إبانة الغرض المرغوب فيه لذكره الحياة؛ ومنها الاستدعاء بالرغبة والرهبة لحكم الله به. وأما الإيجاز في العبارة فإن الذي هو نظير - القتل أنفى للقتل - قوله ﴿القصاص حياة﴾، والأول أربعة عشر حرفا، والثاني عشرة أحرف وأما بعده من الكلفة بالتكرير الذي فيه على النفس مشقة فإن قولهم: القتل أنفى للقتل تكريرا غيره أبلغ منه، ومتى كان التكرير كذلك فهو مقصر في باب البلاغة عن أعلى طبقة، وأما الحسن بتأليف الحروف المتلائمة فهو مدرك بالحس وموجود في اللفظ. فإن الخروج من الفاء إلى اللام أعدل من الخروج من اللام إلى الهمزة لبعد الهمزة من اللام، وكذلك الخروج من الصاد إلى الحاء أعدل من الخروج من الألف إلى اللام، فباجتماع هذه الأمور التي ذكرناها صار أبلغ منه وأحسن، وإن كان الأول بليغًا حسنا.
وظهور الإعجاز في الوجوه التي نبينها يكون باجتماع أمور يظهر بها للنفس أن الكلام من البلاغة في أعلى طبقة، وإن كان قد يتلبس فيما قل بما حسن جدا لإيجازه، وحسن رونقه، وعذوبة لفظه، وصحة معناه. كقول علي ﵁: قيمة كل امرئ ما يحسن. فهذا كلام عجيب يغني ظهور حسنه عن وصفه، فمثل هذه الشذرات لا يظهر بها حكم، فإذا انتظم الكلام حتى يكون كأقصر سورة أو أطول آية ظهر حكم الإعجاز، كما وقع التحدي في قوله تعالى: ﴿فأتوا بسورة من مثله﴾، فبان الإعجاز عن ظهور مقدار السورة من القرآن
والإيجاز بلاغة، والتقصير عيي، كما أن الإطناب بلاغة والتطويل عيي، والإيجاز لا إخلال فيه بالمعنى المدلول عليه، وليس كذلك التقصير، لأنه لا بد فيه من الإخلال. فأما الإطناب فإنما يكون في تفصيل المعنى وما يتعلق
1 / 78