وحدثني القاضي أبو بكر بن سيار ، قال : حدثني شيخ من أهل اليمن ، وذكر أن أسمه نعمان ، وجدتهم يذكرون ثقته ، ومعرفته بأمر البحر ، وأنه دخل الهند والصين ، قال : كنت ببعض بلدان الهند ، وقد خرج على ملكها خارجي ، فأنفذ إليه الجيوش ، فطلب الأمان ، فأمنه ، فسار ليدخل ، من موضعه ، إلى بلد الملك ، فلما قرب ، أخرج الملك الجيش ليلتقيه ، والآلات ، وخرجت العامة ، تنتظر دخوله ، فخرجت معهم . فلما بعدنا في الصحراء ، وقف الناس ينتظرون طلوع الرجل ، وهو راجل ، في عدة الرجال ، وعليه ثوب ديباج ، ومئزر في وسطه ، جريا على زي القوم ، فتلقوه بالإكرام ، ومشوا به ، حتى انتهى إلى أفيلة عظيمة ، قد أخرجت للزينة ، وعليها الفيالون ، وفيها فيل عظيم يختصه الملك لنفسه ، ويركبه في بعض الأوقات . فقال له الفيال ، لما قرب منه : تنح عن طريق الفيل ، فسكت ، فأعاد إليه ، فسكت . فقال له : يا هذا ، احذر على نفسك ، وتنح عن طريق فيل الملك . فقال له الخارجي : قل للفيل الملك يتنحى عن طريقي . فغضب الفيال ، وأغرى الفيل به ، بكلام كلمه ، فغضب الفيل وعدا إلى الخارجي ، ولف خرطومه ، وشاله الفيل شيلا عظيما ، والناس يرونه ، وأنا فيهم ، ثم حبط به الأرض ، فإذا هو انتصب على قدميه فوق الأرض ، ولم ينح يده على الخرطوم . فزاد غضب الفيل ، وشاله أعظم من ذلك ، وعدا ، ثم رمى به الأرض ، فإذا هو قد حصل عليها مستويا على قدميه ، منتصبا ، قابضا على الخرطوم . قال : فشاله الفيل الثالثة ، وفعل به مثل ذلك ، فحصل على الأرض منتصبا ، قابضا على الخرطوم ، وسقط الفيل ميتا ، لأن قبضه على الخرطوم تلك المدة ، منعه من النفس ، فقتله . قال : فوكل به ، وحمل إلى الملك ، وحدث بالصورة ، فأمر بقتله . فاجتمع القحاب - بهذا اللفظ - وهم النساء الفواجر ، يفعلن ذلك بالهند ظاهرا ، عند البد ، تقربا إليه عندهم ، بلا اجتعال ، وهم العدول هناك ، يشهدون في الحقوق ، ويقمن الشهادة ، فيقطع بها حاكمهم . ويشاورن في الأمور ، وفي الآراء ، وعندهن ، إنهن ببذلهن نفوسهن عند البد ، بغير اجتعال ، قد صرن في حكم الزهاد ، والعباد . قال : فقالت القحاب للملك ، يجب أن تستبقي مثل هذا ، لا تقتله فإن فيه جمالا للمملكة ، ويقال : إن للملك خادما ، قتل فيلا بقوته وحيلته ، ومن غير سلاح . فعفا عنه الملك واستبقاه .
Страница 72