: أخبرني القاضي ، وقال : أخبرني الوكيل : إن النعمان كان يعجبه ، إذا قدم إليه لون من طعام طيب ، أو حلو عجيب ، أن لا يمعن في أكله ، ويأمر بدفعه بعينه إلى السؤال . وكان رسمه ، أن يفرق في كل يوم ، جميع ما يشال من مائدته ، ويفضل في مطبخه ، عن وظائف غلمانه ، فكان يجتمع على بابه ، كل يوم ، منهم جمع عظيم . قال : فأكل يوما عنده صديق له هاشمي ، فقدم إليه لون طيب ، فما استتم أكله حتى أمر به للسؤال ، فشيل . وقدم جدي سمين ، فما تهنأوا بأكله حتى أمر به فرفع إلى السؤال ، وقدم جام لوزينج معمول بالفستق ، وكان يعجب النعمان ، ويلزمه على كل جام خمسون درهما ، وخمسة دنانير ، واقل ، وأكثر ، على قدر كبر الجام ، فما أكلوا منه إلا يسيرا ، حتى قال : ارفعوه إلى السؤال : فقبض الهاشمي على الجام ، وقال : يا هذا ، أحسب أننا نحن السؤال ، ودعنا نتهنأ بأكله ، لم تدفع كل ما تشتهيه للسؤال ؟ وما للسؤال وهذا ؟ لهم في لحم البقر ، وعصيدة التمر كفاية ، والله لا شلته . فقال : يا سيدي ، إن عادتي ما تراه . قال : بئست العادة ، لا نصبر لك عليها ، تقدم أن يعمل للسؤال إذا كان لا بد لك من ذلك ، مثل هذا ، ودعنا نحن نتمتع بأكله ، أو ادفع إليهم مثل ثمنه . فقال : أفعل مستأنفا ، وأتقدم بأن يصنع لهم مثله ، فأما ثمنه ، فإن السائل لا تسمو نفسه ، ولا يتسع صدره لعمل مثل هذا ، ولو دفع إليه أضعاف ثمنه مرارا ، لأنه إذا حصلت عنده الدراهم ، وصرفها إلى غير هذا ، في أمره المختل الذي هو إلى إصلاحه أحوج ، ولا يحسن أيضا ، عمل مثل هذا ، وأنا أحب أن يشاركوني في الإلتذاذ بما آكل ، يا غلام ، تقدم الساعة بعمل جامة مثل هذه ، وتفريقها على السؤال ، ففعل ذلك . وكان بعدها إذا حضر من يحتشمه ، أمر بعمل مثل ما يقدم إليه ، والصدقة به ، ولم يأمر برفع ذلك من حضرته ، إلا إذا بشمه الحاضرون .
Страница 81