ولعل من العجيب أن راشد كان بهذا التحضر العقلي في خاصة شأنه، وأن يحافظ في نفس الوقت على العرف والتقاليد محافظة صماء، إذا لم تكن تتعارض مع رغباته وأهوائه ومزاجه الخاص.
فصلاته النسائية في مصر قبل الزواج مستورة، لا يعرف عنها أحد شيئا، ولولا خطأ نسيان لما أتيح لفهمي ما أتيح له من الحصول على هذه الورقة.
أما صلاته النسائية في باريس فقد كانت صاخبة عربيدة، يستره في علانيتها أن أحدا لا يعرفه هناك.
كان راشد شخصين متناقضين، وهما مع ذلك متوائمان في نفسه، متفاهمان لا يعارض واحد منهما الآخر، ولا يعترض أحدهما على ما يأتيه الثاني، كتوءمين اختلفت أخلاق كل منهما عن الآخر، وتألفهما في الوقت نفسه الحب العميق والإعجاب. كان كل من الراشدين في نفس راشد يعجب براشد الآخر، ويحبه، ويشيد في همسه به، ولولا خشية أن يقال نرجسي يحب نفسه لأعلن عن حب الراشدين أحدهما للآخر المكتوم في نفسه، التي تبدو أمام الناس راشدا واحدا. بل لقد كان هذا الحب المكتوم هو في ذاته صانع الشخصين وسر حياتهما معا.
كان راشد العربيد يعجب براشد الجامد الصلب المحافظ على التقاليد المعتني بملبسه عناية تقليدية، فلا ينسى أن يمسك العصا، وأن تكون الياقة منشاة، انقلب طرفاها إلى أعلى وتوسطها رباط عنق أنيق يتوسطه هو الآخر دبوس ماسي عريق.
ويعجب راشد العربيد براشد في المحافل العامة، رافضا اختلاط الرجال بالنساء، ورافضا عمل المرأة، إلا أن تكون خادما بالمنازل، ورافضا كل ما تريد الحضارة أن تدخل به إلى العصر.
ويعجب راشد العربيد براشد مقيم الصلاة في مواقيتها وذاهبا إلى المسجد من يوم الجمعة، حتى إذا كان في القرية سبقته السجادة ليصلي عليها. وإذا عرف في القرية أن شابا من شبابها يغازل امرأة أو يحاول أن يعتدي عليها، استقدمه وانهال عليه ضربا؛ حفاظا على الشرف، وردعا لكل من يحاول أن يحطم تقاليد الدين وعرف الآباء والأجداد.
ويعجب راشد العربيد براشد فاتح بيته في القاهرة والريف كل ليالي رمضان، ومشاهير المشايخ يتبادلون قراءة القرآن، ويؤم البيتين الناس يباركون هذا العرف العظيم، الذي يصر راشد أن يحافظ عليه.
أما راشد هذا التقليدي فهو يعجب براشد العربيد في كل ما يأتيه راشد العربيد، سواء كان ما أتاه تاريخا لا يعود أو واقعا يعيش فيه. وسواء كان ذلك في باريس مفضوحا هناك محبا لإعلان العربدة حيث لا يعرف أحد من ذلك العربيد، أم في القاهرة يأتي من يأتيه من النساء في محافظة على التقاليد وفي عربدة صامتة وقور لا تتفاضح ولا تعالن، وإنما تستمتع في داخلها فتحتوي المتعة جميعا غير ذائعة ولا بادية. ولكل من الصخب والصمت والعربدة والوقار متعته في نفس راشد.
ولكن راشد حين جاء أسامة أحس أن راشدا ثالثا وفد على الراشدين، وأحس أن هذا الثالث لن يجعل الأمور تجري فيما تعودت أن تجري فيه.
Неизвестная страница