وأطرقت سهير، وقالت شهيرة: ولماذا يا ستي، ألسنا مثل الأخريات؟
وتحمست خديجة: ردي يا سهير، صحيح هذا؟
وقالت سهير في جمجمة: والله أخشى أن أقول نعم وأنا لم أتأكد بعد. - يا أختي قولي نعم ولا يهمك. ألف مبروك.
وقالت راوية في فرح صادق، فهي تتمنى أن تنجب سهير؛ فوجود طفل لها سيجعلها تزداد حبا لابنتهما هالة: ربنا يجعل دخلتي عليك مبروكة إن شاء الله، ولو كانت غيرك، وأنت أول مرة ترينني فيها، لظننت أنني فرحانة من وراء قلبي، وأنني كنت أتمنى أن يفوز زوجي بثروة أبيه، ولكن المال والحمد لله كثير ولا ينقصنا، وليس لنا إلا هالة، ولا ننوي أن نجيء بغيرها، وكم أتمنى أن يأتي لها منك عم قريب من سنها، فيصبح لها كأخ من دمها ولحمها تستطيع أن تعتمد عليه! وفرحي بهذا الخبر فرح واحدة أحبتك من أول زيارة، وفي نفس الوقت تريد أخا لابنتها، فصدقيني أنا فرحانة. - يعلم الله يا راوية لقد صدقتك، وأنا لم يكن يهمني أن يكون المولود ولدا أم بنتا، ولكن بعد الذي قلته أصبحت أتمنى أن يكون ولدا. - سأدعو لك عند شباك النبي إن شاء الله يا سهير، وسيكرمك الله بإذن الله.
أفوتكم بعافية.
هل أرسل لك السيارة يا راوية؟
وردت سهير: سيارتنا ستوصلها، لا تحملي هما. •••
حين قصت سهير على زكريا باشا ما حدث: ألم تعرفي إن كانت جاءت بعلم عدلي أم بغير علمه؟ - هي لم تقل، ولكن الذي أتصوره أنها لم تقل له. - أنا أمامي حل واحد. - ما هو؟ - أنا أستطيع أن أعين عدلي في وظيفة خارج القطر. - خارج القطر؟! - نعم، مثل فرنسا أو سويسرا؛ فهو مهندس، وعليه أن يمارس هذا الذي تعلمه في المدارس، ليحس أنه يصنع شيئا في الحياة. - ولكن يا زكريا إن له ابنة، فكيف يكون الأمر؟ - هذا ما أريد الكلام فيه. - ماذا تريد؟ - أريد أن أربي أنا البنت . - وما له! - أنا أعرف أنك تتمنين طفلا، وحفيدتي عندك ستكون مثل ابنتك. - أنا أريد أن أربي حفيدتك لأنها حفيدتك، لا لأني أريد طفلا. - وما البأس أن تجمع هالة بين صفتين؛ حفيدتي وابنتك في وقت واحد؟ - أنا عندي طفلي ولست ... - ماذا؟ ماذا قلت؟ - كنت أريد أن أتأكد قبل أن أقول لك، ولكن ليس من المعقول أن تعرف صاحباتي وأنت ... - هل أنت جادة؟ - وهل يمكن أن أهزر في مثل هذا؟! - وهل أنت متأكدة؟ - أكاد.
وجم زكريا باشا وجلس مفكرا. - ماذا يا زكريا؟ أكثير علي طفل منك؟ - يا سهير فكري في الحكاية. ما هذا الكلام الذي تقولين؟ - والله أنا زعلت. - يا بنتي لقد ظلمتك حين تزوجتك، وبهذا الطفل يكون ظلمي لك قد تضاعف. - وهل شكوت لك؟ - سهير، أنا لا أحتاج أن أسمع منك شكوى حتى أعرف الحقيقة. - الحقيقة أنك تخاف أن يغضب عدلي إن جئت له بأخ، فأنت مهما يفعل بك تحبه. - اسمعي يا سهير، عدلي أنا ظلمته لأني شغلت بنفسي وبالسياسة، ولم أعن أقل عناية بتربيته؛ ولهذا أنا أشفق عليه. أما الطفل الجديد فأنا أحبه أكثر من عدلي، لأني لن أرى منه ما رأيته من عدلي، حتى لو أصبح في خلق عدلي فإن الحياة لن تتيح أن أرى منه شرا. أما تفكيري الذي رأيته ووجومي فهو أنني أهملت ابني الأول بزحمة الحياة، وها أنا ذا سأهمل ابني الثاني بفعل الموت. - زكريا، ماذا تقول؟ - لقد جاوزت الخامسة والسبعين يا سهير، فكيف يمكن أن تتيح لي الحياة تربية ابن ما زال جنينا في عالم الغيب؟ - أهذا ما يحزنك؟ - ومع ذلك فأنا لست حزينا؛ ففرحك بطفلك يجعلني فرحا به أنا أيضا. كل ما في الأمر أنني أفكر، أعجب على رجل في مثل سني أن يفكر؟ - اتركها على الله يا زكريا. - إن الله سبحانه لديه الكثير الذي يشغله، هل كان لا بد لرجل مسن أن يشغله هو أيضا بطفل يأتي به وهو في آخر العمر؟ - لا تحاول أن تفكر لله أيضا يا زكريا. - أستغفر الله العظيم . - أستغفر الله العظيم.
الفصل الثاني عشر
Неизвестная страница