لتحدث له الأَيام شكر خناعة ... تطيب صضبا نجد به وجنائبه
فوالله لو لم يلبس الدهر فعله ... لأفسدت الماء القراح معائبه
فقد بثَّ عبد الله خوف انتقامه ... على الليل حتى ما تدب عقاربه
يقولون عن الليث ليث خفيةٍ ... نواجذبه مطروزة ومخالبه
وما الليث كلُّ الليث إلا ابن عثرةٍ ... يعيش فواق ناقة وهو راهبه
ويوم أمام الموت دحض وقفته ... ولو خرَّ فيه الدينُ لا نهل كائبه
جلوت به وجه الخليفة والقنا ... قد اتسعت بين الضلوع مذاهبه
شفيت صداه والصفيح من الطلى ... رواءٌ نواحيه عذاب مشاربه
ليالي لم يقعد بسيفك أن يرى ... هو الموت إلا أن عفوك غالبه
فلو انطلقت حربٌ لقالت محقةً ... ألا هكذا فليكسب المجد كاسبه
ليعلم أنّ الغر من آل مصعب ... غداةَ الوغى وأقاربه
كواكب مجد يعلم الليل أنها ... إذا نجمت باءت بصغر كواكبه
ويا أيها الساعي ليدركَ شأوه ... تزحزحْ قصيًا أسوأ الظن كاذبه
فحسبكَ من نيل المراتب أن ترى ... عليمًا بأن ليست تنال مراتبه
إذا ما ارؤ ألقى بربعك رحله ... فقد طالبته بالنجاحِ مطالبه
وقال يمدح أمير المؤمنين المعتصم بالله أبا اسحاق محمد بن هارون الرشيد ويذكر فتح عمورية
السيف أصدق أنباءً من الكتبِ ... في حده الحدُّ بين الجد واللعب
بيضُ الصفائح لا سودُ الصحائف في ... متونهنَّ جلاءُ الشك والريب
والعلمُ في شهب الأرماح لامعةً ... بين الخمسين لا في السبعة الشهب
أين الراويةُ بل أين النجوم وما ... صاغوه من زخرف فيها ومن كذب
تخرصًا وأَحاديثًا ملفقةً ... ليستْ بنبع إذا عدَّتْ ولا غرب
عجائبًا زعموا الأيام مجفلةً ... عنهنَّ في صفر الأصفار أو رجب
وخوفوا الناسَ من دهياءَ مظلمة ... إذا بدا الكوكب الغربي ذو الذنب
وصيروا الأبرج العليا مرتبةً ... ما كان منقلبًا أو غير منقلب
يقضون بالأمر عنها وهي غافلةٌ ... ما دار في فلك منها وفي قطب
لو بينت قطٌ أمرًا قبل موقعه ... لم يخف ما حلّ بالأوثان والصلب
فتح الفتوح تعالى أن يحيط به ... نظمٌ من الشعر أو نثر من الخطب
فتحٌ تفتَّح أبوابُ السماءِ له ... وتبرز الأَرض في أثوابها القشب
يا يوم وقعة عمورية انصرفت ... عنك لمنى حُفلًا معسولة الحلب
أبقيت جدَّ بني الإسلام في صعد ... والمشركين ودار الشرك في صيب
أمُّ لهم لو رجوا أن تفتدى جعلوا ... فداءها كلَّ أم برة وأب
وبرزة الوجه قد أعيت رياضتها ... كسرى وصدت صدودًا عن أبي كرب
من عهد إسكندر أو قبل ذلك قد ... شايت نواصي الليالي وهي لم تشب
بكرٌ فما افترعتها كفُّ حادثة ... ولا ترقَّت إليها همة النوب
حتى إذا مخض الله السنين لها ... مخض البخيلة كانت زبدة الحقب
أتتهمُ الكربة السوداء سادرةً ... منها وكان اسمها فراجة الكرب
جرى لها الفألُ نحسًا يومَ أنقرة ... إذ غوردت وحشة الساحات والرحب
لمَّا رأت أختها بالأمس قد خربت ... كان الحرابُ لها أعلى من الجرب
كم بين حيطانها من فارسٍ بطلٍ ... قاني الذوائبِ من آبي دم سرب
بسنةِ السيف والخطي من دمهِ ... لا سنةِ الدين والإسلام مختضب
لقد تركتَ أمير المؤمنين بها ... للنار يومًا ذليلَ الصخر والخشب
غادرت فيها بهيم الليل وهو يضحي ... يقله بها صبحٌ من اللهب
حتى كأنَّ جلابيبَ الدجى رغبت ... عن لونها أو كأنَّ الشمس لم تغب
ضوءٌ من النار والظلماءُ عاكفة ... وظلمةٌ من دخان في ضحى شحب
فالشمسُ طالعةٌ من ذا وقد أفلت ... والشمسُ واجبةٌ في ذا ولم تجب
تصرحَ الدهر تصريح الغمام لها ... عن يومِ هيجاءَ منها طاهرٍ جُنُب
لم تطلع الشمسُ فيه يوم ذاك على ... بانٍ بأهلٍ ولم تغرب على عَزَب
ماربعُ ميَّة معمورًا يطيف به ... غيلانُ أبهى ربى من ربعها الخرب
ولا الخدود وقد أدمينَ من خجل ... أشهى إلى ناظرها خدها التراب
1 / 9