: حدثني القاضي أبو بكر محمد بن عبد الرحمن ، قال : حدثني وكيل كان لأبي المنذر النعمان بن عبد الله ، قال : كان من عادة النعمان ، إذا كان في انسلاخ كل شتوة ، أن يعمد إلى جميع ما استعمله من خز وصوف وفرش وكوانين وآلة الشتاء ، فيبيعه في النداء . ثم ينفذ إلى حبس القاضي ، فينظر من حبس بإقراره ، دون قيام البينة عليه ، ولا حال له ، فيؤدي ما عليه من ثمن تلك الآلات ، أو يصالح عنه ويخرجه ، إن كان المال ثقيلا . ثم يعمد إلى من يبيع بيعا يسيرا ، مثل بقلي ورهدراي ، ومن رأس ماله دينار ، وديناران ، وثلاثة ، فيعطيه من عشرة دنانير إلى مائة درهم ، وأقل وأكثر ، ليزيد في رأس ماله . ويعمد إلى من يبيع في الأسواق مثل طنجير ، وقدر ، وقميص خلق ، وما يغلب على الظن أن مثله لا يباع إلا من ضر شديد ، وإلى امرأة تبيع غزلها عجوز ، فيعطيهم أضعاف ثمنه ، ويدعه عليهم . ويعمل ألوانا من هذا الجنس كثيرة ، يأمرني بفعلها ، وصرف ثمن تلك الالآت إليها . فإذا انقضى الصيف عمد إلى ما عنده من دبيقي ، وقصب ، وحصر ، ومزملات ، وآلة الصيف ، فيفعل به مثل ذلك . فإذا جاء الشتاء والصيف ثانية ، استجد جميع ما يحتاج إليه . فلما كثر ذلك علي من فعله ، قلت له : يا سيدي ، إنك ، هوذا ، تفقر نفسك ، من حيث لا تنفع غيرك ، لأنك تشتري هذه الثياب ، والآلات ، والفرش ، في وقت الحاجة إليها بضعف قيمتها ، وتبيعها وقت استغناء كافة الناس عنها ، فتشتري منك بنصف قيمتها ، فيخرج منك في ذلك ، مال عظيم ، فإن أذنت لي ، ناديت على كل ما يباع ، فإذا استقرت العطية ، وأخذت الدراهم ، أخذته لك بزيادة ، وعزلته إلى الصيف أو الشتاء ، ودفعت مثل ثمنه ، من مالك ، إلى هذه الوجوه . فقال لي : ما أحب هذا ، تلك الآلات قد متعني الله بها طول شتائي أو صيفي ، وبلغني وقت الغناء عنها ، وما أنا على ثقة من أني أعيش إلى وقت الحاجة إليها ثانيا ، ولعلي قد عصيت الله عليها ، وفيها ، فأنا أحب بيع أعيانها ؛ وصرف الثمن بعينه ، في هذه الوجوه ، شكرا لله على تبليغي وقت الإستغناء عنها ، وكفارة لما عصيته فيها ، ثم إن أحياني الله إلى وقت الحاجة إليها ، فليس ذلك بغال ، ولا يتعذر شراء مثله ، واستجداد خلفه ، والتمتع بالجديد . وفي بيعي إياه رخيصا ، وشراي له غاليا ، فائدة أخرى ، وهي أن ينتفع الضعفاء من التجار الذين أبتاع ذلك منهم ، وأبيعه عليهم ، بما فيه من الأرباح علي ، ولا يؤثر ذلك في حالي .
Страница 79