نشأة علم مصطلح الحديث وتطوره حتى زمن البقاعي
إن علم مصطلح الحديث له أهمية كبيرة؛ إذ به يعرف صحيح الحديث من ضعيفه، وعدله من معوجه؛ ولعل أهمية ذلك تدرك من أهمية الحديث النبوي الشريف، الذي هو المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن الكريم الذي هو أصل الدين، ومنبع الطريق المستقيم. ومصطلح الحديث يبين من خلاله الحديث المعل من السليم والصحيح من الضعيف والموقوف من المرفوع والمقبول من المردود، وعليه يقوم استنباط الأحكام من السنة الطاهرة وبواسطة هذا العلم الجليل - الذي تفرد به المسلمون - يتم حسن الاقتداء بالرسول ﷺ، وقد نشأ هذا العلم الشريف مبكرًا بعد ظهور الرواية، وقد وردت عن التابعين ومن بعدهم عبارات من هذا الفن، كما ورد من قول محمد بن سيرين: «لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة، قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم» (١). وقال عبد الله بن المبارك: «الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء» (٢). لكن وجود مثل هذه العبارات لم يكن مؤلفًا عند السابقين بمؤلفات خاصة، فقد سبق تدوين الحديث التدوين بعلم مصطلح الحديث، ولا غرابة أن يكون علم مصطلح الحديث متأخرًا في التدوين عن علم الحديث، وربما أن المتقدمين جدًا لم يريدوا إفراد هذا الفن بالتصنيف لعدم حاجتهم إليه آنذاك، وقد احتيج إليه فيما بعد، فبدئ بالتدوين في هذا العلم الشريف، فكان أول من ألف فيه الإمام الشافعي المتوفى سنة (٢٠٤ هـ) في كتابه " الرسالة " إذ تكلم عن شروط الحديث الصحيح، وشروط الراوي العدل، وبحث الكلام عن الحديث
_________
(١) مقدمة صحيح مسلم ١/ ١٥.
(٢) المصدر نفسه.
1 / 28