لو سلم من العشق أحد لسلم منه أبو خازم القاضي
: حدثني أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدي ، كاتب القضاة من بني عبد الواحد بالبصرة ، وله شعر جيد حسن ، واتساع تام في الأدب ، رواية له وحفظ ، وكتب مصنفة فيه ، قال : حدثني أبو إسحاق الزجاج ، قال : كنا ليلة بحضرة القاسم بن عبيد الله يشرب ، وهو وزير ، فغنت بدعة جارية عريب . أدل فأكرم به من مدل . . . ومن ظالم لدمي مستحل إذا ما تعزز قابلته . . . بذل وذلك جهد المقل فأدت فيه صنعة حسنة ، فطرب القاسم عليه طربا شديدا ، واستحسن الصنعة والشعر ، وأفرط في وصف الشعر . فقالت بدعة : يا مولاي ، إن لهذا الشعر خبرا أحسن منه . قال : ما هو ؟ قالت : هو لأبي خازم القاضي . قال : فعجبنا من ذلك ، مع شدة تقشف أبي خازم ، وبغضه وورعه ، وتقبضه . فقال لي الوزير : يا الله يا أبا إسحاق ، بكر إلى أبي خازم ، وسله عن هذا الشعر وسببه . فباكرته ، وجلست حتى خلا وجهه ، ولم يبق إلا رجل بزي القضاة عليه قلنسوة ، فقلت له : شيء أقوله على خلوة . فقال : قل ، فليس هذا ممن أكتم . فقصصت عليه الخبر ، وسألته عن الشعر والسبب . فتبسم ، وقال : هذا شيء كان في الحداثة ، قلته في والدة هذا - وأومأ إلى القاضي الجالس ، فإذا هو ابنه - وكنت إليها مائلا ، وكانت لي مملوكة ، ولقلبي مالكة ، أما الآن فلا عهد لي بمثله منذ سنين ، وما عملت شعرا منذ دهر طويل ، وأنا أستغفر الله مما مضى . قام : فوجم الفتى ، وخجل ، حتى ارفض عرقا . وعدت إلى القاسم فأخبرته ، فضحك من خجل الابن ، وقال : لو سلم من العشق أحد ، لكان أبو خازم مع بغضه . وكنا نتعاود ذلك زمانا .
Страница 58