: حدثني القاضي أبو بكر أحمد بن سيار ، قال : حدثني شيخ من أهل التيز ومكران ، لقيته بعمان ، ووجدتهم يذكرون ثقته ، ومعرفته بأمر البحر ، وحدثني القاضي ، قال : حدثني هذا الشيخ : إن رجلا بالهند من أهلها حدثه : أن خارجيا ، خرج في بعض السنين ، على ملك من ملوكهم ، فأحسن التدبير ، وكان الملك معجبا برأيه ، مستبدا به فأنفذ إليه جيشا ، فكسره الخارجي ، فزحف إليه بنفسه . فقال له وزراؤه : لا تفعل ، فإن الخوارج تضعف بتكرير الجيوش عليها ، والملك لا يجب أن يغرر بنفسه ، بل يطاول الخارجي ، فإنه لا مادة له يقاوم بها جيشا بعد جيش ، إذا توالت عليه جيوش الملك . فلم يقبل ، وخرج بنفسه ، فواقعه ، فقتله الخارجي ، وملك داره ومملكته ، فأحسن السيرة ، وسلك سبيل الملوك . فلما طال أمره ، وعز ذكره ، وقوي سلطانه ، جمع حكماء الهند ، من سائر أعماله ، وأطراف بلدانه ، وكتب إلى عماله أن يجتاز أهل كل بلد ، مائة منهم ، من عقلائهم وحكمائهم ، فينفذونهم إليه ، ففعلوا . فلما حصلوا ببابه ، أمرهم باختيار عشرة منهم ، فاختاروا ، فأوصل العشرة ، وأوصل من أهل دار المملكة عشرة ، وقال لهم : يجب على العاقل ، أن ينظر عيوب نفسه فيزيلها ، فهل ترون في عيبا ، أو في سلطاني نقصا ؟ فقالوا : لا ، إلا شيئا واحدا ، إن أمنتنا قلناه . قال : أنتم آمنون . قالوا : نرى كل شيء لك جديدا ، يعرضون إنه لا عرق له في الملك . فقال : فما حال ملككم الذي كان قبلي ؟ قالوا : كان ابن ملك . قال : فأبوه ؟ قالوا : ابن ملك . قال : فأبوه ؟ إلى أن عدد عشرة أو أكثر ، وهم يقولون ، ابن ملك ، فانتهى إلى الأخير . فقالوا : كان متغلبا . قال : فأنا ذلك الملك الأخير ، وإن طالت أيامي ، مع إحساني السيرة ، بقي هذا الملك بعدي ، في ولدي وولد ولدي ، فصار لأولاد أولادهم من العرق في الملك ، مثل ما كان لملككم الذي كان من قبلي . فسجدوا له ، وكذا عادتهم إذا استحسنوا شيئا ، ولزمتهم حجة ، وانصرفوا ، فإزداد بذلك الملك توطدا له . قلت أنا للقاضي : هذا شيء قد سبقت العرب إليه في كلمتين ، استغني بهما عن هذا المثل الطويل العجمي . فقال : ما هما ؟ فقلت : روت العرب أن رجلين تفاخرا ، فقال أحدهما لصاحبه : نسبي مني ابتدأ ، ونسبك إليك انتهى .
Страница 74