Not Yours to Bear Alone
ليس عليك وحشة
Издатель
دار القاسم
Жанры
المقدمة
الحمد لله الذي شرع الشرائع وأنزل الكتب، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده.
أما بعد:
فإن الدعوة إلى الله من أوجب الواجبات وأهم المهمات وأعظم القربات.
وتبرئة للذمة. ولما في هذه العبادة من الثواب العظيم والأجر الجزيل قام بها خيار الأمة، حتى أشرقت الأرض بنور ربها، فذلت لهم الرقاب ودانت لهم البلاد.
وتذكيرًا لنفسي -وللأحبة الكرام- بهذا الأمر العظيم، وخاصة في فترة أهمل فيها هذا الجانب أو ضعف، جمعت بعض وسائل ومداخل -هي أقرب إلى الخواطر- تعين على طرق سبل الدعوة فيستأنس بها ويؤخذ منها، وجعلت لها علامات وعليها منارات؛ لكي نسير على الخطى ونقتفي الأثر في طريق غير موحشة؛ لأن أقدام الأنبياء والصالحين وطأته وتغبرت في طرقه.
ولم أذكر إلا ما كان في نطاق دعوة الفرد الواحد فحسب؛ لأهميته، وإلا فالمجتمع بعامته له أساليب ووسائل أخر.
فها هي أبواب الخير مشرعة: فمن أمر بمعروف فهو داعية، ومن نهى عن منكر فهو داعية، ومن ترجم كلمة إلى لغة أجنبية يستفاد منها دينيًا فهو داعية، ومن أهدى شريطًا إسلاميًا فهو داعية،
1 / 3
ومن تبسم في وجه أخيه المسلم فهو داعية.
إنه عقد متكامل إذا أخذت منه جوهرة وطعمتها بالإخلاص نالك الأجر والمثوبة، وانتظمت في سلك الدعاة إلى الله.
جعلنا الله ممن سار على الهدى واقتفى الأثر حتى نحطَّ رحالنا برحمة الله وعفوه في جنات عدن تجري من تحتها الأنهار.
عبد الملك بن محمد بن عبد الرحمن القاسم
1 / 4
مدخل
قال وهيب بن الورد:
إن استطعت ألا يسبقك إلى الله أحدٌ فافعل.
وسارعوا
قال الله جل وعلا: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾.
وعن أبي هريرة ﵁: أن رسول الله ﷺ قال: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص من آثامهم شيئًا» رواه مسلم.
وقال رسول الله ﷺ: «لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم» رواه البخاري ومسلم.
وقال ﵊: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله» رواه مسلم.
وقد جاءت الآيات الكثيرة والأحاديث الشهيرة بالحث على الدعوة إلى الله، وبيان وجوبها، وما للداعي فيها من الأجر العظيم.
والآيات القرآنية الدالة على الدعوة أكثر من آيات الصوم والحج اللذين هما ركنان من أركان الإسلام الخمسة. فالدعوة إلى الله من أعظم واجبات الشريعة المطهرة، وأصل عظيم من أصولها، بها يكمل نظام الشريعة، ويرتفع شأنها.
1 / 5
فإن مهمة الدعوة إلى الله مهمة كبرى، مهمة عظيمة، مهمة فاضلة، مهمة رتب عليها من الأجر العظيم ما الله به عليم، ولذا اختار الله ﷾ لها أفضل الخلق وأكرم البشر، اختار لها سادات القوم وصفوة الأمة وفضلاءها.
فالدعوة عمل الأنبياء والرسل .. ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم.
إنها نقاط ووقفات لدعوة شخص بعينه ذكرًا كان أو أنثى.
ولم أذكر نقاطًا دعوية جماعية مثل الوعظ في المساجد وإلقاء المحاضرات .. لعلمي أن ذلك معلوم للكثير ويختص بفئة معينة من الدعاة وطلبة العلم وإنما قصدت دعوة شخص بعينه.
-أخي الحبيب-:
استمر نبي الله نوح ﵇ يدعو قومه سنوات طويلة قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا﴾.
وقام يوسف ﵇ بأمر الدعوة وهو في السجن فدعا من معه إلى عبادة الله جل وعلا: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾.
وهذا نبينا محمد ﷺ استمر في الدعوة طوال حياته ولاقى من الجهد والعنت ما حفظه لنا القرآن الكريم وكتب الحديث والسير .. ها هو في الرمق الأخير ولم ينس أمر الدعوة كما قالت أم سلمة ﵂ أن رسول الله ﷺ كان يقول في مرضه الذي توفي
1 / 6
فيه: «الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم» فما زال يقولها حتى ما يفيض بها لسانه. [رواه البيهقي في شعب الإيمان وروى أحمد وأبو داود ونحوه عن علي].
وكان من آخر كلماته الدعوة إلى الله: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» رواه الشيخان.
وهذا أبو بكر خليفة رسول الله ﷺ لم يشغله حزن وفاة النبي ﷺ عن أمر الدعوة بل سارع في وسط هذا الحزن إلى تأكيد أمر الدعوة إلى الله وأهميتها فعقد الألوية وسير الجيوش إلى جهات كثيرة لقطع دابر المرتدين.
وهذا فاروق هذه الأمة عمر بن الخطاب ﵁ وجرحه يثعب دمًا وهو على فراش الموت لم يترك أمر الدعوة فعلى ضعفه وانحطاط قوى جسمه ينادي شابًا أدبر وإزاره يمس الأرض فيقول: «ردوا علي الغلام» ثم قال له: «يابن أخي، ارفع ثوبك فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك».
ومن تتبع سير السلف الصالح وعلماء هذه الأمة يجد منهم الحرص والجلد والمثابرة حتى أصبحت الدعوة إلى الله هي شغلهم الشاغل، وما بقاؤهم في هذه الدنيا إلا للطاعة والعبادة ونصرة هذا الدين.
فلا شك أن الدعوة إلى توحيد الله وعبادته وإرشاد الخلق ونصحهم هي وظيفة المرسلين وأتباعهم المصلحين والدعاة الناصحين.
1 / 7
ومعلوم أنه ما قام دين من الأديان ولا انتشر مذهب من المذاهب ولا نبت مبدأ من المبادئ إلا بالدعوة، ولا هلكت أمة في الأرض إلا بعد أن أعرضت عن الدعوة، أو قصر عقلاؤها في الأخذ على يد سفائها، وما تداعت أركان ملة بعد قيامها ولا درست رسوم طريقة بعد ارتفاع أعلامها إلا بترك الدعوة .. فإذا أهملت الدعوة فشت الضلالة وشاعت الجهالة وخربت البلاد وهلك العباد.
أيها الحبيب:
إن أثر الدعوة واضح وجلي .. ورسول الله ﷺ دعا أبا بكر ثم تبعه الباقون حتى قامت صروح الدعوة على يديهم وتضاعف العدد حتى عم مكة وامتد النور إلى المدينة النبوية.
إنها تشمير إلى المعالي .. اجعل نصب عينك شخصًا بعينه قريبًا أو بعيدًا .. ادعه وارفع درجة التزامه، فإن أخلصت ورزقك الله التوفيق فلك مثل أجر عمله إلى يوم القيامة .. ها هو يقوم الليل وأنت نائم، ويصوم وأنت مفطر، ويحج وأنت مقيم، ويجاهد وأنت جالس .. ولكن يجري لك من الأجر مثل أجره ولا ينقص من أجره شيئًا .. فما ظنك إذا اهتدى على يديه أكثر من واحد ثم أكثر من عشرة وهكذا مضاعفات الأعداد .. إنها فرصة ثمينة وباب من أبواب العبادة.
إنها دعوة للخير فربما تدعو شخصًا في اليوم وربما عشرة .. هذا في الورشة وذاك في المنزل وآخر في المسجد ورابع في الشارع العام وخامس عبر مكالمة هاتفية وهكذا .. لكن لكل فرد ما يناسبه
1 / 8
من الوسائل الدعوية.
إنها دعوة يسيرة يستطيع أن يقوم بها كل شخص كبر أو صغر متعلم أو عامل بل حتى الأمي .. تقوم بتقديم شريط أو كتيب فقط تكون بهذا داعية .. بل إلقاء كلمة طيبة وأنت سائر تكون أخذت من الدعاة بسهم من عملهم.
أخي المسلم:
وأنت تسير في الصحراء تتلمس طريقك .. إذا بمن يمسك بمنكبيك بقوة ويرفع صوته: انتبه .. قف أمامك هوة سحيقة .. نظرت فإذا بصدق حديثه .. فرحت ودعوت له .. هذه هي الدعوة المخلصة والنصيحة الصادقة.
بعضهم يقول لم أر تلك الهوة! ! أين هي؟ ! لن تعيقنا عن السير ..
وآخرون يكابرون ويدعون أنهم رأو الهوة كذبًا .. كيف رأى الهوة السحيقة وهو واضع أولى قدميه في هوة السقوط .. ولكنه يكابر ويقول: كنت منتبهًا فقط أردت أن أجري .. كذب وخاب وخسر ..
إنها مواقف ستمر عليك وتلمسها بنفسك وتسمعها بأذنك .. ينالك الخير ويطولك الأذى.
1 / 9
قبل البداية
قال جل وعلا: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ...﴾.
قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- في هذه الآية: ذكر الله -سبحانه- مراتب الدعوة وجعلها ثلاثة أقسام بحسب حال المدعو: فإنه إما أن يكون طالبًا للحق محبًا له، مؤثرًا له على غيره إذا عرفه .. فهذا يدعى بالحكمة ولا يحتاج إلى موعظة وجدال، وإما أن يكون مشتغلًا بضد الحق لكن لو عرفه آثره واتبعه، فهذا يحتاج إلى الموعظة بالترغيب والترهيب، وإما أن يكون معاندًا معارضًا، فهذا يجادل بالتي هي أحسن، فإن رجع وإلا انتقل معه إلى الجدال إن أمكن. (انتهى كلام ابن القيم).
فالداعي أمام إنسان مسلم على الفطرة لكن به بعض المعاصي والمنكرات .. وآخر به من الاستقامة الكثير ولكنه لم يتزود من الطاعات. فالأول يحذر من المعاصي والمهلكات والآخر يحث على زيادة القربات .. وكلها دعوة.
وغالب المدعوين من الصنفين إما أن بهم جهلًا لكثير من الأحكام، مثل التهاون في أمر صلاة الجماعة أو حلق اللحية وغيرها، والآخر عنده غفلة وكسل فتراه لا يقوم الليل ولا يتزود من الصدقات والسنن والأذكار وهكذا.
وهناك أمة أخرى من غير المسلمين تحتاج إلى دعوة وإيضاح لهذا الدين ومحاسنه وفضائله.
1 / 10
إن تنوع الأساليب وتعدد أوجه الدعوة من ضرورياتها ومتطلباتها، هذا نوح ﵇ ما ترك سبيلًا لدعوة قومه إلا سلكه ولا بابًا إلا طرفه: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا﴾ [نوح الآيات: ٥ - ٩].
والرسول ﷺ كان يأتي إلى مجامع قريش وأسواقها ويدعوهم إلى دين الله، ووقف مناديًا على الصفا، واتخذ من موسم الحج منبرًا للدعوة، وسار إلى الطائف داعيًا ثم هاجر إلى المدينة النبوية .. إنها أساليب متنوعة وطرق متعددة تخدم الدعوة ولم تقف عند حد .. بل كل أسلوب اتبعه الرسول ﷺ أو له ضابط شرعي فنحن نتبعه ونسير عليه ..
ثم لا بد أن يوطن الداعي نفسه على تحمل المشقة والأذى وسماع ما يكره فإنه قد سلك طريق الأنبياء والمرسلين وهو طريق محفوف بالمكاره مليء بالأشواك .. إنه طريق الجنة.
أيها الحبيب:
إن ترتيب الأولويات في الدعوة إلى الله مهم جدًا فالتوحيد قبل الصلاة والصلاة قبل الزكاة .. نبدأ بالأهم فالمهم ونقتفي في ذلك آثار الرسول ﷺ ودعوته. فقد بدأ بالتوحيد ثم تدرج في العبادات وإلا كيف ندعو شخصًا إلى الصلاة وهو يدعو غير الله أو
1 / 11
يطوف بالقبور؟
ولقد جاء الإسلام متدرجًا في تشريعاته .. بدءًا بالتوحيد ثم الأمر بفرائض الإسلام وهكذا، بل كان تحريم الخمر وهي أم الخبائث على مراحل: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ وانتهاء بآية التحريم لها: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
ولما بعث النبي ﷺ معاذًا إلى اليمن قال له: «إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ...» [الحديث متفق عليه].
أيها الداعية الموفق:
إن عمل الدعوة يلزمه الإخلاص لله جل وعلا وصدق النية رجاء ما عند الله، ومحبة للمسلمين وإنقاذًا لهم من مهاوي الردى ومزالق الانحراف، ورفعًا لدرجاتهم تقربًا إلى الله بالعمل الصالح. وهو فوق ذاك إبراء للذمة ونصح للأمة .. فربما تعلق بك المدعو غدًا لو لم تدعه .. وأخذ ينادي: أنت مسئول عني فلم تدعني .. اهتديت فتركتني .. سمعت بخير ما أعلمتني .. علمت بسنة فما دللتني! !
1 / 12
الانطلاقة
أعظم دعوة يقوم بها المسلم هي دعوة نفسه .. فيبدأ بها يلزمها الطاعة ويجنبها المعصية .. ويجاهد نفسه في ذلك حتى تستقيم له .. عندها يخلِّص نفسه من عذاب الله -بعفوه ورحمته-.
ومن تأمل سير العلماء والدعاة وجد فيها من مجاهدة النفس والصبر على الطاعة الشيء الكثير .. فهذا أثر عنه صيام داود، وذاك يقوم من الليل ساعات طوال، وآخر اشتهر بالعبادة والورع والتقى .. وكلهم يجاهد نفسه في العبادة والوقوف بين يدي الله بذل وانكسار .. وكل تلك الطاعات تقوي الإيمان وترقق القلوب وتعين على دعوة الآخرين.
ثم الخطوة التالية أن يبدأ الداعي بأقرب الناس وأحبهم إليه من والد ووالدة وأخ وأخت وزوجة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ [التحريم: ٦].
أخي الحبيب:
الدعاء عبادة عظيمة يشعر فيها المخلوق بعظم شأن الخالق وقدرته على تصريف الأمور .. وهو لجوء إلى رب الأرباب ومسبب الأسباب .. الدعاء باب ومدخل من أسباب الهداية، فبسبب الدعاء يحصل سكينة في النفس وانشراح في الصدر وصبر يسهل معه احتمال الأذى، وهو منارة للتفاؤل بقبول الدعوة عند المدعو ورجاء أن يقذف الله في قلبه نور الهداية والتقى.
1 / 13
وهناك أناس كثيرون رزقهم الله الهداية بدعوة من الوالدين أو من أخ مشفق ناصح أو صديق مخلص أو زوجة محب.
ويتحرى الداعي أوقات الإجابة، ويتأدب بآداب الدعاء المعروفة، ويسأل الله من منه وكرمه ويلح في الدعاء ويتذلل بين يدي الله رجاء قبول دعوته. ولقد كان الأنبياء والصالحين يدعون ربهم لأنفسهم ولذرياتهم ولقومهم: ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾، ﴿رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً﴾، ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا﴾ وغيرها كثير.
كان ﷺ يحب التفاؤل في كل شيء .. وهل هناك صحيفة أنصع من صحيفة الدعوة؟ لذا يجب أن تجمل بالتفاؤل وتزين بالبشارات التي وعدها الله للدعاة وقرب استجابة دعوتهم ..
ووالله نرى الفرح هذه الأيام من إقبال الناس على الدين فهذا بالأمس فاسق واليوم تقي ورع، وذاك مجاهر بمعصية واليوم تسبقه دمعة الندم .. وذاك كان متراخيًا متكاسلًا لا يقوم الليل واليوم ها هو يصلي الليل إلا قليلًا .. وذاك بالأمس كافر وهو اليوم مسلم .. فاللهم لك الحمد. والتفاؤل وسيلة دعوية للداعي تعينه على دعوته وللمدعو تفرح قلبه وتسر خاطره.
على الداعي الالتزام في النصيحة بما وافق الكتاب والسنة فلا ينصح بأمر إلا وهو عالم به متأكد من ذلك، ولا ينهى عن أمر إلا مثل ذلك ولكن لا يشترط للداعي حفظ الدليل ومعرفته .. بل ما علم من الدين بالضرورة يكفي للداعية العادي.
1 / 14
ولذلك فإن من أهم وسائل الدعوة تعلم العلم النافع للداعي لكي يتسلح الداعي بسلاح قوة فربما يحتاج إلى مناقشة وطرح أفكار فالعلم بالشيء الذي فوق طاقة الداعية يراجعه وينظر فيه لكي تكون دعوته على بصيرة وعلم.
أخي المسلم:
ينبغي للداعي أن يكون قوله للناس لينًا، ووجهه منبسطًا طلقًا، فإن تليين القول مما يكسر سورة عناد العتاة، ويلين عريكة الطغاة .. فالداعي أيًا كانت منزلته وأيًا كان عقله وعلمه ليس بأفضل من موسى وهارون، ومن وجهت إليه الدعوة ليس بأخبث من (فرعون) وقد أمرهما الله جل وعلا (باللين) معه في قوله: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾.
ذلك أن المقصود من الدعوة إلى الله تبليغ شرائع الله إلى الخلق ولا يتم ذلك إلا إذا مالت القلوب إلى الداعي، وسكنت نفوسهم لديه، وذلك إنما يكون إذا كان الداعي رحيمًا كريمًا، يتجاوز عن ذنب المسيء، ويعفو عن زلاته، ويخصه بوجوه البر، والمكرمة والشفقة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه-: وينبغي أن يكون الداعي حليمًا صبورًا على الأذى، فإن لم يحلم ويصبر كان ما يفسد أكثر مما يصلح.
1 / 15
خطوة خطوة
للمسلم كبوة تبقيه على إسلامه ولكنها تقدح في إيمانه، فكم من مسلم مقيم على منكر، مصر على كبيرة تارك لواجب، متساهل في أمر الخير وغافل عن الفضائل.
وهناك أناس غير مسلمين أليس لهم دعوة؟ ! وهناك أهل شرك وخرافة .. أليس لهم دعوة؟ !
ولكن كيف الوصول إلى قلوبهم .. هناك طرق وأساليب وهناك عوامل مساعدة وكلها تصب في هدف واحد ألا وهو محاولة هداية المدعو فالداعي يأخذ بيد المدعو من حال سيئة إلى حال حسنة ومن حالة مفضولة إلى حالة أفضل .. يسد ثغرات الكمال في دينه ويرشده إلى أفضل الأعمال وأتمها وأكملها.
وبعض المدعوين يكون لديه قبول للخير والأمر بالمعروف ولكنه ينفر عند نهيه وزجره عن منكر لأنه يرى ذلك تسلطًا وتدخلًا وما ذلك إلا من جهله.
فيقدم الداعي له الخير ويدله على طريقه ويؤخر النهي عن المنكر الذي هو واقع فيه إلى حين، فإن النفس إذا أشربت طريق الخير وازدادت تعلقًا به سهل نهيها عن المنكر، بل ربما تكون هي ناهية عن منكرها ومنكرة له فإن الخير يطرد الشر ويبعده ويقلل منه.
1 / 16
أخي المسلم:
يدعى كل كافر وكل مشرك وكل عاص درجات وطبقات .. فيها خلل ونقص.
1 / 17
لله الأمر
لا بد من اليقين بأن الهداية من الله وأن الداعي سبب سخره الله لهداية هذا الفرد، فالله جل وعلا جعل أمر الهداية بيده «... ولكن الله يهدي من يشاء». ولذا علينا بذل الأسباب والتعلق بالله جل وعلا لقبول هذا السبب وهداية الفرد على يدي الداعي.
فعلى الداعي ألا يستعجل أمر دعوته وليس عليه أمر متاعبة النتائج يكفي أنها دعوة خير مأجور عليها قبل المدعو أم أعرض فهو مأجور على حملها معذور على عدم نجاحها: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾.
بل الحد في ذلك قوله تعالى: ﴿إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ﴾.
والداعي لا يملك من هداية الناس أكثر من نصحهم وإرشادهم وتبيين الحق لهم أما هداية التوفيق فمن الله، وهذه المعرفة هي المحرك لعمل الداعية وتعتبر عاملًا دعويًا مهمًا لا بد أن يتأصل في نفس الداعي حتى يجتاز الوهن والضعف.
أيها الداعي:
قد يجتمع عامل الزمن وعامل المكان ولكن نفس المدعو لم تنفتح للخير، وربما جرب الداعي أكثر من زمان وأكثر من مكان فاجتمع له ما أراد من الزمان والمكان ولكن الله لم ييسر ذلك الأمر على يديه ..
وقد رأيت بعض الشباب المتحمسين لدعوة غير المسلمين يوضحون ذلك للمدعو بقولهم: إن الإسلام نور يقذفه الله في قلب
1 / 18
من يشاء وإلا فالحجج والبراهين الدالة على الله ﷿ ليست هي كل شيء لإسلامك مع أنها براهين قاطعة واضحة ولو كل من سمع بها أسلم لتغيرت الحال ولكن إذا أراد الله بك خيرًا شرح صدرك للإسلام ربما في هذه اللحظة أو بعد يوم أو سنة .. وإن لم يرد هدايتك فلو بقينا معك أبد الدهر لن تسلم إلا بمشيئة الله جل وعلا.
1 / 19
ما بال أقوام
بعض أنواع النصيحة المباشرة في مجتمعنا الحالي لها بعض المحاذير لسوء الأنفس وعدم تعودها للنصح منذ الصغر .. وهذا ملاحظ في كثير من الأفراد حتى بعض الأخيار منهم إذا نصحته مباشرة ربما سببت هذه النصيحة بعض الجفوة بينك وبينه.
وأذكر أن أحد الشباب نصح أخًا له عن رائحة كانت تصدر من أبطيه وأشار عليه ببعض المستحضرات التي توقف انتشار هذه الرائحة وأنها موجودة في الصيدليات وقال له .. كنت أعاني ما تعاني منه حتى بدأت أستعمله فاختفت الرائحة .. فكان أن شكره ولكنه بدأ يتثاقل زيارته حتى طالت الوحشة بينهما.
والعجيب أمر التربية في هذا الجانب لو رأيت ملاحظة على بعض من تعود النصيحة وهو من الكفار واستدركت عليه أمرًا لشكرك على ملاحظاتك .. وهذا من التعود، فينشأ منذ الصغر على قبول الاستدراك والملاحظة ونحن أولى بهذا منهم.
ومن رأى أن النصيحة ربما تجدي في أمر من الأمور فإن من حسن الأدب تقديم ثناء محق على المنصوح بأنه فيه كذا وكذا .. ثم يكمل: غير أنني رأيت فيك خلة عجبت أن لا تتداركها وهي كذا .. فربما أن المنصوح من أصحاب القلوب المفتوحة والصدور السليمة فيقبل شاكرًا داعيًا.
والنصيحة المباشرة قد تكون ضرورة لبعض الأفراد الذين لا يمكن طرق الأساليب الأخرى معهم للتعنت الذي يبدونه فينصحهم
1 / 20
مباشرة شخص له مكانته ومنزلته .. ويكون في حالة المكابرة نوع من العقاب والتأديب بل والفرض والإلزام أحيانًا.
وبعض الناصحين يتدارك المواقف الحرجة حين النصح ويأتي بعده بنكتة لطيفة أو كلمة تضفي جو الدعابة حتى لا يحرج المنصوح.
وهناك مواقف سريعة مثل وجود منكر في السوق للداعي وليس له وسيلة للدعوة إلا الإنكار باللسان مثلًا فلا يتأخر.
التعريض في الحديث وسيلة دعوية غير مباشرة قد تجدي كثيرًا مع أصحاب الفطر السليمة ممن يغلب عليهم الحياء وربما يصدمهم النصح المباشر فيكون التعريض أسلوبًا يرفع الحرج عنهم. وقد كان رسول الله ﷺ يعرض في خطبه كثيرًا .. بقوله ﷺ: «ما بال أقوام ..».
وللتعريض أسلوب يطرح فيه بحيث يكون ضمن حديث غير متكلف وهذا يرجع إلى مهارة المتكلم وتسلسل أفكاره .. في وسط الحديث أو في نهايته حسب الحال.
فمثلًا يعرض بقوم هم جيران المسجد ولا يصلون ومن عوائل معروفة مع الأسف ولقد تحدث جماعة المسجد عنهم كثيرًا.
وهكذا يعرض للمرأة بأن الرجال ينتقدون المرأة الخراجة الولاجة التي لا يهنأ لها بال حتى تطأ قدمها عتبة السوق .. وتعرض الداعية بما رأته كثيرًا في حفلات الزواج من اللباس غير المحتشم، وتستدل بالفتاوى في ذلك .. وهي تقصد المتحدثة إليها ..
1 / 21
أيها الحبيب:
للرسائل الشخصية أثر محمود قد لا يتوفر في غيرها من الوسائل ومن أهمها أنها تبقى مدة في يد المرسل إليه يقلبها ويقرأها ويتمعن فيها .. بل ويعاود تفسير معانيها ومراجعة كلماتها مرات عدة بدون حرج، ثم إنه لا يعلم من المرسل لكي يتتبعه إن كان ذو طوية سيئة أو يشتمه أو يعاديه. كما أن في عدم معرفة المرسل الحرية في ذكر كل ما يريد أن ينصح به.
وللرسالة شروط النصيحة بشكل عام فلا يفتري عليه أو على أهل بيته بشيء وتجمل الرسالة بكلمات المحبة والأخوة في الله .. ويتلطف في النصح حتى لا يحدث رد فعل ويدعو له بالهداية والتوفيق والفلاح والنجاح. ويبتعد في رسالته عن الأمور الخاصة التي لا يعلمها إلا قلائل حتى لا يظن بأحدهم ثم يكرهه .. بل تكون عموميات وإن كان لا بد من ذكر الأمر الخاص فيضيف له أمورًا أخرى حتى لا يبقى التركيز منصبًا على الأمر الخاص بعينه. وتكتب بخط جميل واضح وإن كان بجهاز الكمبيوتر فهو أولى.
وللرسالة الخاصة وقع كبير وأثر محمود يلمسه كل ناصح ومحب ومشفق.
والنصيحة كلمة عامة جامعة يعبر بها عن جملة إرادة الخير.
1 / 22