وخاطبت القاضي ابن بطوطة بتَامَسْنَا، وقد عزمت على إثارة الأرض بجواره. لتَعْلَم سيادةُ القاضي شمس الدين، مُعَلّم المواقف الحسبية والميادين، أبقاها الله تحاكي الشمس في الجولة، وظهور الصولة، والحكم على الدولة، وإصلاح حال العَوْلَة أن موجب حقِّها، وشائم برقِها، والعائد بجمعها من فرقها، لما انتبذ وانقطع، واقتطع من جانب العزلة والتخلي ما اقتطع، وقد لاح نور الرضا بقضاء الله وسطع، آمل أن يكون مخدومه الراحة، حتى تندمل الجراحة، وإن أَعْوَزَ المعاش اجْتَدَيْتُ الفلاحة، وتخيرت في البقع بقعة يؤنَس فيها جوار كريم، ويؤمَنُ حَيْفُ غُرْمٍ أوليُّ غريم. فلم يقع الاختيار إلا على البقعة التي لها الفضل بسكنى شمس الدين بين جُرُزَاتها، ووقوف ركائب الاستفادة بين تُوضِحها ومِقْراتها، فالتزمت وارتبطت، واخترت واغتبطت، ووجهت ثقتي لشاء ما يُعِين على الدهر، ويستعد للفلاحة والبذر، خوفًا أن يخرج يومُه، فيرتفع سَوْمُه، ويحاول رَوْمُه، فيضنّ به قومه. وعندي أن القاضي إذا تحقق أن جواره هو المطلوب الأول، والفضل الذي عليه المعول، يَتَغَمَّدُ الفضل والديانة، حتى يَحصل ببركته ثمرةُ الفلاحة حسًّا وثمرة الفَلاَح معنى، وتعتضد الزيادة والحسنى، ويتأسس بهذه اللبنة من قُرْبِه المبنى، ويدعو التمعشُرُ في جواره إلى العشرة والسكنى، والتمتع بفضله الأسنى، ومن نبَّه مثلَه إلى فضل فقد نبَّه كفيلًا، أو جنح إلى بيت مثله أثار مجدًا حفيًا وقِرّى حفيلا، وما يصدر عن محله من وَفْق الظن به فمقابَل من الثّناء بأجمل صورة، ومن الحمد بأعجز سورة والسلام.
وخاطبت الشيخ الشريف الفاضل أبا عبد الله بن نفيس صُحْبَة ثمن مسكن اشتريته منه، وكان قد أهداني فرسًا عتيقًا:
جُزِيتَ يا ابنَ رسولِ الله أفضل ما ... جَزى الإلهُ شريف البيت يوم جزى
إن أعجز الشكرُ مِني منةً ضَعُفَتْ ... عن بعض حقك شُكرُ اللهِ ما عجزا
سيدي أبقى الله شَرَفك تشهد به الطباع؛ إذا بعدت المعاهد المقدسة والبقاع، وتعترف به الأبصار الأسماع، وإن جحدت عارَضها الإجماع، بأي لسان أُثني؟ أم أي الأفنان أهصر وأجني، أم أي المقاصد الكريمة أعني؟ أمطيْت جوادك المبارك، وأسكنت دارك، وأوسعت مطلبي اصطبارك، وهضمت حقك وبوَّأت جوارك، ووصلت للغرباء إيثارك، أَشهد بأنك الكريم ابن الكريم، لا أقف في تعدادها عند حد إلى خير جد، فإن أعان الدهر على مجازاة، وإن ترفع كرمُك عن مُوَازاة، فحاجةَ نَفْسٍ قضيت، وأحكام آمال أمضيت، وإن اتصل العجز فعين على القذى أغضيت، ومَنَاصل عزم ما انتضيت، وعلى كل فالثناء ذائع والحمد شائع، واللسان والحمد لله طائع، والله مشترٍ ما أنت بائع، وقد وجهت من يحاول لسيِّدي ثمن ما أكسَبَهُ مجدُه، وسفَر عنه حمده، والعقيدة بعد التراضي، وكمال التقاضي، وحميد الصبر وسعة التغاضي، وكونه الخصم والقاضي، أنه هبة سَوَّغَها إنعامه وأكلة هنَّاها مِطْعامه، نسأل الله أن يعلى ذكره، ويتولى شكره، ويُنْمِي ماله، ويرفع قدره، والولد جاره الغريب الذي برز إلى مقارعة الأيام عن خبرة قاصرة، وتجربة غير منجدة على الدهر وناصرة، قد جعلته وديعة في كرم جواره، ووضعته في حِجْر إيثاره، فإن زاغ فَيَدُهُ العليا في تبصيره، ومؤاخذته بتقصيره، ومن نَبَّه مثله نام، ومن استنام إليه بمهمة أكرم بمن إليه استنام، وإن تشوف سيدي لحال مُحبه فمطلق للدنيا من عقال ورافض أثقال، ومؤمل اعتياض بخدمة الله وانتقال، والسلام.
وخاطبت صدر الفضلاء الفقيه المعظَّم أَبا القاسم بن رضوان بما يظهر داعيته من فحواه:
مَرِضْتَ فأيّامي لِذَاكَ مَريضةٌ ... وبُرؤكَ مَقْرونٌ بِبُرْءِ اعتِلالِها
فلا راع تلك الذات للضر رائع ... ولا وسمت بالسقم غر خلالها
1 / 34