يئس أوديب من الناس، واستيقن آخر الأمر أنه لن يجد عندهم خيرا ولن يقدم إليهم خيرا، ووثق هو بالناس واستيقن آخر الأمر أن الحياة النافعة القيمة هي التي لا تنتهي إلى الجدب، وإنما تنتهي وقد تركت من ورائها آثارا يدوم انتفاع الناس بها وذكرهم لها وثناؤهم على صاحبها.
وقد امتازت هذه القصة بما سترى فيها من هذه الدعابة الحلوة والسخرية الهادئة؛ فالبطل الأثيني يعرف الناس كما ينبغي أن يعرفوا: يعرف قوتهم ويعرف ضعفهم، ويعرف أن هذه القوة كثيرا ما تقوم على الضعف نفسه.
قيل له: إنه ابن الملك، وتحدث الناس بأنه ابن إله البحر، فهو يعتز بهذين النسبين: يعتز بنسبه إلى أبيه ليملك أثينا، ويعتز بنسبه إلى الآلهة ليملك قلوب الناس ويسحر عقولهم. وهو فيما بينه وبين نفسه يكاد يقطع بأنه ليس ابن هذا ولا ذاك، وبأن أباه غير معروف؛ فقد يحدثنا بلوتارك بأن كثيرا من هؤلاء الأبطال كانوا يولدون لغير أب معروف فينتسبون إلى الآلهة، ولا ينكر الناس من نسبهم شيئا لحسن بلائهم ولما يحققون من عظائم الأمور.
ويحدثنا ثيسيوس بأنه قتل رجلا كان يظن به السوء وقطع الطريق، ثم تبين بعد ذلك أنه كان رجلا خيرا نفاعا للناس، فكاد يندم على قتله. ولكن الشعب حين عرف أنه هو قاتله لم يتردد في أن يقرر أنه كان مجرما أثيما؛ وكذلك تذعن الشعوب لملوكها وتسبق إلى التماس المعاذير لهم حين يخطئون.
وما أكثر ما نرى في هذه القصة أخلاق أندريه جيد نفسه، فأبغض شيء إلى ثيسيوس أن يقيد نفسه بما يمنعه من العمل ومن التقدم إلى أمام؛ فهو يحب، ولكن بشرط ألا يمسكه الحب عند خليلة بعينها، وهو يصادق، ولكن بشرط ألا تقفه الصداقة عن أن يمضي لما يريد، وهو من أجل ذلك يتخلص من أريان
Ariane
بعد أن نجته من اللابيرانت
Labyrinthe
ويؤثر عليها أختها، كما أنه لا يحفل بمشورة صديقه بيريتوس
ولا يقف عند رأيه، وإنما يمضي لما أراد غير حافل بفقدان الصديق الذي أوشك أن يعوقه عما يرى فيه خيرا.
Неизвестная страница