قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [الأنعام: ١١٧] .
يقال: لم جاز في صفة القديم تعالى (أعْلَم) مع أنه لا يخلو أن يكون (أعْلَم) بالمعنى ممن يعلمه أو ممن لا يعلمه وكلاهما لا يصح فيه (أَفْعَلَ)؟
والجواب أن المعنى: هو أ'لم به ممن يعلمه، لأنه يعلمه من وجوه تخفى على غيره، وذلك أنه يعلم ما يكون منه وما كان وما هو كائن من وجوه لا تحصى.
وأما موضع (منْ) من الإعراب:
فقال بعض البصريين: موضعها نصب على حذف (الباء) حتى يكون مقابلًا لقوله:
﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ . وقال الفراء والزجاج: موضعها رفع: لأنها بمعنى (أي) كقوله تعالى: ﴿أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى﴾ [الكهف: ١٢] . وهذه المسألة فيها خلاف، وسأشرحها في موضعها إن شاء الله.
قال أبو علي. (من) في موضع نصب بفعل مضمر يدل عليه (أعلم)، كأنه قال: إن ربك أعلم يعلم من يضل عن سبيله.
وزعم قوم أن (أعلم) بمعنى (يعلم)، وهذا فاسد ولا يجوز أ، يكون (من) في موضع جر بإضافة (أعلم)؛ لأن (أفعل) لا يضاف إلا إلى ما هو بعضه، وليس ربنا تعالى بعض الضالين، ولا بعض المضلين فامتنع ذلك لذلك.
* * *
قوله تعالى: ﴿النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنعام: ١٢٨]
المثوى: موضع الثواء، والثواء الإقامة، قال الله تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ﴾ [القصص: ٤٥] .