرسالية الأمريكية، وتصادف وصولي مرحلة (الثقافة) المدرسية مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، وتعرض مدينة الإسكندرية لأهوال قصف الطائرات.. فاضطررنا للهجرة إلى أسيوط حيث استأنفت في كليتها التعليم الداخلي وحصلت على الدبلوم عام ٤١ / ١٩٤٢ وسرعان ما تفتحت أمامي سبل العمل فالتحقت بالقوات الأمريكية من عام ٤٢ وحتى عام ١٩٤٤م.
ـ ما طبيعة هذا العمل وكيف حصلت عليه؟
ـ كان للقوات الأمريكية وقتذاك معامل كيماوية لتحليل فلزات المعادن التي تشكل هياكل الطائرات التي تسقط من أجل معرفة تراكيبها ونوعياتها، وبحكم ثقافتي في كلية أسيوط ولتمكني من اللغة الإنجليزية ولأن الأمريكان كانوا يهتمون اهتمامًا بالغًا بالخريجين ويستوعبونهم في شركاتهم فقد أمضيت في هذا العمل سنتين.. لكن أخبار الحرب والنكبات دفعتني لأن أنظر إلى العالم نظرة أعمق قادتني للاتجاه إلى دعوة السلام وإلى الكنيسة.. التي كانت ترصد رغباتي وتؤجج توجهاتي.. فالتحقت بكلية اللاهوت سنة ١٩٤٥م وأمضيت فيها ثلاث سنين.
ـ ماهي الخطوط العامة لمنهج الكلية وأين موقع الإسلام فيه؟
ـ في الثمانية أشهر الأولى كنا ندرس دراسات نظرية.. يقدم الأستاذ المحاضرة على شكل نقاط رئيسية، ونحن علينا أن نكمل البحث من المكتبة. وكان علينا أن ندرس اللغات الثلاث: اليونانية والأرامية والعبرية إضافة إلى اللغة العربية كأساس والإنجليزية كلغة ثانية.. بعد ذلك درسنا مقدمات العهد القديم والجديد، والتفاسير والشروحات وتاريخ الكنيسة، ثم تاريخ الحركة التبشيرية وعلاقتها بالمسلمين، وهنا نبدأ دراسة القرآن الكريم والأحاديث النبوية، ونتجه للتركيز على الفرق التي خرجت عن الإسلام أمثال الإسماعيلية، والعلوية، والقاديانية، والبهائية ... وبالطبع كانت العناية بالطلاب شديدة ويكفي أن أذكر بأننا كنا حوالي ١٢ طالبًا وُكّل بتدريسنا ١٢ أستاذًا أمريكيًا و٧ آخرين مصريين.
ـ هذه الدراسات عن الإسلام وعن الفرق.. هل كانت للاطلاع العلمي وحسب أم أن هدفًا آخر كان وراءها؟
ـ في الواقع كنا نؤسس على هذه الدراسات حواراتنا المستقبلية مع المسلمين ونستخدم معرفتنا لنحارب القرآن بالقرآن ... والإسلام بالنقاط السوداء في تاريخ المسلمين! كنا نحاور الأزهريين وأبناء الإسلام بالقرآن لنفتنهم، فنستخدم الآيات مبتورة تبتعد عن سياق النص ونخدم بهذه المغالطة أهدافنا، وهناك كتب لدينا في هذا الموضوع أهمها كتاب (الهداية) من ٤ أجزاء و(مصدر الإسلام) إضافة إلى استعانتنا واستفادنا من كتابات عملاء الاستشراق!
وعلى هذا المنهج كانت رسالتي في الماجستير تحت عنوان (كيف ندمر الإسلام بالمسلمين) سنة ٥٢ والتي أمضيت ٤ سنوات في إعدادها من خلال الممارسة العملية للوعظ والتبشير بين المسلمين من بعد تخرجي عام ٤٨.
ـ كيف إذًا حدث الانقلاب فيك ... ومتى اتجهت لاعتناق الإسلام؟
ـ كانت لي - مثلما ذكرت - صولات وجولات تحت لواء الحركة التبشيرية الأمريكية، ومن خلال الاحتكاك الطويل، ومن بعد الاطلاع المباشر على خفاياهم تأكد لي أن المبشرين في مصر ما جاءوا لبثّ الدين وإنما لمساندة الاستعمار والتجسس على البلاد!
ـ وكيف؟
ـ الشواهد كثيرة، وفي أي مسألة من المسائل، فإذا كانت البلد تستعد للانتفاضة على الظلم كانت الكنيسة أول من تدرك ذلك لأن القبطي والمسلم يعيشان على أرض واحدة، ويوم يتأوه المسلم سرعان ما يسمع النصراني تأوهاته فيوصلها إلينا لنقوم بتحليلها وترجمتها بدورنا، ومن جانب آخر كان رعايا الكنيسة في القوات المسلحة أداة مباشرة لنقل المعلومات العسكرية وأسرارها، وعن طريق المراكز التبشيرية التابعة لأمريكا والتي تتمتع بالرعاية وبالحماية الأمريكية كانت تدار حرب التجسس، ولك أن تعلم هنا أن النصراني في مصر له جنسيتان وانتماءان: انتماؤه للوطن الذي ولد فيه وهو انتماء مدني تُعبر عنه جنسيته المصرية، وانتماء ديني أقوى تمثله الجنسية المسيحية. فهو يحس في أوروبا وفي أمريكا حصنًا وبالدرجة الأولى، بينما يشعر النصارى في مصر أنهم غرباء! تمامًا كالانتماء الإسرائيلي الذي يعتبر انتماءه بالروح إلى أرض أورشليم انتماء دينيًا، وانتماءه إلى الوطن الذي ولد فيه انتماء مدنيًا وحسب! ولذلك قام مخطط المبشرين والكنيسة على جعل مصر تدور في فلك الاستعمار فلا تستطيع أن تعيش بعيدًا عنه، الأمر الذي جعلني أشعر بمصريتي وأحس أن هؤلاء أجانب عني وأن جاري المسلم أقرب إلي منهم بالفعل ... فبدأت أتسامح.. عفوًا أقول أتسامح وأعني أن أقرأ القرآن بصورة تختلف عما كنت أقرؤه سابقًا وفي شهر يونيو تقريبًا عام ١٩٥٥م استمعت إلى قول الله سبحانه [قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنًا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به..] هذه الآية الكريمة من الغريب أنها رسخت في القلب، ولما رجعت إلى البيت سارعت إلى المصحف وأمسكته وأنا في دهشة من هذه السورة، كيف؟ إن الله ﷾ يقول: [لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعًا متصدعًا من خشية الله..] .
إبراهيم خليل الذي كان إلى عهد قريب يحارب الإسلام ويقيم الحجج من القرآن والسنة ومن الفرق الخارجة عن الإسلام لحرب الإسلام ... يتحول إلى إنسان رقيق يتناول القرآن الكريم بوقار وإجلال ... فكأن عيني رُفعت عنهما غشاوة وبصري صار حديدًا ... لأرى ما لا يرى ... وأحس إشراقات الله تعالى نورًا يتلألأ بين السطور جعلتني أعكف على قراءة كتاب الله من قوله تعالى: [الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل] وفي سورة الصف: [ومبشرًا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد] إذًا فالقرآن الكريم يؤكد أن هناك تنبؤات في التوراة وفي الإنجيل عن النبي محمد. ومن هنا بدأت ولعدة سنوات دراسة هذه التنبؤات ووجدتها حقيقة لم يمسها التبديل والتغيير لأن بني إسرائيل ظنوا أنها لن تخرج عن دائرتهم.. وعلى سبيل المثال جاء في (سفر التثنية) وهو الكتاب الخامس من كتب التوراة (أقيم لهم نبيًا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به) توقفت أولًا عند كلمة (إخوتهم) وتساءلت: هل المقصود هنا من بني إسرائيل؟ لو كان كذلك لقال (من أنفسهم) أما وقد قال (من وسط إخوتهم) فالمراد بها أبناء العمومة، ففي سفر التثنية إصحاح ٢ عدد ٤ يقول الله لسيدنا موسى ﵇: (أنتم مارون بنجم إخوتكم بني عيسو ...) و(عيسو) هذا الذي نقول عنه في الإسلام (العيس) هو شقيق يعقوب ﵇، فأبناؤه أبناء عمومة لبني إسرائيل، ومع ذلك قال (إخوتكم) وكذلك أبناء (إسحاق) وأبناء (إسماعيل) هم أبناء عمومة، لأن إسحاق، (شقيق) (إسماعيل) ﵉ ومن (إسحاق) سلالة بني إسرائيل، ومن (إسماعيل) كان (قيدار) ومن سلالته كان سيدنا محمد ﷺ، وهذا الفرع الذي أراد بنو إسرائيل إسقاطه وهو الذي أكدته التوراة حين قالت (من وسط إخوتهم) أي من أبناء عمومتهم.
وتوقفت بعد ذلك عند لفظة (مثلك) ووضعت الأنبياء الثلاثة: موسى، وعيسى، ومحمد عليهم الصلاة والسلام للمقابلة فوجدت أن عيسى ﵇ مختلف تمام الاختلاف عن موسى وعن محمد عليهما الصلاة والسلام، وفقًا للعقيدة النصرانية ذاتها والتي نرفضها بالطبع، فهو الإله المتجسد، وهو ابن الله حقيقة، وهو الأقنوم الثاني في الثالوث، وهو الذي مات على الصليب.. أما موسى ﵇ فكان عبد الله، وموسى كان رجلًا، وكان نبيًا، ومات ميتة طبيعية ودفن في قبر كباقي الناس وكذلك سيدنا رسول الله محمد ﷺ، وإذًا فالتماثل إنما ينطبق على محمد ﷺ، بينما تتأكد المغايرة بين المسيح وموسى ﵉، ووفقًا للعقيدة النصرانية ذاتها! فإذا مضينا إلى بقية العبارة: (وأجعل كلامي في فمه..) ثم بحثنا في حياة محمد ﷺ فوجدناه أميًا لا يقرأ ولا يكتب، ثم لم يلبث أن نطق بالقرآن الكريم المعجزة فجأة يوم أن بلغ الأربعين.. وإذا عدنا إلى نبوءة أخرى في التوراة سفر أشعيا إصحاح ٧٩ تقول: (أو يرفع الكتاب لمن لا يعرف القراءة ولا الكتابة ويقول له اقرأ، يقول ما أنا بقاريء..) لوجدنا تطابقًا كاملًا بين هاتين النبوءتين وبين حادثة نزول جبريل بالوحي على رسول الله في غار حراء، ونزول الآيات الخمس الأولى من سورة العلق.
ـ هذا عن التوراة، فماذا عن الإنجيل وأنت الذي كنت تدين به؟
ـ إذا استثنينا نبوءات برنابا الواضحة والصريحة ببعثة محمد ﷺ بالاسم، وذلك لعدم اعتراف الكنيسة بهذا الإنجيل أصلًا، فإن المسيح ﵇ تنبأ في إنجيل يوحنا تسع نبوءات، و(البرقليط) الذي بشر به يوحنا مرات عديدة ... هذه الكلمة لها خمسة معاني: المعزّي، والشفيع، والمحامي، والمحمد، والمحمود، وأي من هذه المعاني ينطبق على سيدنا رسول الله ﷺ تمام الانطباق فهو المعزّي المواسي للجماعة التي على الإيمان وعلى الحق من بعد الضياع والهبوط، وهو المحامي والمدافع عن عيسى ابن مريم ﵇ وعن كل الأنبياء والرسل بعدما شوه اليهود والنصارى صورتهم وحرفوا ما أتوا به وهو الإسلام.. ولهذا جاء في إنجيل يوحنا إصحاح ١٤ عدد ١٦ و١٧ (أنا أصلي إلى الله ليعطيكم معزيًا آخر ليمكث معكم إلى الأبد روح الحق) .. وقال في نبوءة أخرى إصحاح ١٦ عدد ١٣ - ١٤ (وأما متى جاء ذاك الروح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به. ويخبركم بأمور آتية، ذاك يمجدني) وهذا مصداق قول الله ﵎: [قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملًا صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا] .
ـ كيف كانت لحظة إعلانك للإسلام وكيف كانت بداية الحياة الجديدة في رحاب الهداية والحق؟
ـ بعد أن وصلت إلى اليقين وتلمست الحقائق بيدي كان عليّ أن أتحدث مع أقرب الناس إلي زوجتي، لكن الحديث تسرب عن طريقها إلى الإرسالية للأسف، وسرعان ما تلقفوني ونقلوني إلى المستشفى وتحت مراقبة صارمة مدعين أني مختل العقل! ولأربعة شهور تلت عشت معاناة شديدة جدًا، ففرقوا بيني وبين زوجتي وأولادي، وصادروا مكتبتي وكانت تضم أمهات الكتب والموسوعات ... حتى اسمي كعضو في مجمع أسيوط، وفي مؤتمر (سنودس) شُطب، وضاع ملفي كحامل ماجستير من كلية اللاهوت ... ومن المفارقات العجيبة أن الإنجليز في هذه الآونة كانوا قد خلعوا الملك طلال من عرش الأردن بتهمة الجنون ... فخشيت أن يحدث معي الأمر ذاته.. لذلك التزمت الهدوء والمصابرة وصمدت حتى أطلق سراحي، فقدمت استقالتي من الخدمة الدينية واتجهت للعمل في شركة أمريكية للأدوات المكتبية لكن الرقابة هناك كانت عنيفة جدًا، فالكنيسة لا تترك أحدًا من أبنائها يخرج عليها ويسلم، إما أن يقتلوه أو يدسوا عليه الدسائس ليحطموا حياته.. وفي المقابل لم يكن المجتمع المسلم حينذاك ليقدر على مساعدتي ... فحقبة الخمسينات والستينات كما تعلمون كانت تصفية للإخوان المسلمين، وكان الانتماء للإسلام والدفاع عنه حينذاك لا يعني إلا الضياع! ولذلك كان عليّ أن أكافح قدر استطاعتي، فبدأت العمل التجاري، وأنشأت مكتبًا تجاريًا هرعت بمجرد اكتماله للإبراق إلى (د. جون تومسون) رئيس الإرسالية الأمريكية حينذاك، وكان التاريخ هو الخامس والعشرين من ديسمبر ١٩٥٩ والذي يوافق الكريسماس، وكان نص البرقية: (آمنت بالله الواحد الأحد، وبمحمد نبيًا ورسولًا) لكن إشهار اعتناقي الرسمي للإسلام كان يفترض عليّ وفق الإجراءات القانونية أن ألتقي بلجنة من الجنسية التي أنا منها لمراجعتي ومناقشتي.
وفي الوقت الذي رفضت جميع الشركات الأوربية والأمريكية التعامل معي تشكلت اللجنة المعنية من سبعة قساوسة بدرجة الدكتوراه.. خاطبوني بالتهديد والوعيد أكثر من مناقشتي! وبالفعل تعرضت للطرد من شقتي لأنني تأخرت شهرين أو ثلاثة عن دفع الإيجار واستمرت الكنيسة تدس علي الدسائس أينما اتجهت.. وانقطعت أسباب تجارتي.. لكني مضيت على الحق الذي اعتنقته ... إلى أن قدر الله أن تبلغ أخباري وزير الأوقاف حينذاك عبد الله طعيمة، والذي استدعاني لمقابلته وطلب مني بحضور الأستاذ الغزالي المساهمة في العمل الإسلامي بوظيفة سكرتير لجنة الخبراء في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية فكنت في منتهى السعادة في بادئ الأمر، لكن الجو الذي انتقلت إليه كان - وللأسف - مسمومًا، فالشباب يدربون على التجسس بدل أن يتجهوا للعلم! والموظفون مشغولون بتعليمات (منظمة الشباب) عن كل مهامهم الوظيفية وكان التجسس على الموظفين، وعلى المديرين، وعلى وكلاء الوزارة ... حتى يتمكن الحاكم من أن يمسك هؤلاء جميعًا بيد من حديد! ولَكَم تركت أشيائي منظمة كلها في درج مكتبي لأجدها في اليوم الثاني مبعثرة! وعلى هذه الصورة مضت الأيام وأراد الله سبحانه أن يأتي د. محمد البهي وزيرًا للأوقاف بعد. طعيمة الجرف. وكان د. البهي قد تربى تربية ألمانية منضبطة، لكن توفيق عويضة سكرتير المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية وأحد ضباط الصف الثاني للثورة تصدى له.. وحدث أن استدعاني د. البهي في يوم من الأيام بعدما صدر كتابي: (المستشرقون والمبشرون في العالم العربي والإسلامي) وأحب أن يتعرف عليّ ... فترامى الخبر إلى توفيق عويضة واعتقد أنني من معسكر د. البهي والأستاذ الغزالي.. ووجدت نفسي فجأة أتلقى الإهانة من مدير مكتبه رجاء القاضي وهو يقول لي: اتفضل على الوزارة التي تحميك! خرجت والدموع في عيني، وقد وجدتهم صادروا كتبي الخاصة من مكتبي ولم يبقوا لي إلا شيئًا بسيطًا حملته ورجعت إلى الوزارة.. وهناك اشتغلت كاتب وارد بوساطة!! فكان يوم خروجي على المعاش بتاريخ ١٢ / ١ / ١٩٧٩ وقد بلغت الستين، ومن ذلك اليوم بدأ إبراهيم خليل يتبوأ مركزه كداعية إسلامي، وكان أول ما نصرني الله به أن ألتقيت مع الدكتور جميل غازي ﵀ بـ ١٣ قسيسًا بالسودان في مناظرة مفتوحة انتهت باعتناقهم الإسلام جميعًا وهؤلاء كانوا سبب خير وهداية لغرب السودان حيث دخل الألوف من الوثنيين وغيرهم دين الله على أيديهم.
ـ يثور في مصر على الدوام نزاع واختلاف حول تحديد نسبة الأقباط فيها والمسلمين. ماذا حول هذا الموضوع؟
ـ أنا لا أقيس الأقباط والنصارى بعدد السكان ومع ذلك فأنا أعتقد بأن التأثير الفعال في مصر لهم، بحكم وضعهم المالي والعلمي وللدهاء الذي يستخدمونه في سبيل السيطرة. الإحصائيات العالمية تقول إن الأقباط ١٢ مليونًا من بين أكثر من ٤٠ مليون مصري. لكن مطامح الكنيسة تتطلع إلى يوم يتوازن العدد السكاني بين المسلمين والأقباط وتروج لذلك جهاز تنظيم الأسرة وأدوات منع الحمل فتحد من تزايد المسلمين عدديًا، وتسهل ازدياد الفساد الأخلاقي والعلاقات الحرام، وفي الوقت ذاته أعطى الأب شنودة تعليمات صريحة لتشجيع التوالد بين الأقباط، وخصص مكافآت وإعانات لذلك. فإذا تحقق لهم التقارب العددي نادوا أن هذه أرضنا ونحن من سلالة الفراعنة ولسنا عربًا ... تمامًا كما حصل في السودان وبات جون قرنق لا يطالب بفصل الجنوب وحده وإنما بطرد العرب والمسلمين والعودة بالسودان إلى زنجيته المزعومة.
ـ إذًا هل تعتقد أن مصر مهددة بفتنة طائفية بين المسلمين والأقباط؟
ـ كلما تتبعنا حوادث الاقتتال الطائفي في مصر وجدنا أن ثمة ما لم يكن على مراد النصارى من نظام البلد كان البداية.. ثم تبدأ الوقائع المعروفة: قطعة أرض يختلف حولها مسلم ونصراني، الأخير بإحساسه أنه مسنود من أمريكا مباشرة يفتري على المسلم، فيثير ذلك حمية الأخر فيضربه وتتطور الأمور، وسرعان ما تتدخل أمريكا وانجلترا لتحقق مرمى أكبر من مراميها ... أتذكر يوم أن أرادت انجلترا احتلال مصر كيف افتعلت معركة بين مالطي (من سكان مالطة) وحّمار في الإسكندرية انتهت ولأسباب واهية بقتل المالطي، فكانت ذريعة استند إليها الأسطول الإنجليزي لضرب الإسكندرية وكانت حجتهم حماية النصارى غير الآمنين؟
مرة وفي عام ٧٥ طُلب مني تقديم محاضرة بكلية أسيوط، وأسيوط بالذات وكر نصراني مريع جدًا فتكلمت عن المسيح ﵇ وعن الرسول ﷺ، من خلال الأناجيل والتوراة ... وكان للمحاضرة صدى واسعًا انتهى بإعلان ١٧ من الشبان أبناء الجامعة إسلامهم. فماذا حدث؟ احتج الأنبا شنودة وأبرق تلغرافًا رأيته بعيني بحجم صفحة (الفلوسكاب) يندد بي، ويعتبرني إنسانًا مغرضًا أتاجر بالدين!
ـ ولمن كان التلغراف؟
ـ لرئيس الجمهورية بالذات، يحذره ويهدده بأن إبراهيم خليل سيسبب فتنة طائفية في مصر! . ومن رئيس الجمهورية تدرج الموضوع إلى رئيس مجلس الوزراء إلى وزير الأوقاف إلى وكيل أول وزارة الأوقاف الذي استدعاني وقال لي بالحرف: أنا مكلف بأن أبلغك أن تكف عن الدعوة.
ـ من يقول هذا الكلام؟
ـ وكيل وزارة الأوقاف! قلت له: أنا ما دخلت الإسلام حتى أنال قرشين كل شهر ولكنني دخلته حتى أشرب فأسقي. وقدمت استقالتي فورًا بين يديه ... وبعد اتصالات أجراها بالهاتف وكأنما أثرت كلمتي بالوكيل قال لي: نأخذ عليك تعهدًا إذًا أن لا تتعرض للأنبا شنودة في محاضراتك!
هذه هي الفتنة الطائفية التي يتحدثون عنها ويخوفون الناس بها، في عام ٦٣ طُلب مني أن أسجل حديثًا لإذاعة القرآن الكريم من مصر فتعرضت خلال الحديث لقوله تعالى: [لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ...] وبعد التسجيل أتت الأوامر من القيادة العليا بأن إبراهيم خليل لا يدخل الإذاعة ثانية ولا التلفزيون.. فهذه آيات تمس النصارى!.
1 / 8
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تمهيد
قبل الكتابة في مثل هذا الموضوع لخدمة القضية الوطنية، ولتحقيق سيادة القومية العربية - أرى لزامًا عليّ أن أكتب لمحات عن حياتي حتى يتبين للقارئ الكريم مدى صحة ما أقرر ومدى أهميته. فكلما كان التقرير من مسئول له كيان اجتماعي مرموق كان لتقريره الأثر الفعلي في نفس السامع، وفي خدمة قضايا الوطن العربي الكبير. لهذا تراني مضطرًا للكتابة على حياتي لتقديم هذا التقرير.
1 / 9
مقدمة
أولًا: لماذا أسلمت؟
للإجابة على هذا السؤال في صراحة تامة أرى أن أسوق الحديث في هذه النقاط بالتتالي:
أ- نشأتي.
ب- تهذيبي.
ج- ممارستي للحياة العملية.
د- تخصيص حياتي للخدمة الدينية.
هـ- نقطة التحول "كيف اهتديت إلى الإسلام".
ونقطة الفصل "اعتناقي الإسلام دينًا ودخولي إلى الإسلام مع أبنائي الأربعة في ٢٥/١٢/١٩٥٩م".
أ- نشأتي:
ولدت بمدينة الإسكندرية في ١٣/١/١٩١٩م. من أبوين حباهما الله بسطة من العيش ووهبهما من متاع الدنيا منزلين أحدهما برمل الإسكندرية وثانيهما بالبلد بقسم اللبان شارع المحافظة بالإسكندرية. كما حباهما الله بالتدين الفطري. وأغلب الظن أن عائلتي تمتد جذورها إلى أبناء الصعيد وعلى وجه التحديد إلى أبناء محافظة أسيوط. وقد درجت منذ نعومة أظافري في تلقي الدرس.
1 / 11
ب- تهذيبي:
تهذبت بالمدارس الخاصة التي كبدت والدي بالمصروفات الكثيرة، واجتزت مرحلة الإبتدائي بتفوق. فمرحلة الثانوي، حتى كانت الغارات النازية سنة ١٩٤٠ التي دفعت بأهل الإسكندرية إلى الهجرة طلبًا للنجاة من أهوال الحرب العالمية الثانية. وكنت من أبناء الحركة الكشفية، ثم حركة الجوالة، مما أتاح لي الفرص الطيبة للتعرف على مختلف البيئات والعقائد والأديان "الإسلام واليهودية والنصرانية"، وتقاربت الأفكار بيننا تقاربًا يوحيه إلينا مبدأ الكشافة الذي يقضي بأن كل الناس أخوة، وأن رسالة الله على الأرض السلام، وعلى الأخوة أن يتمتعوا بالسلام ويدعوا له. غير أن أهوال الحرب قد قهرتنا على أمرنا، فهاجرت إلى أسيوط، والتحقت بكلية أسيوط الأمريكية لاستئناف دراستي الثانوية حيث أتممت بتفوق مرحلة الثقافة فالتوجيهي، وحصلت على دبلوم كلية أسيوط سنة ١٩٤٢م وهو يعادل الشهادة التوجهية في حفل مهيب يعقد لهذا الغرض، ويطلق عليه حفل تسليم الدبلومات للخريجين.
وفي كلية أسيوط استطعت استغلال الوقت كله في الإطلاع والبحث العلمي في مكتبة الكلية الزاخرة بمختلف أنواع الكتب الإنكليزية والعربية وأحدث المؤلفات وأقومها.
ج- ممارستي للحياة العملية:
لقد أصبح المرسلون من يوم أن نزلت بكليتهم بأسيوط بمثابة أولياء الأمر. وسرعان ما أتاحوا لي فرصة لخدمة الجيش الأمريكي بمصر من سنة ١٩٤٢ إلى ١٩٤٥م في سلاح الصيانة. حيث عملت
1 / 12
بالمعامل الكيميائية لتحليل المعادن بمخيم هاكستيب (مطار القاهرة الحالي)، وكان للدماء والرمال ولأهوال الحرب أثر في نفسي دفعني إلى الدعوة الصادقة للسلام. ووجدت أن الطريق إلى السلام في السلك الديني، ووظفت كل كياني بما أوتيت من طاقات ومن مال للمسيح وللكنيسة، فتقدمت عن طريق مجمع مشيخة الوجه البحري للإلتحاق بكلية اللاهوت الإنجيلية وتم قبولي بالكلية سنة ١٩٤٥م وظللت حتى تخرجت منها سنة ١٩٤٨ حاصلًا على دبلوم الكلية وهو يعادل ليسانس "كلية دار العلوم جامعة القاهرة".
ومما هو جدير بالذكر وما ينبغي أن يعلمه كل مسلم عن هذه الكلية - التي لا تخضع لإشراف وزارة التربية والتعليم، ولا وزارة التعليم العالي، بل تخضع في برامجها إلى إشراف جامعة برنستون بالولايات المتحدة الأمريكية - أن نسبة عدد الأساتذة الأمريكيين إلى عدد الأساتذة الوطنيين تعادل ٢: ١ وعددهم جميعا ١١ أستاذًا مع أن عدد الطلبة لا يتجاوز الستة عشر طالبًا في جميع المراحل بالكلية. ومدة الدراسة النظرية ثلاث سنوات متتالية. ومدة الدراسة العملية سنة مجزأة على فترتين - الفترة الأولى في الأجازة الصيفية بين السنة الأولى والثانية حيث يوفد الطالب إلى إحدى الكنائس للوعظ والتعليم فيها. والفترة الثانية في الأجازة الصيفية بين السنة الثانية والثالثة حيث يوفد الطالب لنفس المهمة.
ويقوم المجمع الذي تتبعه الكنيسة بالإشراف العملي على تدريب الطالب في حقل الخدمة.
ومن قواعد الإلتحاق بهذه الكلية أن يكون الطالب منتظمًا إنتظامًا داخليًا، ولعل في هذا حكمة يقصد منها مراقبة الطالب للتعرف على أخلاقه حتى إذا ما تبين لهم استقامته وغيرته على الكنيسة
1 / 13
اطمأنوا إلى تأهيله للتخرج، ولهذا كان من المميزات لمنح دبلوم كلية اللاهوت شهادة إدارة الكلية عن الطالب بالأخلاق الفاضلة التي تؤهله لأن يؤتمن على أسرار شعب الكنيسة.
أما مواد الدراسة التي يدرسها الطالب دراسة جامعية تتوقف على مقدار استعداده للبحث والتقصي - فهي كالآتي:
١- اللغة الإنكليزية: (الأدب الإنكليزي، القواعد، القراءات في أمهات الكتب) .
٢- اللغة العربية: (القرآن الكريم، الأحاديث النبوية، الآراء المذهبية في الإسلام، العقيدة الإسلامية، الردود على الإسلام بدراسة كتب المستشرقين) .
٣- اللغة اليونانية: (لدراسة الأناجيل، ومدة دراستها ثلاث سنوات متتالية) .
٤- اللغة العبرية: (لدراسة التوارة، ومدرة دراستها ثلاث سنوات متتالية) .
٥- مقارنة الأديان.
٦- مقدمات الكتاب المقدس: (دراسة مستفيضة عن أسفار الكتاب المقدس وحوادث تنزيلها) .
٧- تفسير الكتاب المقدس.
٨- تاريخ الكنيسة (وهي دراسة للعالم المعروف وقتئذ من القرن الأول الميلادي إلى القرن الخامس عشر) .
1 / 14
٩- التاريخ القديم: (وهي دراسة مستفيضة للعصور المعاصرة لأنبياء العهد القديم) .
١٠- علم الوعظ: (إن علم الوعظ فن من الفنون) .
١١- علم الرعوية: (إن علم الرعاية فن آخر من الفنون) .
١٢- علم المنطق.
١٣- علم النفس.
١٤- علم الخطابة.
١٥- الفلسفة: (وتتضمن الجوانب الإلهية للتفكير الإنساني منذ فجر التاريخ إلى بزوغ المسيحية) .
١٦- سياسة الكنيسة: (وهي دراسة فقهية عن الشريعة والعلاقات بين الأفراد بعضهم مع بعض ومع المجتمع) .
هذه هي الدراسات التي يبدأ الطالب بها حياته ليكون قسيسًاَ وراعيًا للكنيسة، وهي بداية لدراسات على مستوى أعلى حتى يستطيع أن ينعم بدرجة قسيس وراع. ويقوم بالإشراف عليه في هذه المرحلة المجمع الذي يتبعه فإذا ما حاز الطالب تزكية شعب الكنيسة بأهليته ليكون قسًا وراعيًا لهم يعهد إليه المجمع ببحث ديني يحدد له موعد لمناقشته أثناء إنعقاد المجمع، فإذا ما نجح بتفوق قام المجمع بعمل مراسيم رسامته قسيسًا وراعيًا للكنيسة التي بايعته على الرعية. وهذه الدرجة تعادل درجة الماجستير، وقد تمت لي شخصيًا تلك الرسامة، ونصبت راعيًا وقسيسًا للكنيسة الإنجيلية بباقور محافظة أسيوط سنة ١٩٥٢م في حفل رائع تحدثت عنه كل الصحف الدينية وقتئذ.
1 / 15
د- تخصيص حياتي للخدمة الدينية:
ذاع نشاطي بين المرسلين الأمريكيين ولا سيما في العمل التبشيري بين المسلمين، وكنت أعتمد في هذا المضمار على النفوذ الإنكليزي بالبلاد وقتئذ من سنة ١٩٤٥ - ١٩٥٥م - حتى انتدبني سنودس النيل الإنجيلي للتدريس بكلية اللاهوت بأسيوط لكنيسة نهضة القداسة التابعة للإرسالية الإنكليزية الكندية. ثم تهافتت عليّ الإرسالسة الألمانية السويسرية بأسوان للعمل كسكرتير عام للإرسالية، وثم إنتدابي في سنة ١٩٥٤، وهناك قمت بعمل تبشيري سافر في المنطقة من "الدكا" بأراضي النوبة إلى "أدفو" جنوبًا. وكان معقل نشاطي مستشفى الجرمانية حيث يتوافد عدد من المسلمين والمسلمات للاستشفاء والعلاج، وعند الحديث عن العمل التبشيري سأوضح أسرار هذا العمل الخطير في مثل هذه الدور، كما كانت لي ندوات تبشيرية مع رجالات مسلمي أسوان، يشهدها عدد من أقباط أسوان، وفي كل جولة كنت أزداد تقديرًا بين بني قومي، حتى أنهم كانوا يعتزون بمقدمي في مدينتهم أسوان.
واستطعت أن أقوم بنهذات دينية رائعة دعوت لها كبار الشخصيات المرموقة والعالمية.
هـ - نقطة التحول (كيف اهتديت للإسلام)؟
من العجب العجاب أنني في نشوة إنتصاراتي بالعمل التبشيري، وفي فترة إعداد نفسي لنيل درجة "دكتوراه في الفسلفة واللاهوت من جامعة برنستون بأمريكا" وفي استعداي وإعدادي للرسالة
1 / 16
التي أسميتها "سيف جليات" أردت الهجوم على الإسلام بمهاجمة القرآن الكريم. ويشاء الله أن يقهرني بالقرآن الكريم، ليسمعني صوته بقوله تعالى: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾ .
كان لهذه الآية وقع على نفسي. إذ جعلتني افكر تفكيرًا حرًا نزيهًا، وأحسست بأن الله الذي علمني ما لم أعلم يستطيع أن يجردني من العلم والمعرفة، ويتركني للذل والهوان، لكن إرادته لهاديتي جعلته يفيض عليّ من أنوار هذه الآية، مما أيقظ ذهني وقلبي ووجهي إلى إرادته ومشيئته.
والحق أن ما قرره القرآن الكريم هو الصدق اليقيني: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾، ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ .
الحمد لله الذي هداني لهذا، وما كنت لأهتدي لولا أن هداني الله.
وبرزت أمامي نقاط رئيسية: منها الوحدانية والغفران كما تقررها المسيحية والإسلام، والفضل لأهله يرد، فإن القرآن
1 / 17
الكريم قد بسط عقيدة الوحدانية تبسيطًا يفهمه العالم والأمي، وهذا لا ريب من سنن الله في عدالته، إن الله ليس كالبشر يأخذ الناس بجرائرهم جريًا على القول المأثور في القوانين الوضعية "إن الجهل بالقانون لا يعفي صاحبه من التعرض للعقوبة أو مسئولية قيامه بأي عمل مخالف للقانون"، لا، بل الله بعدله يبين القوانين ليتفهمها الإنسان، وبمقدار إدراك الإنسان وعلمه تكون مسئوليته أمام الله.
وفي هذا يفخر المسلم بعقيدة الوحدانية السليمة التي تتلخص في قوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ . هذه هي الوحدانية في الذات والصفات والأفعال، ومعناها أن ذاته ليست مركبة، وليس لغيره ذات تشبه ذاته، وأنه ليس له صفتان من جنس واحد كقدرتين وعلمين، وليس لغيره صفة كصفته، وأن الأفعال كلها خيرها وشرها، اختيارها واضطرارها مخلوقة لله وحده بلا شريك ولا معين. والآيات القرآنية التي تدل على وحدانية الله كثيرة في مختلف السور منها: (فاطر ٥، البقرة ١٦٣، الأنبياء ٢٢، الصافات ٩٦) . وغيرها كثير.
أما الوحدانية في المسيحية - كما تمخض عنها مجمع نيقية في القرن الرابع الميلادي - فتعتمد على ما جاء في إنجيل متى الباب الثامن والعشرين والعدد التاسع عشر: (فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والإبن والروح القدس) . والمدقق في النصوص الكتابية يرى إضافة هي (إله واحد آمين) ويشار إليها في الحاشية بأن هذه الإضافة لم توجد أصلًا في النسخ الأصلية القديمة، بل وجدت في الترجمات. ويجمل بنا أن نستطلع رأي
1 / 18
رجال اللاهوت في هذا الصدد، فقد كتب الإيغومانس ميخائيل مينا ناظر المدرسة اللاهوتية (الأنبا يؤنس) بحلوان في كتابه علم اللاهوت في الجزء الأول في صفحة ٢٣٨ ما نصه: (أن الأقنوم كلمة سريانية الأصل، تشير في مسماها إلى كائن حي قدير مستقل بذاته، ينسب أفعاله إلى نفسه)، وفي صفحة ٢٣١ - ٢٣٣ قال: (إننا نجد أن كل أقنوم من هؤلاء الأقانيم الثلاثة يخاطب الآخر أو يتكلم، ففي أثناء معمودية المسيح ﵇ قيل: أن الأقنوم الأول أشار إلى الأقنوم الثاني قائلًا: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت - متى ٣: ١٦" وفي إقامة المسيح ﵇ للعارز من الأموات قيل: إن الأقنوم الثاني خاطب الأقنوم الأول بقوله: "أشكرك أيها الآب، لأنك سمعت لي - يوحنا ١١: ٤١"، وعندما أراد المسيح أن يتنبأ بصعوده إلى السماء قيل: إن الأقنوم الثاني تنبأ عن الأقنوم الثالث بقوله: (ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم - يوحنا ١٦: ١٤)، وقال جنابه أن المسلم به أن أسماء وصفات الشخص الواحد المختلفة لا يمكنها أن تتخاطب معًا أو تتكلم عن بعضها بأمور صريحة تسمعها الآذان وتدركها الأفهام.
ولقد كان الإختلاف في مفهوم الوحدانية مثار الجدل المريد منذ فجر المسيحية، وكلما ظهر بين الآباء من يناشد الحق ويسير في الطريق المستقيم هبت الكنيسة لتقاوم وتدفع العقيدة إلى البطلان والشرك، فلقد ظهر آريوس، وأراد أن يضع أسسًا سليمة للوحدانية، ونادى بانسانية المسيح، وأنه لا يمكن أن يعادل الله أو يشبهه موجهًا لخصومه ما جاء في التوارة من القول عن الله:
1 / 19
(أنا الله وليس أخر الآله وليس مثلي "أشعياء ٤٦: ٩")، وإقرار آخر (أليس أنا الرب ولا إله آخر غيري. إله بار ومخلص وليس سواي. التفتوا إلي وأخلصوا يا جميع أقاصي الأرض، لأنني أنا الله وليس آخر "أشعياء ٤٥: ٢١، ٢٢") . وإقرار آخر (بمن تشبهونني وتسوونني وتمثلونني لنتشابه "أشعياء ٤٦: ٥") .
ومع وجود مثل هذه الآراء الحرة لم يكن من السهل اعتناقها، بل كان الويل والاضطهاد لكل من ينتمي إليها، وأني لأضرع إلى الله أن يهديهم إلى الطريق السوي وإلى الصراط المستقيم.
ويطول بي الحديث إذا تحدثت عن نظرية الغفران والفداء في المسيحية. ويكفي الإسلام فخرًا أن مغفرة الله للإنسان لا تتوقف على وسيلة من الوسائل مهما عظمت أو قلت، وإنما تتوقف رحمته ومغفرته على توبة الإنسان توبة صادقة، مع إيمانه بالله الواحد الأحد وبرسالة محمد ﷺ، ويؤيد هذا قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ .
والإسلام يؤكد في قوة وصراحة أن الغفران منحة يمنحها الله وحده لعباده التائبين، والله يأبى أن يكون له شريك أو شبيه، لقوله تعالى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ فليس لغيره أن يغفر ذنوب البشر.
وكان علي أخذ طريقي إلى القرآن الكريم بعين بصيرة وبقلب خاشع لله، وكان علي أن أقارن بين سمو ما ورد في القرآن الكريم وبين ما جاء في التوراة والإنجيل، وبهذه الدراسة أيقنت أن الله
1 / 20
﷾ قد "أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا".
واعتناقي للإسلام، واعتزازي بالانتساب إليه.
لقد أراد الله لي خيرًا، فهداني إلى الإسلام بينما أنا في جهالتي وحماقتي أردت للإسلام تقويضا وللمسلمين أن يدخلوا في رحاب النصرانية، فعفا الله عما سلف. وأمام رضوان الله جل وعلا رأيت ضرورة حسم الموقف بخطوة إيجابية، وهي اعتزال الخدمة الدينية، واعتزال الأهل والعشيرة والأصدقاء الذين ربط الزمن مصيري بمصيرهم، وكنت أسير معهم على فلك واحد، فتقدمت إلى المسئولين بالإرسالية الألمانية السويسرية، وأعربت لهم عن اعتزالي للخدمة الدينية، فاستنكروا على هذا القرار، وأرادوا أن يمنحوني أجازة طويلة المدى لتدارك الموقف، فأصررت على موقفي، وكانت النتيجة الحتمية لهذا أن التحقت بشركة ستاندرد ستيشنيري ٣٠ شارع عبد الخالق ثروت بالقاهرة في يوليو سنة ١٩٥٥ م للعمل بوظيفة مساعد مدير مبيعات.
والواقع أن تصميمي على هذا الموقف كان نتيجة لما تذوقته من صفاء العقيدة الإسلامية، وما تحققته من جهاد الرسول الكريم والصحابة رضوان الله عليهم في نشر دعوة الإسلام في إيمان صادق مع إلتزام الأمر الرباني: (لا إكراه في الدين) . وهل يستطيع المرء أن يهاجم الإسلام بعد أن تبين له الرشد من الغنى. الحق أقول: إن القرآن قد غلبني على أمري، وغلبت إرادة الله إرادتي، وكان القرار بترك الخدمة الدينية قرارًا حاسمًا للموقف.
1 / 21
توظفت بشركة ستاندرد ستيشنيري بوظيفة مساعد مدير مبيعات حيث مارست تجارة الآلات الكاتبة، والآلات الحاسبة، وآلات تصوير المستندات، وآلات النسخ بالاستنسل، ولحكمة أرادها الله من التحاقي بهذه الشركة اكتسبت خبرة واسعة النطاق في أدق العمليات للمكتب الحديث وتنظيمه. وقد أنست في نفسي مقدرة على التجارة، وأردت أن أكون مسلمًا إسلامًا لا يرتبط بلقمة العيش، فأنشأت لنفسي مكتبًا تجاريًا لتجارة الأدوات الكتابية والمكتبية تحت سجل تجاري رقم ١٠١٦٦٢، وجهزته بتليفون رقم ٥٩٢٢٦، وباشرت عملي التجاري الحر من مارس ١٩٥٨ بعد أن قدمت استقالتي من شركة ستاندرد ستيشنيري، وصرفت مكافأتي وتربو على المائتين من الجنيهات.
وفي هذا كله لم يطرأ على تغيير علني، بل كنت في اعتناقي للإسلام مثل (الدكتور نظمي لوقا) حبيب الإسلام، وصديق المسلمين، الأمر الذي لم أقتنع به إطلاقا، وإلا فأين الجهاد في سبيل الله ورسوله. وبهذه الرغبة شاء الله جل شأنه أن يقودني إلى الإسلام قيادة حكيم منتصر. فأرسل إلي السيد الأستاذ الدكتور محمد عبد المنعم الجمال المدير العام بمصلحة الضرائب بوزارة الخزانة في شتاء سنة ١٩٥٧ م. جاءني أو بالحري جاء إلى شركة ستاندرد ستيشنيري لتقوم له الشركة بطباعة الجزء الثلاثين من القرآن الكريم مفسرا باللغة الإنكليزية، وكان لي شرف التكليف بتنفيذ الطباعة، وكانت دراسة من رجل من رجال الإسلام العلمانيين قد وضحت المفاهيم وقوت الإرادة لحسم الموقف، وكان القرار الذي اتخذته للدخول إلى دين الله مسلمًا.
1 / 22
وقبل المضي في تنفيذ هذا القرار سبقته بقرار أول، وهو الاستقلال بالعمل التجاري بإنشاء (مكتب فيلبس للأدوات الكتابية والمكتبية) كما سبقت الإشارة إليه آنفًا، وكانت لي أرباح عمولة شهرية تربو على الستين جنيهًا، وكان تعاملي مع البيوتات التجارية الكبرى، أمثال شركة الكاتب المصري، وشركة ستاندرد ستيشنري، وشركة ناشيونال لآلات تسجيل النقد، وشركة أوليفتى، وشركة بوروز لآلات التسجيل. وانتهيت إلى هذا القرار.
القرار الذي اتخذته لإشهار إسلامي
تدارست الأمور كلها من كل جوانبها: من الناحية الزوجية، ومن ناحية أبنائي، ومن ناحية العمل الذي هو مصدر رزقي، ووجدت أنه لابد من مواجهة الحقائق دون تردد.
وفي ٢٥ ديسمبر سنة ١٩٥٩ أرسلت خطابين:
١- خطابًا إلى السيد الدكتور جون طمسون رئيسى أعرب له عن رغبتي في إعتناق الإسلام دينًا.
٢- خطابًا إلى محافظة القاهرة لإشهار إسلامي.
وقد كان للخطاب الأول آثار عكسية.
الأثر الأول تكتل أرباب البيوتات التجارية الكبيرة عن التعامل معي، ووجدت نفسي في عزلة عن النشاط التجاري، وبالتالي كان لهذا الموقف تأثير قوي علي (رغيف العيش)، وتغلبت على هذه المشكلة بالاستعانة بما أدخرته من مال، حتى يتبلور الموقف نهائيًا، وبدأت أستعين برأس المال الموظف في التجارة في تدبير معاشي ومعاش أبنائي.
1 / 23
الأثر الثاني هجر زوجتي أياي، وتركها الأبناء، وقد تغلبت على هذه المحنة بالإيمان والصبر.
أما الخطاب الثاني فكان من آثاره تحديد جلسة للمناقشة والمواجهة من قساوسة جاءوا فزعين إلى منزلي مساء يوم ثلاثاء من يناير سنة ١٩٦٠، وكان من الواجب أن يخطرني بذلك قسم الوايلي الذي يتبعه محل إقامتي، لكن شيئًا من هذا القبيل لم يحدث. وما أن علمت بموعد الجلسة حتى تهيأت لها، وما أن جاء شهر فبراير حتى آحيلت الأوراق إلى الشهر العقاري للتسجيل. ولما أيقنت الزوجة أن الأمر صار مقضيًا به استأذنت في ترك المنزل، وأذنت لها وأنا عالم بطرق التبشير المرير لإصرار زوجتي على موقفها كمسيحية، وعلى سبيل المثال: إن المرسلين من الخطورة بمكان لا يبارى، وها هي سمومهم: "فكل من يعترف بي قدام الناس أعترف أنا أيضًا به قدام أبي الذي في السموات، ولكن من ينكرني قدام الناس أنكره أنا أيضًا قدام أبي الذي في السموات" (إنجيل متى ١٠: ٣٢، ٣٣) .
بل زادوا إمعانًا في عزلي عن زوجتي وأهلي بسمومهم بقولهم: "من ليس معي فهو عليّ، ومن لا يجمع معي فهو يفرق، لذلك أقول لكم كل خطيئة وتجديف يغفر للناس، وأما التجديف على الروح فلن يغفر للناس. ومن قال كلمة على ابن الإنسان يغفر له، وأما من قال على الروح القدس فلن يغفر له، لا في هذا العالم ولا الآتي" (إنجيل متى ١٢: ٣٠ - ٣٢) .
ومن هو الروح القدس حتى يكون بهذا المقام؟ فيقول الأقنوم الثاني عنه: "ومتى جاء المعزى الذي سأرسله من الآب روح الحق الذي هو عند الآب فهو يشهد لي" (إنجيل يوحنا ١٥ - ٢٦) .
1 / 24
وبهذه السموم أوغروا قلوب الأهل والأصدقاء بكراهية بلغت حدًا مريرًا من العداوة، وانتزعوا مني زوجتي الآمنة المطمئنة، وأحالوا أهلي وعشيرتي إلى خصوم أشداء، وهكذا واجهت هذه المتاعب في صبر وإيمان - وشققت طريقي إلى تنفيذ الإجراءات الرسمية حتى تم كل شيء على خير ما يرام ففي ٣٠/٥/١٩٦٠ صدر القرار الوزاري كاملًا من وزارة الصحة العمومية قسم المواليد بتغيير الاسم والديانة إلى مسلم لي ولأبنائي الأربعة، والحمد لله على هذه الهداية الطيبة.
وترامت المعلومات إلى السيد الأستاذ أحمد عبد الله طعيمة وزير الأوقاف الأسبق عن إيماني بالله وبرسوله الكريم، فاستدعاني إلى مكتبه في مارس ١٩٦٠، وفي فبراير ١٩٦١ عهد إلى السيد الأستاذ محمد توفيق عويضه باستدعائي إلى مكتبه ٧٦ شارع الجمهورية، وعلى أثر هذه المقابلة الطيبة تمت مقابلة ثانية تم فيها تعييني بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بوظيفة خبير في الشئون الدينية، وفي ١٠/٢/١٩٦٢ صدر قرار تنفيذي رقم ١٧٦ بالتعيين اعتبارًا من ١٣/٢/١٩٦١، ولازلت المجلهد الأمين لله ولرسوله الكريم، والداعي إلى الإسلام الحنيف، لا سيما بين أهل الكتاب. جعلني الله موضع ثقة المسئولين وتقديرهم.
وهنا ظهرت حكمة الله في هذا الإختيار، وأعتقد يقينًا أن الله أراد أن يجعلني في خدمته وفق طريقه المستقيم.
وأنا اليوم إذ أضع هذا التقرير بين يديكم لا أبتغي إلا خدمة الإسلام والوطن العربي الكبير، وقد توخيت فيه الصدق معتمدًا على البرهان المادي الملموس، عملًا بما يوحيه الضمير المسلم الخالص من غير حقد أو تحامل.
1 / 25
وإن ميزة هذا التقرير أنه من واقع الحياة التي عشتها في العهد السابق، وبه يتبين أن التبشير والاستشراق يقويان بمقدار تخلف الشعوب، وبمقدار سيطرة المستعمر على البلاد، وأنهما وسيلة من وسائل تمكين الاستعمار من الرسوخ بأقدامه في البلاد، وأنهما وسيلة للتفرقة العنصرية، وأنهما وسيلة لتوهين العروبة وإضعاف اللغة العربية في ربوع العالم العربي، ولهذا كان من الضروري إعداد ما استطعنا من قوة ومن فكر ومن إيمان خالص لوقف تيارات التبشير في العالم العربي عملًا بقوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ .
1 / 26
رسم تخطيطي
1 / 27