Нузхат аль-Альбаб фи Кауль ат-Тирмизи «Ва фи аль-Баб»
نزهة الألباب في قول الترمذي «وفي الباب»
Издатель
دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع
Номер издания
الأولى
Год публикации
١٤٢٦ هـ
Место издания
المملكة العربية السعودية
Жанры
ـ[نزهة الألباب في قول الترمذي «وفي الباب»]ـ
المؤلف: حسن بن محمد بن حيدر الوائلي
تقريظ: عبد الله بن محمد الحاشدي
الناشر: دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية
الطبعة: الأولى، ١٤٢٦ هـ
عدد الأجزاء: ٦ (في ترقيم مسلسل واحد)
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
Неизвестная страница
جميع الحقوق محفوظة
الطبعة الأولى، ١٤٢٦ هـ
حقوق الطبع محفوظة © ١٤٢٦ هـ
لا يسمح بإعادة نشر هذا الكتاب أو أي جزء منه بأي شكل من الأشكال أو حفظه ونسخه في أي نظام ميكانيكي أو إلكتروني يمكن منه استرجاع الكتاب أو ترجمته إلى أي لغة أخرى دون الحصول على إذن خطي مسبق من الناشر
دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع
المملكة العربية السعودية
الدمام - شارع ابن خلدون ت: ٨٤٢٨١٤٦ - ٨٤٦٧٥٩٣ ــ فاكس: ٨٤١٢١٠٠
الرياض ت: ٤٢٦٦٣٣٩/ ٠١
الإحساء ت: ٥٨٨٣١٢٢
جدة ت: ٦٥٠٤٨٨٢ - ٦٨١٢٧٠٦/ ٠٢
جمهورية مصر العربية
القاهرة محمول: ٠١٠٠٦٨٢٣٧٨٣ - تليفاكس: ٠٢٤٣٤٤٩٧٠
البريد الإلكتروني: Aljawzi@hotmail.com
موقع الدار على الإنترنت: www.aljawzi.com
1 / 3
* قال أبو الفرج ابن هندو:
لا يؤيسنَّك من مجدٍ تباعدُه ... فإن للمجد تدريجًا وترتيبا
إن القناة التي شاهدت رفعتها ... تنمو وتنبت أنبوبًا فأنبوبا
* * *
* قال ابن هشام:
ومن يصطبر للعلم يظفر بنيله ... ومن يخطب الحسناء يصبر على البذل
ومن لا يذل النفس في طلب العلى ... يسيرًا يعش دهرًا طويلًا أخا ذل
1 / 4
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تقديم
الحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وصلّى الله وسلم على سيدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فإنّه لا يخفى على أهل العلم وطلابه مكانة كتاب "الجامع" للإمام الحافظ أبي عيسى محمّد بْن عيسى بْن سورة التّرمذيّ -رحمه الله تعالى- الّذي هو أحد الكتب الستة الأمهات، والذي قد جعله بعض العلّماء "ثالث الأمهات الست" (١) تاليًا لصحيح مسلم مُقَدَّمًا على بقية السنن، وقد نقل أبو علي منصور بن عبد الله الخالدي عن الإمام الترمذي أنه قال: "صنف هذا الكتاب فعرضته على علماء الحجاز فرضوا به، وعرضته على علماء العراق فرضوا به، وعرضته على علماء خراسان فرضوا به، ومن كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبي يتكلم" (٢). اهـ.
* وقال الحافظ أبو الفضل ابن طاهر المقدسي ﵀ في شروط الأئمة الخمسة:
"سمعت الإمام أبا إسماعيل: عبد الله بن محمّد الأنصاري بهراة، وجرى بين يديه ذكر أبي عيسى الترمذي وكتابه، فقال: كتابه عندي أنفع من كِتَابَي البخاريّ ومسلم؛ لأن كتَابَي البخاريّ ومسلم لا يقف على الفائدةُ منهما إِلا المتبحر العالم، وكتاب أبي عيسى يصل إلى فائدته كلّ أحد من الناس" (٣). اهـ.
* وقال ابن الأثير في "جامع الأصول": "كتابه الصحيح أحسن الكتب وأكثرها فائدة، وأقلها تكرارًا، وفيه ما ليس في غيره من ذكر المذاهب، ووجوه الاستدلال، وتَبِيْينِ أنواع
_________
(١) كشف الظنون (١/ ٥٥٩).
(٢) "جامع الأصول" (٤/ ١١١)، و"تذكرة الحفاظ" ص (٦٣٤)، و"تهذيب التهذيب" (٩/ ٣٨٩).
(٣) "شروط الأئمة الخمسة" ص (١٠١) من مجموع رسائل بتحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة ﵀.
1 / 5
الحديث من الصحيح والحسن والغريب، وفيه جرحٌ وتعديلٌ، وفي آخره كتاب العلل، قد جمع فيه فوائد حسنة لا يخفى قدرُها على من وقف عليها". اهـ.
* قال الشّيخ إبراهيم الباجوري في شرحه على "الشمائل" للترمذي (ص ٥):
"وناهيك بجامعه الصحيح الجامع للفوائد الحديثية والفقهية، والمذاهب السلفية والخلفية، فهو كافٍ للمجتهد، مُغْنٍ لِلْمُقَلِّد". اهـ.
وهذا الجامع العظيم يمتاز بميزاتٍ لا توجد في بقية الأمهات، فبالإضافة إلى ما ذكره ابن الأثير من ذكر الإمام التّرمذيّ لمذاهبِ فقهاءِ الأمصارِ وأقوالهم في المسائل الفقهية، وذكره لدلائلهم وما يذكره أيضًا من تصحيح وتحسينٍ وتضعيفٍ وتعليلٍ وجرحٍ وتعديلٍ، فإنّه يمتاز أيضًا بالإشارة إلى الأحاديث التي رُويت في الباب، فبعد أن يَرْوِيَ حديثَ البابِ بسنده يذكر أسماء الصحابة الذين رُويت عنهم أحاديثُ تُنَاسِبُ وتُلائِمُ ذلك الباب، مثالُ ذلك قوله ﵀ في باب ما جاء في السِّواك -من أبواب الطهارة- بعد أن ذكر بسنده حديث أبي هريرة ﵁ مرفوعًا: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة"، "وفي الباب عن أبي بكر الصديق، وعلي، وعائشة، وابن عباس، وحذيفة، وزيد بن خالد، وأنس، وعبد الله بن عمرو، وابن عمر، وأم حبيبة، وأبي أمامة، وأبي أيوب، وتمام بن عباس، وعبد الله بن حنظلة، وأم سلمة، وواثلة بن الأسقع، وأبي موسى". اهـ.
فقد أشار الإمام الترمذي ﵀ هنا إلى سبعة عشر حديثًا عن سبعة عشر صحابيًّا ومعرفة هذه الأحاديث المشار إليها والوقوف على أسانيدها ومتونها من أصعب الأمور، كما يعرف ذلك المشتغلون بهذا الفن الشريف.
* قال الشيخ أحمد شاكر ﵀ في مقدمة شرحه للترمذي:
"وهذا أصعب ما جاء في الكتاب على من يريد شرحه، وخاصة في هذه العصور، وقد عَدِمَت بلادُ الإسلام نبوغَ حفاظِ الحديث الذين كانوا مفاخَر العصورِ السَّالفةِ، فمن حاول استيفاء هذا وتخريج كلّ حديث أشار إليه الترمذي أعجزه، وفاته شيءٌ كثيرٌ، وقد حاول الشيخ المباركفوري ﵀ ذلك في شرحه، فلم يمكنه تخريج كل الأحاديث، وقد فكرت في أن أتبعه فيما صنع، ثم وجدته سيكون عملًا ناقصًا، ووجدتُني سأنسب أحاديث إلى كتبٍ لم أرها فيها بنفسي، وسأكون فيها مقلدًا غيري، فأبيتُ". اهـ.
* في وقال معلقًا في الهامش: "رأيت في ترجمة الحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى
1 / 6
سنة (٨٥٢) أنه ألف كتابًا سماه: "الباب في شرح قول الترمذي وفي الباب"، ولم أره ولا أعلمه موجودًا في مكتبة من المكاتب، ولو وجد هذا الكتاب أغنى عن كثير من العناء، وأفاد أكبر الفائدةِ لِحْفظِ مؤلفه وسَعِة اطلاعه والثقةِ بنقله". انتهى.
* قُلْتُ: اسم كتاب ابن حجر: "العجاب في تخريج ما يقول فيه الترمذي وفي الباب" ولم يُتِمَّه كما ذكر تلميذه الحافظ السخاوي، حيث قال في كتابه "الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر" جـ ٢ ص ٦٦٦، في سياق سرد مؤلفات الحافظ ابن حجر:
"تخريج ما يقول فيه الترمذي وفي الباب، كتب من أوله قَدْرَ سِتَّةِ كراريس، لو كَمُلَ لجاء في مجلد ضخم، سماه: "العجاب في تخريج ما يقول فيه الترمذي وفي الباب"". انتهى كلام السخاوي.
لذلك كله ولمكانة جامع الترمذي، ومكانة مؤلفه، وأهمية موضوع ما يقول فيه الترمذي: "وفي الباب" وكثرة ذلك، قام أخونا العزيز، فضيلة الشيخ/ حسن بن محمد بن حيدر الوائلي، حفظه الله ورعاه، بهذا العمل الجليل: "تخريج ما يقول فيه الترمذي: "وفي الباب"".
والشيخ حسن يحفظ جامع الترمذي كاملًا بالأسانيد (وهذا مما يندر في هذا الزمان)، وله عناية خاصة بجامع الترمذي، فمنذ عرفته مما يقرب من ربع قرن من الزمان وهو لا يكاد يفارق جامع الترمذي، ومن ذلك الوقت وهو يجمع مادة هذا العمل، فكان عملًا عظيمًا، وخدمةً جليلةً لجامع الترمذي خصوصًا، وللحديث النبوي عمومًا.
وقد بذل فضيلة الشّيخ حسن جهدًا جبارًا في ذلك، فخرج كل ما قال فيه الترمذي: "وفي الباب" من مصادره الأصلّية الّتي تروي الحديث بسنده، وبيّن الطرق، وذكر وجوه الاختلاف في الأسانيد وعللها، ولم يفته من تخريج ما ذكره الترمذي إِلَّا أقل من عشرة أحاديث.
هذا، وإنه لا يعلم مقدار الجهد الذي بذله الشيخ حسن في هذا العمل إِلَّا من عرف هذا الفن، واشتغل به.
ولينظر القارئ الكريم مثالًا لذلك ما ذكرتُه أولًا مما قاله الترمذي، في باب، ما جاء في السواك، فقد خرج الشيخ حسن كُلَّ تلك الأحاديث التي أشار إليها الإمام الترمذي عن
1 / 7
أولئك السبعة عشر من الصحابة، وبين طرقها عن كل صحابي، وما وقع في بعضها من الاختلاف، والعلل، وقد وقع مجموع الأحاديث في الكتاب كله حوالي أربعة آلاف حديث.
أسأل الله تعالى أن يجزي أخانا الشيخ حسنًا خير الجزاء على ما قدم، وأن ينفع بعمله هذا الإسلام والمسلمين، وأن يزيدنا وإياه علمًا وتوفيقًا، وأن يثبتنا على الحق حتى نلقاه، وأن يتوفانا وهو راضٍ عنا، إنّه ولي ذلك والقادر عليه، آمين اللَّهُمَّ آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
كتبه الفقير إلى عفو الله وغفرانه
عبد الله بن محمد الحاشدي
أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الإيمان،
ومركز الدعوة العلمي بصنعاء
بتاريخ العاشر من شهر ذي القعدة عام ١٤٢٥ هـ
1 / 8
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
المقدمة
إنّ الحمد لله نحمده ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له. ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إِله الله. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله بلغ وأدى ونصح وأوجب ذلك على من بعده إذ قال: "بلغوا عنى" الحديث.
وقد امتثلت أمته ﵊ ذلك تمام الامتثال، فليس ثم أمة من الأمم الأوّل أودعت لأجيالها كهذه الأمة وكان منشأ ذلك أمرين:
الأوّل: وضع الأسانيد:
وكان ذلك من القرن الأول امتثالًا لقوله ﷺ: "تسمعون ويسمع منكم" الحديث وذلك نصف العلم كما قاله ابن المدينى والمعلوم أن الألفاظ النبوية لا يجوز أن تنمى إليه ﷺ: بدون ذلك ولا يجوز أن يطلق عليها ذلك إِلَّا بذلك فإذا كان ذلك كذلك فيجب على بعض هذه الأمة الحفاظ على ذلك وإلا وقعوا في غير ذلك فلذا لا تجد فئة تسامى أهل الحديث وهم الذين عناهم سيدهم ﷺ: بقوله: "لا تزال طائفة" الحديث وقد قضى بذلك ابن المدينى كما في شرف أصحاب الحديث للخطيب ص ١٠ والإمام أحمد كما في المعرفة للحاكم ص ٢ والإمام البخاري كما في جامعه ١٣/ ٢٩٣.
وقال ابن حبّان: إنهم أحق الناس بقوله ﷺ: "أولى الناس بى يوم القيامة أكثرهم على صلاة" وانظر جامع الترمذي ٢/ ٣٥٤.
ويفهم من قوله ﷺ: "من كذب على متعمدًا" الحديث أن من يذب عنه ذلك أنه يتبوأ منزلًا خلاف المنزل الذى تبوأه الكاذب.
وسر ذلك أنهم لا يخافون في الله لومة لائم إذ نجد المحدث منهم يتكلم في أعز الناس لديه.
فهذا ابن المدينى يضعف أباه ففي التهذيب ٥/ ١٧٥ وقال الحاكم: حدثونا عن قتيبة
1 / 9
قال: دخلت بغداد واجتمع الناس وفيهم أحمد وعلى فقلت حدثنا عبد الله بن جعفر فقام حدث من المجلس فقال: يا أبا رجاء ابنه عليه ساخط حتى يرضى عليه". اهـ. وقد جزم بهذه القصة ابن حبان في الضعفاء وذكر عن ابن المدينى قصة أخرى مثل هذه وانظر الضعفاء له ٢/ ١٥ وقال العباس بن محمّد الدورى: دخل وكيع بن الجراح البصرة فاجتمع الناس عليه وقالوا: حدثنا، فحدثهم حتى قال: حدثنى أبى وسفيان: فصاح الناس من كل جانب، وقالوا: لا نريد أباك، حدثنا عن الثورى فقال: حدثنا أبى وسفيان، فقالوا: لا نريد أباك حدثنا عن الثورى، فأطرق مليًّا ثم رفع رأسه فقال: "يا أصحاب الحديث من بلى بكم فليصبر" هامش تهذيب المزى ٤/ ٥٣٠ فما حدث وكيع عن أبيه منفردًا بل ضم إليه أمير المؤمنين في الحديث ومع ذلك كانت العاقبة منهم ما قاله وكيع وهذا ابن أبى أنيسة زيد يكذب أخاه يحيى كما في مقدمة مسلم وهذا أبو داود يكذب ولده أبا بكر مع أنه لا يسلم له وقصة ابن معين مع بعض أهل الحديث ذكرها السخاوى في الإعلان بالتوبيخ وخلاصتها أن صديقًا له من أهل الحديث أضافه وأحسن ضيافته مع نفر من أهل الحديث فلما خرج من عنده سئل عنه فأجاب بأنه أحسن ضيافته إِلا أنه ضعيف.
فلما كان الشأن فيهم ما سبق مكنهم المولى في أرضه فلا يرفع إِلَّا من رفعوه ولا يوضع إِلا من وضعوه، ومن تكلم منهم في راوٍ ما بغير حق ردوا عليه قوله فلا محاباة عندهم لأحد ما، إذ ذلك القول عندهم شأنه كما قال: أبو زرعة الرازى في كتاب الضعفاء ٢/ ٣٢٩ "كل من لم يتكلم في هذا الشأن على الديانة، فإنما يعطب نفسه، كل من كان بينه وبين إنسان حقد أو بلاء يجوز أن يذكره كان مالك والثورى يتكلمون في الشيوخ على الدين، فنفذ قولهم، ومن لم يتكلم فيهم على الديانة يرجع الأمر عليه". اهـ.
وفى مسند على بن الجعد ص ١٦٥ بسنده إلى يحيى بن أبى كثير أنه قال: في قتادة: "لا يزال أهل البصرة بشر ما أبقى الله فيهم قتادة، وكان قتادة يقول: متى كان العلم في السماكين؟ قال: أبو سلمة: يعرض بيحيى بن أبى كثير يعنى كان أهل بيته سماكين". اهـ. فيصدق على قولهما ما سبق عن أبى زرعة.
وقد صبروا في الدفاع عن الأسانيد صبرًا لم تصبره أي فئة أخرى والحديث عن ذلك يطول جدًّا أكفى من ذلك بما ذكره ابن عساكر في تاريخه في ترجمة الحسن بن سفيان
1 / 10
وذلك أنه ساق بسنده إلى أبى الحسن الصفار قال: كنا عند الشيخ الإمام الزاهد الحسن بن سفيان النسفى، وقد اجتمع لديه طائفة من أهل الفضل ارتحلوا إليه، من أطباق الأرض والبلاد البعيدة مختلفين إلى مجلسه لاقتباس العلم وكتبة الحديث. فخرج يومًا إلى مجلسه الذى كان يملى فيه الحديث وقال: اسمعوا ما أقول لكم قبل أن نشرع في الإملاء، قد علمنا أنكم طائفة من أبناء النعم وأهل الفضل، هجرتم أوطانكم وفارقتم دياركم وأصحابكم في طلب العلم واستفادة الحديث، فلا يخطرن ببالكم أنكم قضيتم بهذا التجشم للعلم حقًّا، وأديتم بما تحملتم من الكلف والمشاق من فروضه فرضًا، فإنى أحدثكم ببعض ما تحملته في طلب العلم من المشقة والجهد، وما كشف الله ﷾ عنى وعن أصحابى ببركة العلم وصفوة العقيدة من الضيق والضنك"
اعلموا أنى كنت في عنفوان شبابى ارتحلت من وطنى لطلب العلم واستملاء الحديث، فاتفق حصولى بأقصى المغرب وحلولى بمصر في تسعة نفر من أصحابى طلبة العلم وسامعى الحديث، وكنا نختلف إلى شيخ كان أرفع أهل عصره في العلم منزلة" وأدراهم للحديث وأعلاهم إسنادًا، وأصحهم رواية، وكان يملى علينا كل يوم مقدارًا يسيرًا من الحديث، حتى طالت المدة وخفت النفقة ودفعتنا الضرورة إلى بيع ما صحبنا من ثوب وخرقة إلى أن لم يبق لنا ما كنا نرجو حصول قوت يوم منه، وطوينا ثلاثة أيام بلياليها جوعًا وسوء حال ولم يذق أحد منا فيها شيئًا، وأصبحنا بكرة اليوم الرابع بحيث لا حراك بأحد من جملتنا من الجوع وضعف الأطراف، وأحوجت الضرورة إلى كشف قناع الحشمة، وبذل الوجه للسؤال فلم تسمح أنفسنا بذلك، ولم تطب قلوبنا به، وأنف كل واحد منا على ذلك، والضرورة تحوج على كل حال فوقع اختيار الجماعة على كتبة رقاع بأسامى كل واحد منا وإرسالها قرعة فمن ارتفع اسمه عن الرقاع كان هو القائم بالسؤال واستماحة القوت لنفسه ولجميع أصحابه، فارتفعت الرقعة التى اشتملت على اسمى فتحيرت ودهشت ولم تسامحنى نفسى بالمسألة واحتمال المذلة فعدلت إلى زاوية من المسجد أصلى ركعتين طويلتين قد اقترن الاعتقاد فيهما بالإخلاص، أدعو الله سبحانه بأسمائه العظام وكلماته الرفيعة لكشف الضر وسياقة الفرج، فلم أفرغ بعد عن إتمام الصلاة حتى دخل المسجد شاب حسن الوجه نظيف الثياب طيب الرائحة يتبعه خادم في يده منديل فقال: من منكم الحسن بن سفيان؟ فرفعت رأسى من السجدة، فقلت: أنا الحسن بن
1 / 11
سفيان فما الحاجة؟ فقال: إن الأمير ابن طولون صاحبى يقرئكم السلام والتحية، ويعتذر إليكم في الفضلة عن تفقد أحوالكم، والتقصير الواقع في رعاية حقوقكم. وقد بعث بما يكفى نفقة الوقت، وهو زائركم غدًا بنفسه ويعتذر بلفظه إليكم، ووضع بين يدى كل واحد منَّا صرةً فيها مائة دينار.
فتعجبنا من ذلك، وقلنا للشاب: ما القصة في هذا؟ فقال: أنا أحد خدم الأمير ابن طولون المختصين به، والمتصلين بإقرائه وخواص أصحابه، دخلت عليه بكرة يومى هذا مسلمًا في جملة أصحابى فقال لى وللقوم: أنا أحب أن أخلو يومى هذا، فانصرفوا أنتم إلى منازلكم فانصرفت أنا والقوم فلما عدت إلى منزلى لم ينسق قعودى حتى أتانى رسول الأمير مسرعًا مستعجلًا يطلبنى حثيثًا، فأجبته مسرعًا فوجلله منفردًا في بيت، واضعًا يمينه على خاصرته لوجع ممض اعتراه في داخل جسده فقال: لى: أتعرف الحسن بن سفيان وأصحابه؟ فقلت: لا، قال: اقصد المحلة الفلانية، والمسجد الفلانى، واحمل هذه الصرر وسلمها في العين إليه وإلى أصحابه، فإنهم منذ ثلاثة أيام جياع بحالة صعبة، ومهد عذرى لديهم، وعرفهم أنى صبيحة الغد زائرهم، ومعتذر شفاهًا إليهم.
فقال الشاب: سألته عن السبب الذى دعاه إلى هذا فقال: دخلت هذا البيت منفردًا على أن أستريح ساعة. فلما هدأت عينى رأيت في المنام فارسًا في الهواء متمكنًا تَمَكُّنَ من يمشى على بساط الأرض، وبيده رمح فقضيت العجب من ذلك، وكنت أنظر إليه متعجبًا حتى نزل إلى باب هذا البيت، ووضع سافلة رمحه على خاصرتى فقال: قم فأدرك الحسن بن سفيان وأصحابه، قم وأدركهم، قم وأدركهم قم وأدركهم فإنهم منذ ثلاثة جياع في المسجد الفلانى فقلت له: من أنت؟ فقال: أنا رضوان صاحب الجنة، ومنذ أصاب سافلة رمحه خاصرتى أصابنى وجع شديد لا حراك بى له، فعجل إيصال هذا المال ليزول هذا الوجع عنى.
فقال الحسن: فتعجبنا من ذلك وشكرنا الله ﷾ وأصلحنا أمورنا ولم تطب أنفسنا بالمقام، حتى لا يزورنا الأمير ولا يطلع الناس على أسرارنا، فيكون ذلك سبب ارتفاع اسم وانبساط جاه، ويتصل ذلك بنوع من الرياء والسمعة، وخرجنا تلك الليلة من مصر وأصبح كل واحد منا واحد عصره وفريد دهره في العلم والفضل، فلما أصبح الأمير
1 / 12
ابن طولون أتى المسجد لزيارتنا وطلبنا وأحس بخروجنا، أمر بابتياع تلك المحلة بأسرها ووقفها على ذلك المسجد وعلى من ينزل به من الغرباء وأهل الفضل وطلبة العلم نفقة لهم حتى لا تختل أمورهم، ولا يصيبهم من الخلل ما أصابنا، وذلك كله بقوة الدين وصفوة الاعتقاد. والله سبحانه ولى التوفيق.". اهـ. وفى ذلك من العبر لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ما لا يخفى.
وقد رمى الإمام أحمد من ينتقص هذه الفئة بالزندقة ففي المعرفة للحاكم ص ٤ ما نصه: "سمعت أبا الحسين محمد بن أحمد الحنظلى ببغداد يقول: سمعت أبا إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي يقول: كنت أنا وأحمد بن الحسن الترمذي عند أبى عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، فقال: له أحمد بن الحسن: يا أبا عبد الله ذكروا لابن أبى فتيلة بمكة أصحاب الحديث فقال: أصحاب الحديث قوم سوء، فقام أبو عبد الله وهو ينفض ثوبه فقال: زنديق زنديق زنديق ودخل البيت". اهـ.
الأمر الثانى: اهتمامهم بالتدوين والتصنيف:
فقد دونوا كل ما أتى عنه ﷺ: وعن أصحابه في دواوين غير مخفية، وتم ذلك في نهاية القرن الرابع فمن أتى بحديث غير موجود في تلك الكتب فمرفوض على من أتى به ونحو هذا قاله البيهقي كما في التدريب للسيوطى في نهاية النوع الثالث والعشرين وكل ذلك مأخوذ من قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ﴾ الآية.
وقد اعتنى أئمتنا المتأخرون بكتب التخريج لبعض المصنفات المتقدمة كما لا يخفى ومن ذلك أن الحافظ ابن حجر صنف في هذا الفن عدة مصنفات من ذلك فيما نحن فيه إِلا أنى سألت بعض من له اعتناء بالمخطوطات فكان الجواب عدم العلم بالعثور عليه أصلًا.
وقد اعتنى المباركفورى بذلك إِلا أن عليه استدراكات تكثر مع أنه يصدق عليه قول من تقدم:
وهو بسبق حائز تفضيلا ... مستوجب ثنائى الجميلا
وسلكت في التخريج ما يلى:
١ - البحث عن الحديث من أمهاته المصنفة فيه بالأسانيد مستقصيًا ذلك حسب الطاقة إلا في أحاديث يسيرة متى ما كانت عند الشيخين.
1 / 13
٢ - بعد ذكر اسم الصحابي الذى ذكره الترمذي في الباب أجمع ما وصلت إلى من مرويات التابعين غالبًا الذين رووا عنه ذلك المتن ثمّ أفرد لكل تابعى عنه تخريجًا مستقلًّا وقد أدع بعضًا لكثرة الطول.
٣ - عند حصول اختلاف في الإسناد ممّن بعد ذلك التابعى على ذلك التابعى في أي طبقة ما من السند فإنى لا أعيد ذلك التخريج عن قرين التابعى الأول بل أكتفى بمن غبر ولربما أدى ذلك إلى أن أدمج ذلك في ذكر المصادر.
فمثلًا لو روى يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة حديثًا ما ووقع اختلاف فيه على يحيى، وكان ذلك الخلاف في الرفع والوقف أو في الوصل والإرسال، واقتصرت بعض المصادر على البعض، واقتصرت بعضها على البعض الآخر أو كان الخلاف فيه من أي مسند ما فإنى أحيانًا أدمج بعض المصادر في بعض؛ لأن ذلك التخريج أصلًا كائن على ذلك الخلاف الذى وقع عن ذلك الراوى.
٤ - أحرص على ذكر ما لو وقع في الإسناد اختلاف سواء كان ذلك ممّا يؤدى إلى علة قادحة أو غير قادحة وأكبر ما استفدته من علل الإمام الدارقطني ثم ابن أبى حاتم والتاريخ لمحمد بن إسماعيل البخاري وعلل الترمذي الكبير ثم مما من وعلَّم سبحانه على هيئة هؤلاء الأئمة. وكم يكون ذلك قبل الاطلاع على كلامهم ثم يوافق ذلك ذكرت هذا في موطنه.
٥ - أذكر ما يستحقه ذلك المتن بعد ما سبق من صحة وضعف.
٦ - قد يرد المتن عن ذلك الصحابي لفظًا ومعنى فأكتفى في التخريج بالصريح ولا أضطر إلى الثانى إلا عند عدم وجدانى الأول ولا أعنى بالمعنى الذى منشؤه حصول الاختلاف بين الرواة في سياق الألفاظ فإن ذلك منشؤه جواز الرِّواية بالمعنى من عدمها.
٧ - بعد ذكر المصادر للحديث أذكر بعض الإسناد وذلك من عند اتحادها على ذلك الراوى من تلك المصادر الذى ذكرته فإن عسر اتحادها جمعت بين أولئك الرواة وقلت مثلًا. كلهم من طريق فلان وفلان وفلان وهذا لفظ فلان كلهم عن فلان، والذى اضطرنى إلى ذلك وجدان الخلاف الإسنادى عنهم.
1 / 14
٨ - بعد الفراغ من سياق اللفظ أعقب ذلك بقولى: والسياق لفلان فاختار سياق أحد المصادر السابقة تنبيهًا منى أن تلك المصادر لم تتحد في السياق المتنى.
٩ - من المعلوم أن ثم اختلاف في النسخ للجامع فبعض النسخ قد تذكر في الباب ما لم تذكره النسخة الأخرى إلا أن هذا الخلاف جله حسب ما ظهر استقراء كائن في كتابى الطهارة والصلاة وما سواهما عزيز الوجود.
وعلى كلٍّ فالفيصل الأصلى لذلك مستخرج الطوسى فقد ذكر الحافظ ابن حجر في النكت على ابن الصلاح أنه يذكر في مستخرجه كل ما نقوله الترمذي وفى الباب والمعلوم أن مستخرج الطوسى لم يطرأ عليه من الخلاف في النسخ ما طرأ على الجامع لقلة تداوله. وأقدم نسخة من الجامع على ذلك النسخة الكائنة للطوسى وما بعد قسم العبادات نسخة المباركفورى إذ هي أصح من النسخة المصرية، وأحيانًا يذكر الطوسى أو المباركفورى ما ليس في الجامع فربما أسقط ما في الجامع وأخرج ما لم يذكره في الجامع بناءً على ما تقدم.
١٠ - يقول المصنف أحيانًا "باب" ثم يعقب ذلك بقوله وفى الباب عن فلان وفلان" إلخ فأضطر إلى أن أذكر لذلك الباب عنوانًا يوافق تلك الأحاديث وأجعل ذلك بين قوسين وعامة ذلك يرد من بعد النصف الثانى للجامع.
١١ - لم يفتنى من تخريج ما ذكره الترمذي وفى الباب إلا أقل من عشرة أحاديث وذلك أنى اعتنيت بالجامع منذ ربع قرن فقرأت قبل ذلك أكثر من مائتى مجلد وجزءٍ وذلك بخلاف الكتب المشهورة كالأمهات والمسند. فأى حديث له تعلق بأى باب من الجامع أرجع إلى موطنه من الجامع ثم أذكر ذلك المصدر في الجامع لكى أرجع إلى ذلك المصدر عند الوصول إليه حال التأليف وحين كنت في التخريج في كتاب الأحكام في باب الرشوة إذا أنا أمر على بعض تلك الأحاديث وأجد تخريج ذلك من المطالب العالية مع كون الحافظ ابن حجر اعتذر عن عزوها إلى مواطنها في التلخيص وقال: لينظر من خرجها والمعلوم أنه قد ذكر البعض فيما سبق ذكره ولم أخرج حديثا قط من الأستاذ الأكبر لمن يشتغل بالتخريج أعنى "الجهاز الآلى" فإنه وإن كان سريع المأخذ إلا أنه كما قيل في بعض الناس:
1 / 15
خليفة في قفص ... بين وصيف وبغا
ويقول ما قالا له ... كما تقول الببغا
١٢ - في نهاية الحديث أذكر بعض ما وقع من أخطاء علمية أو فنية وقعت في بعض تلك المصادر تحت قولى تنبيه وحينًا أذكر ذلك من غير ذكر التنبيه
١٣ - قد يستنكف بعض الناس على بعض ما يقف عليه من التنبيه على بعض ما يرد عن بعض الأئمة وهذا الاستنكاف كسراب بقيعة ولا يخرج الشىء عما ورد إلا حجة دامغة فإن وجدت فذاك الفيصل والا فلا تكن كما قال الأول:
وما أنا إلا من غزية إن غوت ... غويت لكان ترشد غزية أرشد
وهذا الفن لا أوسع منه إطلاقًا وانظر ما قاله ابن القطان وتبعه الذهبى في مالك بن خير من كتابى هذا في كتاب الأشربة وما وجلله من التوثيق له علمًا بأن علمنا إلى علمهم إلا ما قاله أبو عمرو ابن العلاء "ما نحن فيمن مضى إلا كبقلة أنبتت في أصول نخل طوال" وما كان لله بقى فإذا كان هذا الفن واسع الخطو فالواجب التروى فيه وعدم الإقدام فيه إلا لمن أفنى دهرًا فيه حسب ما أرشد إليه الأئمة في باب آداب طالب الحديث ومما يؤسفنا في هذا القرن ظهور من يتأكل به إذ غايته من ذلك حصول عائدات فتراه يخرج ما هب ودب ويخرج في الشهرين أو الثلاثة مصنفًا ولست أدرى أأجتازُ علمَ ابن جرير الطبرى أم الحافظ ابن حجر، حتى إنهم يترجمون لمن هو أوضح من الشمس ولم يدعوا من ذلك إلا الله ورسوله، وليعلم من يصنف أنه إنما عرض عقله في طبق يقدمه إلى الناس كما قاله الخطيب.
فخير الناس من عدت هفواته، وأسميت كتابى هذا
"نزهة الألباب في قول الترمذي وفى الباب"
تيمنًا بالحافظ
تأليف/ حسن بن محمد بن حيدر الوائلي
1 / 16
كتاب الطهارة
1 / 17
قوله باب (١) ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور
قال وفى الباب عن أبى المليح عن أبيه وأبى هريرة.
١ - أما حديث أبى المليح عن أبيه:
فرواه أبو داود ١/ ٤٨ والنسائي ١/ ٧٥ وابن ماجة ١/ ١٠٠ وأبو عبيد في الطهور ص ١٤٧ وأبو عوانة في مستخرجه ١/ ١٣٥ وأحمد ٥/ ٧٥ و٧٦ والطيالسى كما في المنحة ١/ ٤٩ وعلى بن الجعد ص ١٥١ في مسانيدهم والدارمي ١/ ١٤٠ وابن أبى شيبة في المصنف ١/ ١٥ وابن حبان في صحيحه ٣/ ١٠٤ و١٠٥ والبيهقي ١/ ٤٢:
من طريق شعبة وسعيد بن أبى عروبة وهشام وأبى عوانة أربعتهم عن قتادة به ولفظه: "إن الله لا يقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول" والسياق لأبى عوانة.
والسند صحيح إلى من أبرز من رجاله وقتادة صرح بالسماع وأيضًا لو لم يصرح لما احتيج إلى ذلك إذ هو من رواية شعبة عنه وقد قال: عليه الرحمة: كان همتى من الدنيا شفتى قتادة فإذا قال: سمعت كتبت وإذا قال: قال: تركت وأنه حدثنى بهذا الحديث عن أنس بن مالك يعنى حديث النبي ﷺ: "سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة" فلم أسأله أسمعته مخافة أن يفسده على. اهـ. خرج ذلك أبو عوانة في مستخرجه ٢/ ٤٢، وكان شعبة معجبًا بهذا الحديث فلذا سكت عن سؤاله لقتادة كما في معجم ابن الأعرابى ١/ ٦٨ وفى أسئلة أبى داود لأحمد ص ٣٤٩ عن شعبة قوله "تجوزت عن أربعة أحاديث لقتادة". اهـ. ثم ذكر حديث الباب فإن قيل قد ورد عنه في حديث الباب ما يدل على كونه قد رواه عن قتادة بواسطة بينه وبين قتادة وذلك ما ذكره المزى في التحفة ١/ ٦٤ بقوله: "رواه محمد بن محمد بن سليمان الباغندى عن محمد بن عبد الله الجهبذ عن شبابة عن شعبة عن سعيد بن أبى عروبة عن قتادة". اهـ.
قلنا: ذلك ليس من شعبة وذلك أن عامة الرواة عنه رووه بدون ذلك منهم محمد بن جعفر ويحيى بن سعيد القطان ومسلم بن إبراهيم ويزيد بن زريع وبشر بن المفضل وحجاج وشبابة بن سوار في المشهور عنه وغيرهم كما تقدم والأصل أن المقدم في شعبة القطان وغندر إن حدث من كتابه هذا لو كان الخلاف من أصحاب شعبة عنه أنها وممن رواه عن شعبة موافقًا لرواية هؤلاء ويروى عنه خلافه نذلك يحمّل الخطأ ممن هو دونه إما الباغندى
1 / 19
أو شيخه الجهبذ وفى ترجمة الباغندى من تاريخ بغداد ٣/ ٢١١ من طريق السهمى قال: سألت أبا الحسن على بن عمر عن محمد بن محمد بن سليمان الباغندى فحكى عن الوزير: أبى الفضل بن خنزابة حكاية، ثم دخلت مصر وسألت الوزير أبا الفضل جعفر بن الفضل عن الباغندى هذا وحكيت له ما كنت سمعت من الدارقطني قال الوزير: لحقت الباغندى محمد بن محمد بن سليمان وأنا بن خمس سنين ولم كن سمعت منه شيئًا وكان للوزير الماضى يعنى أباه حجرتان إحداهما للباغندى يجيئه يومًا ويقرأ له والأخرى لليزيدى قال: أبو الفضل: سمعت أبى يقول: كنت يومًا مع الباغندى في الحجرة يقرأ لى كتب أبى بكر بن أبى شيبة فإذا على ظهره مكتوب مربع والباقى محكوك فرجع الباغندى ورأى الجزء في يدى فتغير وجهه وسألته فقال: إيشٍ مربع فغير ذلك ولم أفطن له لأنى أول ما كنت دخلت في كتب الحديث ثم سألت عنه فإذا الكتاب لمحمد بن إبراهيم مربع سمع من أبى بكر بن أبى شيبة فحك محمد بن إبراهيم وبقى مربع فبرد على قلبى ولم أخرج عنه شيئًا قال: حمزة: وسألت أبا بكر بن عبدان عن محمد بن محمد بن سليمان الباغندى هل يدخل في الصحيح فقال: لو خرجت الصحيح لم أدخله فيه قيل له: لم؟ قال: لأنه كان يخلط ويدلس. اهـ.
والكلام فيه يطول ويخشى أن تكون الزيادة المتقدمة الذكر منه إذ كان يحب الإغراب والله الموفق.
٢ - وأما حديث أبى هريرة:
فرواه عنه همام وأبو سلمة.
* أما رواية همام عنه:
فرواها البخاري ١/ ٢٣٤ ومسلم ٤/ ٢٠١ وغيرهما وهو من الصحيفة الصادقة ولفظه: مرفوعًا:
"لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ" قال: رجل من حضرموت: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فساء أو ضراط والسياق للبخاري.
* تنبيه:
في نسخة أحمد شاكر زيادة في الباب وهى قوله عن أنس. ولم يشر إلى أن ثم
1 / 20
اختلاف في النسخ الخطية لديه كما هي عادته إلا أنى وجدته مثبتًا في نسخة الشارح صاحب التحفة وكذا في العارضة لابن العربى والأصل في هذا الباب فيما يقع من النسخ من التخالف في الزيادة أو النقص أن الاعتماد على مستخرج الطوسى إذ هو أصح شىء في هذا الموضوع لأنه ينقل كلام الترمذي من حيث الحكم على الحديث والأقوال الفقهية وقوله وفى الباب.
وحديث أنس رواه ابن ماجة ١/ ١٠٠ وأبو عوانة في مستخرجه ١/ ٢٣٥ من طريق يزيد ابن أبى حبيب عن سنان بن سعد ويقال سعد بن سنان عنه ولفظه: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول" قال البوصيرى في الزوائد ١/ ٨٧: "هذا إسناد ضعيف لضعف التابعى وقد تفرد يزيد بالرواية عنه فهو مجهول" إلخ.
وما قاله فيه من الجهالة غير سديد فقد وثقه ابن معين وتكلم فيه آخرون فمن كان بمثل هذا لا يقال فيه ذلك وإن كان الراوى عنه واحدًا فإن الجهالة عند المتقدمين غير منحصرة في الرواة عن الراوى فبالاستقراء نجد أن الراوى ليس له إلا راو واحد ويوثق ونجد الراوى له أكثر من ذلك ويحكم عليه بالجهالة والله الموفق.
وأما رواية أبى سلمة عنه: ففي الكامل لابن عدى ٦/ ٩ من طريق غسان بن عبيد عن عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة عن أبى هريرة أن النبي ﷺ قال: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول" وغسان الأكثر على ضعفه وعكرمة ضعيف في يحيى.
قوله باب (٢) ما جاء في فضل الطهور
قال وفى الباب عن عثمان بن عفان وثوبان والصنابحى وعمرو بن عبسة وسلمان وعبد الله بن عمرو
٣ - أما حديث عثمان:
فرواه البخاري ١/ ٢٥٩ ومسلم ١/ ٢٠٥ وغيرهما:
من طريق الزهري أن عطاء بن يزيد أخبره أن حمران مولى عثمان أخبره أنه رأى عثمان بن عفان دعا بإناء فأفرغ على كفيه ثلاث مرات فغسلهما ثم أدخل يمينه الإناء
1 / 21
فمضمض واستنشق ثم غسل وجهه ثلاثًا ويديه إلى المرفقين ثلاث مرات ثم مسح برأسه ثم غسل رجليه ثلاث مرات إلى الكعبين ثم قال: قال رسول الله ﷺ: "من توضأ نحو وضوئى هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما ففسه كفر له ما تقدم من ذنبه".
* فائدة:
ذكر الحافظ ابن حجر في معرفة الخصال المكفرة ص ٣٨ أن ابن أبى شيبة في مصنفيه المسند والمصنف خرج الحديث وكذا البزار في مسنده وأبو بكر المروزى في مسند عثمان كلهم من طريق خالد بن مخلد قال: ثنا إسحاق بن حازم قال: سمعت محمد بن كعب يقول: حدثنى حمران بن أبان مولى عثمان قال: دعا عثمان فذكر الحديث وفيه زيادة "وما تأخر، وذكر قول البزار "لا نعلم أسند محمد بن كعب القرظى عن حمران إلا هذا الحديث". اهـ. ثم قال الحافظ ما ملخصه: "محمد بن كعب حديثه عند الشيخين من غير روايته عن حمران وسماعه منه ممكن لأنه تابعى أدرك من هو أكبر منه من الصحابة وغيرهم ثم وثق من بعده إلى أن قال: "وقد تتبعها أبو أحمد بن عدى في الكامل وليس فيها هذا الحديث". اهـ. يعنى ما انفرد به خالد بن مخلد.
وفى كلام الحافظ مباحث:
الأول: كان يغنيه عن قوله: "وسماعه منه ممكن" كما نقله في نفس الموضوع حيث صرح محمد بالتحديث من شيخه ولا يعلم من نفى ذلك وليس الراوى مدلسًا فلا تنكر هذه الصيغة إلا إن صدرت من مدلس وكان ذلك على سبيل الندور وكان المنكر إمامًا كما أنكروا رواية أبى إسحاق عن علي بن ربيعة وتصريحه بالسماع منه في حديث الدعاء عند الركوب على الدابة وغير ذلك كما أن هذه الصيغة تنفى أيضًا الإرسال الخفى.
فإن قيل: إنّما احترز الحافظ بهذا عملًا باختياره لشرط البخاري وموافقيه على شرط ثبوت اللقاء قلنا: ما قاله هنا لا يتأتى موافقًا لذلك فقد جعل الإسناد متصلًا بالإمكان وذلك لا يصح علمًا بأن شرط البخاري كائن في العنعنة أنها في التصريح فلا وانظر ما كتبه الحافظ في النكت على كتاب ابن الصلاح ١/ ٢٨٨ و٢٨٩.
الثانى: ما قاله عن ابن عدى في خالد إذ لا يلزم عدم ذكره لهذا الحديث صحته عنده لاحتمال نسيانه في عده فيها أو لا يلزم من تصحيحه عند ابن عدى أن يصح عند غيره.
1 / 22