نصرة القولين للإمام الشافعي
نصرة القولين للإمام الشافعي
Исследователь
مازن سعد الزبيبي
Издатель
دار البيروتي
Год публикации
1430 AH
Место издания
دمشق
نصْرَةُ القَوْلِيْنِ
لِلإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ
تَصْنِيفُ الإِمَامِ
أَبِي العَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي أَحْمَدَ
تَقْدِيمُ
أ. د. مُحَمَّد خير هَيْكَل
تَحْقِيقُ
كَازِم سَعْد الزَّبيبي
دَارُ البَيْرُوني
1
نصْرَةُ القَوْلِيْنِ
لِلإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ
تَصْنِيفُ الإِمَامِ
أَبِي العَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي أَحْمَدَ
تَقْدِيمُ
أ. د. مُحَمَّد خير هَيْكَل
تَحْقِيقُ
كَازِم سَعْد الزَّبيبي
دَارُ البَيْرُوني
2
حقوق الطبع محفوظة
الطَّبعَة الأولى
١٤٣٠ هـ - ٢٠٠٩ م
دَارُ البيْرُوني
دمشق - حلبوني - بناء الخجا هاتف : ٢٤٥١٥٧٤ - ٢٢١٣٩٦٦
س . ت : ٦١٥٠٠ فاكس : ٢٢٤٣٨٤٨ ص . ب : ٢٥٤١٤
E.mail: albyrouty@hotmail.com
3
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المشرف
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله معلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
وبعد :
فإنَّ مِنَ المآثِرِ الّتي تُذْكَرُ، وتُشْكَرُ، وتُقَدَّرُ لجامعة أُمُّ درمان الإسلاميَّة ، أنَّها جَعَلَتْ تحقيقَ المخطوطاتِ التُراثِيَةِ مِنْ أَهَمِّ الأعمالِ العلميَّةِ الَّتي تمنحُ طُلَّابها على أساسها الدرجات العلميَّة، مِنْ درجة الماجستير، ودرجة الدكتوراه.
وذلك بتحقيقِ تلكَ المخطوطاتِ، التحقيقَ العلميَّ القويم ، بحيثُ يُمَهِّدُ لِوضْعِ كُتُبِ التُراثِ بين أيدي الناس والمختصِّين، في حلَّةٍ قَشِيبَةٍ، وإخراج جميلٍ، يجعلُهم يقبلون برغبةٍ وشوقٍ على قراءة ودراسة ما خَلَّفَه الأسلاف مِن كنوز العِلم والمعرفة، والاستفادة منها، سَعْياً وراء رَبْطِ الحاضر بالماضي المجيد، من أجْلٍ أن يَنْهَضَ الحاضرُ موصولاً بالجذور الأصيلة مِن التُّراث ، فتكون النَّهضة المنشودة نهضةً صحيحةَ النَّسَبِ ، متينة الأساس ، تتجاوبُ مع شخصيَّة الأُمَّةِ وطموحاتها ، وتَنْفي عنها كُلَّ ما عَلِقَ بها، أو يُرادُ أن يَعْلَقَ بها مِن مؤثِّرات قديمةٍ غريبة ، أو حديثة دخيلة ، مبتوتة الصِّلة بالجذور الأصيلة.
هذا ...
والكتابُ التراثيّ الّذي نقدِّم له هو كتاب:
(نُصْرَةُ القَوْلَينِ للإمامِ الشافِعي)
المؤلِّفه ابن القاصّ (٣٣٥هـ)
4
وهو رسالةٌ قَيِّمةٌ، قام بتحقيقها الباحث مازن سعد الزبيبي، ونال بها درجة الماجستير في الفقه المقارن.
لقد بَذَل الباحثُ المحقّق جهداً طيِّباً في تحرير نصوص المخطوط:
فقد قام بضبط النصوص من القرآن والسّنّة ضبطاً تامًّاً، وضبط كثيراً مِنَ الألفاظ المحتاج إلى الضبط.
واستعمل إشارات الوقف أو علامات الترقيم بصورة جيِّدة، ولم يَكْتفِ الباحثُ المحقِّق بذلك، بل نَهَضَ بِعِبِ خدمة نصوص المخطوط:
فقام بشرح الغامض من الألفاظ والمصطلحات.
واعتنى بذكر الأدلّة والتعليلات لكثيرٍ من الأحكام الفقهية مع تخريج تلك الأدلّة والتعليلات من مصادرها.
وعرَّف بكثير من الأعلام، مع توثيق التعريفات من المصادر المعتمدة.
هذا ...
ولا يخفى على القارئ المتخصِّص ميزات هذا العمل الجليل ....
وما قد يوجدُ فيه من ملاحظات، فهي مغْمورَةٌ في بَحْر الحسنات المشر-قة في تحقيق هذا الكتاب.
وندعو للمحقِّق بمزيد من التوفيق والعطاء، والحمد لله ربِّ العالمين.
أ.د. محمّد خير هيكل
٢٠٠٩/٢/١٢م
5
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الَّذي اصطفى للعلوم رجالاً فضَّلهم بالعقل الذي هو أساس الفضائل؛ وينبوع الأدب ؛ وقوام الدُّنيا وعِمادُها ، وبه يُناطُ(١) التكليف ، وبفقده يُرفع عن العبد.
والعلم بحرٌ واسع عميقُ الغَوْرِ(٢)، والإحاطة بجميع العلوم مُحال، وأشرَفها قدْراً وأكثرها نفعاً لبني البشر علوم الدِّين، فبمعرفتها يَرشدون، وبجهلهم بها يَضلّون.
ومن أشرف علوم الدِّين بعد صحَّة الاعتقاد والسَّير على الصِّراط السَّويِّ - علم الفقه - قال ﷺ: ((مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ في الدِّين))(٣).
والتراث الإسلامي مليءٌ بکتب فقهية غنيّةٍ بموادها ومسائلها، بذل كاتبوها قُصارى
(١) هذا منوط به : أي معلَّقٌ ، (تاج العروس ١٥٩/٢٠).
(٢) غَارَ الماءُ غَوْراً: ذهب في الأرض وسَفَلَ فيها. انظر (المعجم الوسيط ٦٦٥/٢).
(٣) جزء من حديث معاوية بن أبي سفيان، انظر (فتح الباري شرح البخاري ٢١٦/١ كتاب العلم باب ١٣ من يرد به الله خيراً يُفَقِّهْهُ في الدين رقم الحديث / ٧١ / قال حُميد بن عبد الرحمن سمعت معاوية خطيباً يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((مَنْ يُرِدِ اللهُ بهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ في الدين، وإنَّما أنا قَاسِمٌ، واللّهُ يُعْطي ، ولنْ تَزالَ هذهِ الأمَّةُ قائِمةً على أَمْرِ الله لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ الله)). وأخرجه في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبيِّ ﷺ: ((لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ على الحَقِّ وَهُمْ أَهْلُ العِلْمِ)) رقم الحديث / ٧٣١٢/ج٣٥٨/١٣. وأخرجه مسلم في كتاب الزّكاة باب النهي عن المسألة رقم الحديث/ ٢٣٨٩/ انظر (شرح النووي على مسلم ١٢٩/٧).
5
جُهدهم ومبلغ علمهم فيها، رحم الله أولئك السَّلف، وجعل الخير في هذا الخلف.
ومن نعم الله عليَّ أن جعلني أسير في هذا الطَّريق، متلمِّساً النُّور الَّذي جاء به محمَّدٌ ﷺ من عند الله تبارك وتعالى ، هذا النُّور الَّذي يأبى الله إلاَّ أن يتمَّه ، فقد هيَّأ له رجالاً عظاماً ، خلَّفوا لنا ثروةً فقهيَّةً عظيمةً ، وعلماً لا يَنْضُبْ(١)، ولا يعرف قدر هؤلاء العلماء إلاَّ من جلس إلى مائدتهم وتناول من علمهم.
رحمهم الله، وأدخلهم فسيح جنَّاته.
وأصلِّ وأسلِّم على معلِّم النَّاس الخير وعلى آله وصحبه.
وبعد:
فلقد وفَّقني الله تعالى في الحصول على مخطوطٍ بعنوان
«نُصْرَةُ القَوْلَيْنِ للإمامِ الشَّافِعِيِّ»
من تأليف الإمام أحمدَ بنِ أبي أحمدَ الطَّبريِّ المعروفِ بابنِ القاصِّ رحمه الله تعالى ونفعنا بعلومه آمين.
****
(١) قال في مختار الصحاح : (نَضَبَ) الماء غار في الأرض ، وبابه دَخَل (أي مضموم العين في مضارعه). انظر ص/ ٥٧١.
6
والدوافع وراء اختياري هذه الرسالة
١ - ردُّ ما شاع بين جماعة من النَّاس من ترك المذاهب الفقهيَّة ، وترك اختلافاتها ، والاكتفاء بالرجوع إلى كتاب الله فقط.
٢ - بيانُ ما كان يحدث بين بعض المقلِّدين للمذاهب من خلافٍ وتعصب أعمى، عن جهلٍ وعدم وعيٍ.
٣ - الكشفُ عن خلافاتِ السَّلفِ القائمةِ على العلم والفهم.
٤ - المساهمة في الكشف عن الثروة الضخمة والهائلة الَّتي تركها الأسلاف ، والّتي تدلَّ على ما وصل إليه العلماء من العلم والفهم والعقل الرّاجح ، من غير تعصبٍ أو عداوة أو مطمع دنيوي.
وهذه الرِّسالة فيها الرَّدُّ على من يعيب على الفقهاء اختلافهم وكثرة أقوالهم في المسألة الواحدة، فيقول ابن القاصّ فيمن يعيب على الشَّافعيّ تخريجه المسألة الواحدة على الأقاويل المختلفة:
((معاشر إخواني المُتفقِّهين ، فقد اتَّصل بي ما أنهيتُمْ من الرغبة ، وذكرتُم ما حلَّ بكم من الحاجة إلى الحجّة فيما عيَّركم به الكوفيُّون ، وثَلَبَكُمْ به المخالفون في اختلاف قولِ الشَّافعيّ رضي الله عنه وتخريجِهِ المسألةَ الواحدةَ على الأقاويلِ المختلفةِ ، وزعْمٍ أنَّ كثرةَ الأقوالِ على تباينِها ، لا يكون إلاَّ من مُبْتَغيي التَّلبيس ، وهكذا من قلَّ علمهُ ، وضاقَ بكثرةِ الأقاويل ذَرْعُهُ ... ))(١).
(١) انظر ص ٥٤ من هذا الكتاب.
7
خطةُ البحثِ والمنهج المتَّبع في التَّحقيق
وتتضمَّن خطّة البحث: مقدِّمة - قسم التحقيق - وخاتمة
* المقدِّمة وفيها الفصول التالية:
الفصل الأوَّل: التَّعريف بالمؤلِّف وسيرته الذَّاتِيَّة والعلميَّة.
ويتضمَّن المباحث التَّالية:
المبحث الأوَّل: اسم المؤلِّف ونسبه وشهرته.
المبحث الثّاني: مولد المؤلِّف ووفاته.
المبحث الثَّالث: نشأة المؤلِّف وشيوخه ومعاصروه وتلامذته.
المبحث الرَّابع: مؤلَّفات ابن القاصّ وآثاره العلميَّة.
المبحث الخامس: مكانة المؤلّف العلميَّة والوظائف الَّتي تقلَّدها.
المبحث السادس: من فقه المؤلِّف رحمه الله تعالى.
المبحث السابع: وفاة المؤلِّف.
الفصل الثَّاني: ما يتعلَّقُ بالكتاب المؤلّف
وفيه المباحثُ التالية:
المبحث الأوَّل: نسبة المؤَلَّف إلى مؤلِّفه.
المبحث الثاني: وصفُ نسخة الكتاب.
المبحث الثالث: أهمّية الكتاب العلميَّة.
المبحث الرابع: منهج المؤَلِّف وفيه مطالب:
المطلب الأول: سبب التأليف.
المطلب الثاني: ترتيب الکتاب و تبويبه وتقسيمه.
المطلب الثالث: المصادر التي اعتمد عليها المؤلّف.
8
ثانياً: قسم التحقيق ويتضمَّن ما يلي:
١- إخراج النصِّ كما أراده المؤلِّف.
٢- تصحيح الخطأ المتيقّن منه في نصِّ الكتاب مع الإشارة في الحاشية.
٣- تخريج النصوص القرآنيَّة والأحاديث النبويَّة، وضبطها ضبطاً تامًّاً.
٤- المحافظة على تقسيمات المؤلِّف للكتاب من أبواب وفقرات ، وفي حال إضافة بعض العناوين الجزئية للإيضاح أضعها بين معكوفتين.
٥- وضع علامات الترقيم.
٦- عَزْو أقوال الفقهاء والمسائل الفقهيَّة إلى مظانِّها الرئيسَة.
٧- شرح الألفاظ الغامضة، والمصطلحات العلميَّة والفقهيّة والأصوليّة.
٨- التعريف بالأعلام والكتب الواردة في متن الكتاب المخطوط.
٩- وضع الفهارس المتنوّعة العلميَّة للمخطوط وتتضمَّن:
فهرساً للآيات مرتَبةً حسب ترتيبها في المصحف الكريم.
فهرساً للأحاديث الشريفة مرتَّبةً على حروف المعجم.
فهرساً للأعلام مرتبةً على حروف المعجم.
فهرساً للأمكنة.
فهرساً للمراجع والكتب الَّتي رجع إليها المؤلِّف.
فهرساً للأشعار.
فهرساً لمراجع التحقيق.
فهرساً لمحتويات الكتاب.
الخاتمة : وفيها نتائج وخلاصة البحث.
9
10
الفصل الأوّل
التعريف بالمؤلف
وسيرته الذاتيّة والعلميَّة
ويتضمَّنُ المباحث التالية:
المبحث الأوَّل: اسم المؤَلِّف ونسبه وشهرته.
المبحث الثاني: مولد المؤلّف.
المبحث الثالث: نشأة المؤلِّف وشيوخه ومعاصروه وتلامذته.
المبحث الرابع: مؤلَّفات ابن القاصّ وآثاره العلميَّة.
المبحث الخامس: مكانة المؤلِّف العلميَّة والوظائف التي تقلَّدها.
المبحث السادس: من فقه المؤلِّف رحمه الله تعالى.
المبحث السابع: وفاة المؤلِّف.
11
المبحثُ الأوَّل
اسم المؤلف ونسبه وشهرته
هو أحمد بن أبي أحمد ، أبو العبَّاس ، الطبريُّ ، الشافعيُّ ، المعروفُ بابن القاصِّ(١) ثمَّ أضاف الذهبيُّ في سيره(٢) بأَنَّه البغداديُّ ، ومعنى هذا أنَّه سكن بغداد كما سكن طَيِرِسْتان ، وقد تابع الذهبيَّ في هذه النسبة الزركليُّ في الأعلام(٣) ، هذا وقد قال الزركلي في اسمه بأنّه : أبو العباس أحمد بن أحمد الطبري.
وبعض المصادر تصفهُ بصاحب التلخيص(٤)، وهذا ما نقله النووي(٥) عن الوسيط(٦). وسبب تسميته بابنِ القاصِّ، هو : أنَّ والده كان يقصُّ على الناس
(١) انظر تهذيب الأسماء واللغات للنووى ٢٥٣/٢، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكى ٥٩/٣، البداية والنهاية لابن كثير ٢١٩/١١، وفيات الأعيان لابن خلكان ١٨/١، طبقات الفقهاء للشيرازي ص١١١، وطبقات الفقهاء الشافعيَّة لأبي بكر بن هداية الله الحسيني ص٦٥.
(٢) انظر سير أعلام النبلاء للذهبي ٣٧١/١٥.
(٣) الأعلام للزركلي ١/ ٩٠. وهو خير الدين الزركلي صاحب الأعلام وهو: قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين، الّذي بدأ كتابته عام / ١٩١٢، وظلّ يكتب فيه طيلة ستين عام إلى أن وافته المنّة رحمه الله تعالى.
(٤) التلخيص كتاب للمؤلّف في الفقه الشافعي، وهو مطبوع في مكة والرياض، وسيأتي الكلام عنه في المبحث الرابع مؤلَّفات ابن القاصّ، انظر ص ٢٠.
(٥) انظر تهذيب الأسماء واللغات للنووي ٢٥٣/٢.
(٦) كتاب الوسيط: في الفروع للإمام أبي حامد الغزالي (٥٠٥هـ) وهو أحد الكتب الخمسة المتداولة بين الشافعيَّة، ذكره النووي في تهذيبه، وشرَّاحه وملخّصوه كُثُر، انظر (كشف الظنون لحاجي خليفة ٢٠٠٨/٢).
12
القصص، ويقدِّمُ لهم المواعظَ، إذْ إنَّه دخل الدَّيْلَمَ(١) ووعظ بها، وذكَّرهم بما يجب أن يذَكِّرهم به فسمِّي بالقاصِّ.
وذهب السمعاني في الأنساب إلى أنَّ القاصَّ ، هو ليس والده ، إذ قال: ((وإنَّما قيل لأبي العبّاس ، القاصّ ، لدخول ديلم والجبل ، ليقود عساكر الجهاد منها ، إلى الروم بالوعظ والتذكير، ثمَّ أردف قائلاً: بأنَّه كان أخشع الناس قلباً إذا قصَّ))(٢).
وقد وافقه على ذلك ابن كثير، في البداية والنهاية(٣)، وابن خلكان في الوفيات(٤) إلاَّ أنَّ ابن كثير قال: «وعُرِفَ والده بالقاصِّ، لأنّه كان يقصُّ على الناس الأخبار والآثار»، وقال النووي في التهذيب الأسماء واللغات(٥) إنَّ هذه الواقعة حصلت لوالده.
والراجح أنَّ والده هو القاصّ ، وهو ابن القاصّ، وهذا ما ورد في المخطوط الَّذي أحقّقه ، وفي كثير من المراجع الّتي ذكرتها قبل قليل.
ولعلَّل سبب الترجيح هو ما يلي:
١- ذكرُ أكثر المصادر أنَّ والده هو: القَاصّ.
٢- وأغلب المصادرُ عندما تذكر اسمه تقول عنه المعروف بابن القاصّ ولو كان هو القاصّ لما جاز أن يُقال عنه ابن القاصّ وإنَّما قال : القاصّ بعض المصادر
(١) الديلم: وهم جيل سمُّو بأرضهم وليس باسم أب لهم، وهم في جبال قرب (چيلان)، انظر (معجم البلدان لياقوت الحموي ٥٨١/٢). وچيلان: اسم لبلاد كثيرة من وراء طبرستان، انظر (المرجع السابق ٣٦٨/١).
(٢) الأنساب للسمعاني ١٠/ ٣٠٣.
(٣) البداية والنهاية لابن كثير ٢١٩/١١.
(٤) وفيات الأعيان ١٨/١.
(٥) تهذيب الأسماء واللغات للنووي ٢٥٣/٢.
13
منها: السمعاني في الأنساب(١) إذ قال عنه القاصّ الطبريّ.
٣- اسمه الموجود على غلاف المخطوط : ابن القاصّ.
٤- العلماء الَّذين نقلوا عنه في كتبهم عندما يُشيرون إلى النقل يقولون : نقلاً عن ابن القاصّ أو قال ابن القاصّ كذا وكذا.
****
(١) انظر (الأنساب للسمعاني ٣٠٣/١٠).
14
المبحث الثاني
مولد المؤلف
تاريخ ولادته غير معروف ، لم أقف على مصدرٍ يذكر ولادته ، بينما ذُكِرَ أنَّه ولد في طبرستان(١) وسكن فيها ، وتعلَّم فيها ، وسكن بغداد وتعلَّم فيها أيضاً.
طبرستان بلاد واسعة ، وهي ناحية بين العراق وخراسان ، ذات مدن وقرى كثيرة ، تكثر فيها الأشجار والمياه والأنهار، وأهل تلك الجبال كثيرة الحروب ، وأكثر أسلحتهم الأطبار أي الفؤوس(٢) ، فكأنَّها لكثرتها فيهم سمِّيت بذلك(٣).
****
(١) طبرستان (في شمال إيران، جنوب بحر قزوين) وهي مجاورة لجيلان وديلمان، وهي بين الريّ وقومس والبحر وبلاد الديلم والجيل، وهي بلاد واسعة ، خرج من نواحيها من لا يحصى من أهل العلم والأدب والفقه ، والغالب على هذه البلاد الجبال. انظر بتوسع في معجم البلدان لياقوت الحموي ٤/ ١٣ وما بعدها.
(٢) في (المعجم الوسيط) قال: الطَّبَر: نوع قديم من السلاح يشبه الفأس، انظر ص ٥٤٩.
(٣) انظر معجم البلدان لياقوت الحموي ٤/ ١٣.
15
المبحث الثالث
نشأة المؤلف وشيوخه وتلامذته ومعاصروه
نشأ ابن القاصِّ في بيت علم، فكما علمنا كان والده قصاصاً ؛ يروي السِيَر والأخبار.
شيوخه:
تتلمذ على يد أبي العبّاس بن سُرَيْج(١) إذ أخذ عنه الفقه وتفقّه عليه ، وأخذ الفقه أيضاً عن أبي قاسم الأنماطي(٢) ، والمزني(٣).
(١) وهو أحمد بن عُمر بن سُرَيْج القاضي، (٢٤٩- ٣٠٦هـ) أبو العبَّاس، فقيه الشافعيَّة في عصره، مولده ووفاته في بغداد، له نحو (٤٠٠) مصنَّف منها : الأقسام والخلع، والودائع لمنصوص الشرائع وغيرها، ولي القضاء بشيراز، وقام بنصرة المذهب الشافعي، فنشره في أكثر الآفاق، انظر (سير أعلام النبلاء للذهبي ٢٠١/١٤ (١١٤)، و(طبقات الشافعيّة الكبرى للسبكي ٢١/٣) و(وفيات الأعيان لابن خلكان٤٩/١).
(٢) ابن بشَار، الإمام العلامة، شيخ الشافعيّة ، أبو القاسم عثمان بن سعيد بن بشار البغدادي، الفقيه الأنماطي، تفقَّه على المزني وغيره، وعليه تفقَّه أبو العبَّاس بن سريج وغيره، توفي سنة / ٢٨٨/ هـ. انظر (سير أعلام النبلاء للذهبي ٤٢٩/١٣).
(٣) المزني ، وهو الإمام العلاَّمة إسماعيل بن يحيى، أبو إبراهيم المُزَنِيّ ، (١٧٥ - ٢٦٤هـ) ، صاحب الإمام الشافعيّ ، وناصر المذهب الشافعيّ ، من أهل مصر، كان زاهداً عالماً مجتهداً قويَّ الحجّة، وهو إمام الشافعيين، له كتب كثيرة، أشهرها: الجامع الكبير- والجامع الصغير - والمختصر - وغيرها. قال الشافعيُّ: المزني ناصر مذهبي، وقال في قوَّة حجَّته: لو ناظر الشيطان لغلبه. انظر ترجمته في (طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٩٥/٢ وما بعدها)، و(الأعلام للزركلي ٣٢٩/١).
16
أمَّا الحديث فقد أخذه عن أبي خليفة الجُمَحيّ(١)، ومحمَّد بن عبد الله المُطَيّن الحضرمي(٢)، ومحمّد بن عثمان بن أبي شيبة(٣)، وعبد الله بن ناجية(٤)، وغيرهم.
أمَّا تلاميذه:
فلم أقف على مرجع يحدِّد عددهم ، ويذكر أسماءهم ، باستثناء تلميذه أبي عليّ الزُّجاجيّ(٥) ، الذي ورد ذكره في بعض المصادر، ويقال بأنَّ أبا جعفرٍ
المحدِّث الأديب الإخباري أبو خليفة، الفضل بن الحباب (الحباب: عمرو بن محمَّد بن شعيب الجمحي البصري الأعمى)، (٢٠٦ -٣٠٥هـ)، كان قاضي البصرة، عالماً بالحديث، و كان ثقة صادقا مأمونا، عاش حوالي مائة سنة، حدَّث عنه كثير، له جزء في الحديث، وكتاب الفرسان، وطبقات الشعراء الجاهليّين. انظر (سير أعلام النبلاء للذهبي ١٤/ ٧)، و (الأعلام للزركلي ١٤٨/٥).
الشيخ الحافظ الصادق، محدِّث الكوفة، أبو جعفر، محمَّد بن عبد الله بن سليمان الحضرمى، (٢٠٢-٢٩٧ هـ)، الملقب بمطيّن، لأنّه كان وهو صغير يلعب مع الصبيان في الماء فيطيِّنون ظهره، من حفَّظ الحديث، قال ابن أبي دارم: كتبت بإصبعي عن مطيّن مائة ألف حديث، وسئل عنه الدار قطني، فقال: ثقة جبل، عاش حوالي / ٩٥/ سنة، انظر (سير أعلام النبلاء ٤١/١٤). وانظر (الأعلام للزركلي ٦/ ٢٢٣).
محمَّد بن عثمان بن أبي شيبة، الإمام، الحافظ ، المسند ، أبو جعفر العبسي الكوفي، له تاريخ كبير، وكان من أوعية العلم، مؤرِّخ لرجال الحديث، من الحفّاظ، توفي سنة / ٢٩٧هـ/ وله من العمر ما يقارب التسعين، انظر (سير أعلام النبلاء ٢١/١٤(١١)، والأعلام للزركلي ٢٦٠/٦).
ابن ناجية، الإمام الحافظ الصادق، أبو محمَّد، عبد الله بن محمَّد بن ناجية بن نجبة البربري، ثمَّ البغدادي، كان إماما، حجَّة ، من حفاظ الحديث، كان ثقةً ثبتاً، له مسند كبير، توفي سنة / ٣٠١/ هـ انظر (سير أعلام النبلاء للذهبي ١٦٤/١٤)، و(الأعلام للزركلي ١١٩/٤).
الحسن بن محمَّد بن العبَّاس، القاضي الإمام الجليل، أبو علي الزجاجيّ، أحد أئمة الأصحاب، له كتاب زيادة المفتاح، وكتاب في الدَّور علّقه عن شيخه ابن القاصّ، توفي
=
17
الخَّاطِيّ(١) قرأ عليه ، وهذا لا يعني أنَّه لا تلاميذ له أو أنَّهم قِلَّة ؛ بل هم كثرٌ، لأنّه كان شيخاً كبيراً مشهوراً عند الشافعيّة ، فلا بدَّ من تزاحم الطلاَّب على مجلسه ومحلِّ درسه.
ومن معاصريه:
أبو عبد الله الخَتَن(٢) (ت ٣٨٦ هـ) وقد شرح كتابه التلخيص.
والقفَّال (ت٣٦٥ هـ) (٣) وقد شرح أيضاً كتابه التلخيص.
أبو علي السِّنْجيّ(٤) وكان مِمَّن شرحوا كتابه التلخيص.
قبل سنة أربعمائة، وهو الصحيح. انظر (طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٣٣١/٤، ووفيات الأعيان لابن خلكان ٦٨/١).
(١) وهو والد أبي الحسين الحنّاطي، وهو الحسين بن محمَّد بن عبد الله الحنَّاطي، الطبري ، كان حافظاً لكتب الشافعي ، ولكتب أبي العبَّاس ، والظاهر وفاته بعد الأربعمائة بقليل ، انظر (طبقات الشافعيَّة للسبكي ٤ / ٣٦٧).
(٢) وهو محمَّد بن الحسن بن إبراهيم، أحد أئمّة المذهب الشافعي، (٣١١-٣٨٦هـ)، وعرف بالختن (لأنّه كان خَتَن الإمام أبي بكر الإسماعيليّ)، كان كثير الترحال والسماع، له شرح مشهور على (تلخيص ابن القاصّ). انظر (طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ١٣٦/٣).
(٣) محمَّد بن علي إسماعيل الشاشي ، القفَّال ، (٢٩١-٣٦٥ هـ) ، أبو بكر، من أكابر علماء عصره بالفقه والحديث واللغة والأدب، وهو أوَّل من صنَّف الجدل الحسن من الفقهاء، من أهل ما وراء النهر، وعنه انتشر المذهب الشافعيّ في بلاده، مولده ووفاته في الشاش (وراء نهر سيحون) رحل إلى خراسان والعراق والحجاز والشام، من كتبه أصول الفقه ومحاسن الشريعة وشرح رسالة الشافعي. انظر (الأعلام للزركلي ٦/ ٢٧٤).
(٤) الحسين بن شعيب بن محمَّد السنجي، أبو علي: فقيه مرو في عصره ، كان شافعيًّاً ، نسبته إلى السنج (من قرى مرو) ، وله شرح الفروع لابن حدَّاد، وله شرح التلخيص لابن القاصّ، وكتاب المجموع نقل عنه الغزالي في الوسيط، توفي سنة / ٤٢٧ هـ /. انظر =
18
والإمام الطبري صاحب التفسير(١).
وأبو علي الطبري الفقيه الشافعي(٢).
وابن الطبري المؤرِّخ(٣). وغيرهم كثير.
****
(سير أعلام النبلاء للذهبي ٥٢٦/١٧ (٣٩٠)، والبداية والنهاية لابن كثير ١٢/ ٥٧، وتهذيب الأسماء للنووي ٢/ ٢٦١ وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٣٤٤/٤، والأعلام للزركلي ٢/ ٢٣٩).
(١) محمد بن جرير الطبري (٢٢٤ - ٣١٠) هـ، أبو جعفر: المؤرخ المفسر الإمام، ولد في طبرستان، واستوطن بغداد وتوفي فيها، وعرض عليه القضاء فامتنع، والمظالم فأبى، له كتب كثيرة منها التاريخ وجامع البيان في تفسير القرآن وأخبار الرسل والملوك واختلاف الفقهاء وغيرها. انظر (سير أعلام النبلاء للذهبي ١٤/ ٢٦٧ (١٧٥) ، والبداية والنهاية لابن كثير ١١/ ١٤٥، والأعلام للزركلي ٦/ ٦٩).
(٢) الحسن أو الحسين بن القاسم (٢٦٣ - ٣٥٠) هـ، الطبري، أبو علي: فقيه شافعي باحث، أصله من طبرستان توفي في بغداد، له المحرر في النظر، والإيضاح، والعدة في الفقه الشافعي. انظر (طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٣/ ٢٨٠، والأعلام للزركلي ٢/ ٢١٠).
(٣) أحمد بن الحسين بن الطبري ت (٣٧٦) هـ، أبو حامد المروزي المعروف بابن الطبري ، قاضٍ من حفاظ الحديث ، من أهل طبرستان ، تفقه ببغداد وبلخ ، وتولى قضاء القضاة بخراسان ، وأقام في بخارى ومات فيها ، له كتاب في التاريخ ، وصف بأنه بديع. انظر (البداية والنهاية لابن كثير ١١/ ٣٠٥، والأعلام للزركلي ١/ ١١٥).
19