لأَتْلُوَ من آي المحامد سورةً ... وأُبْصِرَ من شخص المحاسن صوره
كنت أبقاك الله تعالى لاغتباطي بولائك، وسروري بلقائك، أَوَدُّ أن أطوي إليك هذه المرحلة، وأجدد العهد بلُقياك المؤملة، فمنع مانع، وما ندري في الآتي. الله صانع، وعلى كل حال فشأني قد وضَح منه سبيل مسلوك، وعَلِمَه مالك ومملوك، واعتقادي أكثر مما تسعه العبارة، والألفاظ المستعارة ومُوَصِّلُها ينوب عني في شكر تلك الذات المستكملة شروط الوزارة، المتصفة بالعفاف والطهر والسلام.
وخاطبت الشيخ أبا الحسن بن بطّان بقية الرعيل وخاتمة الأسرياء أهنيه بولده عبد الواحد حائز قصب السباق في كثير من الخصال الحميدة بعد اغتراب وشدة وانبتات بالبلاد الشرقية عظم لأجله بثُّه إلى أن تأَتّى خلاصه:
يَهْنِيكَ مَقْدِمَ عبدِ الواحدِ ابنك عن ... مَطْلٍ بوعدٍ مِنَ الأيامِ مَرْقُوبِ
كيوسُفٍ كان في فِعْلِ الزمان به ... وكنتَ في البَثِّ والشكوى كيعقوبِ
قد علم الله، وهو الذي يعلم السرَّ الخفي ويميز الماذِقَ والوفي، أنني أيها الفاضل الذي إليه في المجد الإشارة، وباجتماع شمله ذاعت البشارة، من يوم وقع عليك بصري ووجب عن حصر كرمك حَصَري، ورأيت منك كوكب السَّحَرِ الذي أخذ أعقاب النجوم، والصبح مرتقب الهجوم، وبقية الغيث السَّجوم، والزمان كثير النيازل والرُّجوم، وأَسِيتُ لفراق ابنك إذ جوانحي بالفراق جِدُّ مكلومة، وأسوارُ صبري بمنازلة الوَدَاع أيُّ مثلومة، ونفسي بالرقة المسترقة معلومة، وفي الجزع للبَيْن غير ملومة. لم أزل أضنُّ على الحوادث بذاتك، وأُوسعُ الأيامَ ذمًّا في أذاتك، وأرغب في بقاء رسم المروءة ببقاء حياتك، وآمل جمع شملك بعين أهلك، وأحتقر في جنبه ما أملِك وما عسى اليوم أن أملك، وأما ما يرجع إلى تخليد ذكرٍ جميل، وتنفيقٍ في محل تأميل، وهز الخلافة إلى رعيك وإحمادِ سعيك، فأمر لم آلُ فيه جَهْدًا، فقد أوسعته حرصًا لا زُهدًا، ونشرتُ لك بأبوابهم منه بندًا، وجنَّدت جندًا، وكنت عينت الشكرانَ من أجلك إذا جَمَعَ الله شملَكَ بنجلِك، فلمَّا تعرفتُ خلاص بدره من سِرَارِه ودُنوِّ داره، ورجوعه بعد الميل إلى مَدَاره، ثم نظرت إلى محاسنه بعين نابتة عن عينك، وسرني حسنُ القضاء بعد أن مَطَلَ الدهر بدَيْنك، شاهدت فاضلًا في فراق مثله يحسنُ الجزعَ ويرفض الصبر المنتزع، وابنا مزيته على البنين، مزيةُ سنةِ الهجرة على السنين، حفظ الله كمالَه، وبلَّغ كلاَّ منكم آمالَه، وأعانه على تأدية حقك الذي لا يوسع الشرع ولا الطبع إهماله، وحمدتُ الله وشكرتُ، ورحت في طلق المسرة وابتكرت، ورحمت وعذرت، ووَفيتُ بما نذرت، ولم يقنعني إلا بعت من يشافه بهنائك في أحب أبنائك، ولولا أنني ملازم حرمة لا أبْرَحُهَا ومغمور جراية لا أرفضُ حقوقَها ولا أطرحُها، ومؤملُ آمالٍ لا أشرحها، لم يقنعني إلا إعمال الركاب بَدَلَ إعمال الكتاب، فمثلي إذا عرف مثلك التزم، وقطع بموجب الوفاء وجَزَم، وفي وضع الأيادي مواضعها حَزْمُ من خَدَم، والله أسأل أن يجعل شملكم شملًا محفوظًا، وبعين الجمع على الأيام ملحوظًا، ومقْدمًا مجدودًا محفوظًا، ويمتع الفروعَ بالأصل، والأصول بالفرع، ويجعله ربْعا بالبَيْن غير مَروع، ويعين من البر على الحق المشروع. والسلام.
وخاطبت السلطان أبا عبد الله بن نصر جبره على الله عند وصول ولده من الأندلس:
الدَّهرُ أضْيَقُ فُسْحَةً من أن يُرى ... بالحُزنِ والكَمَدِ المُضَاعَفِ يَقْطَعُ
وإذا قَطَعْتَ زمانَه في كُرْبَةٍ ... ضَيَّعْتَ في الأوهام ما لا يرجع
فاقْنَعْ بِمَا أعْطاكَ دَهرُكَ واغْتَنِم ... منه السرورَ وخَلِّ من لا يقنع
1 / 37