قال الشيخ محي الدين النووي ﵀: وهذا الذي قاله صاحب هذا المذهب، فيه مخالفة لظاهر الحديث. وأما إطباق الناس على فعله مع أن في المكتنين به من الأئمة الأعلام وأهل الحل والعقد والذين يقتدى بهم في الدين، ففيه تقوية لمذهب مالك ﵀ في جوازه مطلقًا. ويكونون قد فهموا النهي مختصا بحياته ﷺ، لما هو مشهور من سبب النهي في اكتناء اليهود بأبي القاسم ومناداتهم يا أبا القاسم طلبا للايذاء. وهذا المعنى قد زال انتهى.
قلت: وممن تكنى بأبي القاسم محمد بن الحنفية. يقال: إن رسول الله ﷺ قال " لعلي ﵁ سيولد لك بعدي غلام وقد نحلته اسمي وكنيتي ولا يحل لأحد بعده ".
ومحمد بن أبي بكر، ومحمد بن طلحة، ومحمد بن سعد بن أبي وقاص، ومحمد بن عبد الرحمن بن عوف ومحمد بن جعفر بن أبي طالب، ومحمد بن حاطب بن أبي بلتعة، ومحمد بن الأشعث بن قيس.
وسمعت بخواص الأنبياء: أما النبي ﷺ فخواصه معلومة شرعًا. منها: وجوب الضحى والضحية والوتر والتهجد والسواك وتخيير الزوجة في الإقامة معه أو الفراق، وتحريم الخط والشعر وإمساك الكارهة من الزوجات، والفرار من العدو في الحرب، وأن لا يغمد السلاح بعد إشهاره حتى ينال به من العدو، وإباحة الوصال، والخمس وصفي المغنم، ودخول مكة حلالًا، وجعل تركته صدقة غير موروثة، والنكاح بلفظ الهبة من الزوجة بلا مهر وبلا ولي ولا شهود، وفي الإحرام والتزوج بأكثر من أربع، ومن آثرها حرم على الزوج نكاحها ولزمه طلاقها، وحرمة زوجاته بعد وفاته على الأمة فلا يحل نكاحهن لأحد. وأما من عداهم من سائر أمتهم فما لأحد منهم خاصة يمتاز بها من حيث الشرع.
فانظر إلى ابن الأثير ﵀، لم يطابق بين الإنكار والاستشهاد، ولو أجاب الملك الناصر عن ذلك وقال: إن الخادم ما جمع بين كنية أمير المؤمنين وبين اسمه ولا انفردت بواحدة منهما، فما وجه الإنكار علي، لكان له أن يقول ذلك.
على أن الملك الناصر رحمه الله تعالى ما تسمى بهذا اللقب والناصر في بني العباس خليفة، وإنما العاضد من خلفاء الفاطميين بمصر لما استوزره في سنة أربع وستين وخمسمائة لقبه بهذا اللقب وكان الخليفة ببغداد إذ ذاك المستضيء بالله.
رسالة ابن زيادة البغدادي
وأما قول ابن زيادة: وكل ما يستصلحه المولى على العبد حرام، فإنه مناسب، ولعله أتى به في صورة أحسن من هذه، وجاء في أثناء كلامه مطبوعًا، ولم يذكر ابن الأثير ما أتى به ليعلم حسنه من قبحه، ولم يحضرني عند تعليق هذا الفصل كلام ابن زيادة، ولعلي أظفر به فيما بعد فأثبته في الحاشية.
وقفت على كلام ابن زيادة فيما بعد، فكان ما ختم به فصل الإنكار على اللقب: ومن العجب أن أمير المؤمنين يخاطبه من سمة الملك بما لم يكن له، ويزاحم هو فيما هو لغيره. ومن الحكم الرائقة في وجيز الكلام، والذي يصلح للمولى على العبد حرام انتهى.
قلت: وهذه السجعة بيت شعر من أبيات كتبها عمرو بن مسعدة إلى المأمون مع فرس أهداه إليه وهو أدهم بغرة:
يا إمامًا لا يداني ... هـ إذا عد إمام
قد بعثنا بجوادٍ ... مثله ليس يرام
وجهه صبحٌ ولكن ... سائر الجسم ظلام
والذي يصلح ... البيت
وقد أجاب القاضي الفاضل ﵀ عن كتاب ابن زيادة جوابا مطولا، ولكنه حاسن فيه وما خاشن وكاثر وما كاشر. ثم إن القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر رحمه الله تعالى، أملى جوابا على الكتاب المذكور على لسان صلاح الدين طول فيه إلى الغاية، مع أنه نافس فيه وناقش، وقاسر فيه وقاشر.
وللقاضي الفاضل ﵀ عذر ظاهر في ذلك الوقت عن المداهنة، لعظم منصب الخلافة ذلك الزمان. ولعمري إن هذا الكتاب، فت في عضد الملك الناصر وغض منه، وامتنع الناس الأعيان الذين لهم سورة في غير بلاده أن يقولوا إلا السلطان صلاح الدين دون الملك الناصر، لإنكار الخليفة ذلك. ولعل هذا الأمر باق إلى هذا الزمان، فإنه لا يقال إلا السلطان صلاح الدين في الغالب.
وهذان الجوابان قد أثبتهما في الجزء الثالث عشر من التكرة التي جمعتها
البلاغة والفصاحة
1 / 11