: حدثني أبو الحسين بن عياش ، قال : حدثني شيخ من شيوخنا ، ذكره هو ، وقد غاب عني إسمه ، قال : حدثني أبو عبد الله بن أبي عوف ، قال : استتر عندي ، عبيد الله بن سليمان ، فدخلت إليه يوما ، في حجرة كنت أفردتها له من داري ، فقام إلي ، فقلت له ممازحا كما جرى علي لساني : يا سيدي اخبأ لي هذا ، إلى وقت انتفع به فيه . قال : فلما كان بعد مدة ، انتقل من عندي ، فما مضت أيام حتى ولي الوزارة . فقال لي أهلي : لو قصدته ، وكانت حالي إذ ذاك صغيرة . فقلت لهم : لا أفعل ، أنا في ستر ، وقصدي له الآن كأنه اقتضاء لثمن معروف أسديته إليه ، وما أرضى لنفسي بهذا ، ولو كان لي عنده خير لابتدأني به ، فبت ليلتي تلك مفكرا ، وكان هذا يوم الخلع . فلما كان في السحر جاءني فرانقه برقعة بخطه ، يعاتبني على تأخري عنه ، ويستدعيني . فصرت إليه ، فإذا هو جالس ، والخلق عنده ، فلما صرت مع دسته ، قام إلي قياما تاما ، وعانقني ، وقال لي في أذني : هذا وقت تنتفع فيه بقيامي لك ، وجلس ، وأجلسني معه على طرف الدست ، فقبلت يده ، وهنأته ودعوت له . ومضت ساعة ، فإذا قد استدعاه المعتضد ، فقام ، وأمرني أن لا أبرح . فجلست ، وامتدت العيون إلي ، وخوطبت في الوقت ، بأجل خطاب ، وعظمت . ثم عاد عبيد الله ضاحكا ، وأخذ بيدي إلى دار الخلوة ، فقال : ويحك إن الخليفة الساعة استدعاني بسببك ، وذلك أنه كوتب بخبر قيامي لك في مجلس الوزارة ، فلما استدعاني الآن بدأ لينكر علي وقال : تبتذل مجلس الوزارة بالقيام لتاجر ؟ ولو كان هذا لصاحب طرف كان محظورا ، أو ولي عهد كان كثيرا ، وأخذ يتحاور في ذلك . فقلت : يا أمير المؤمنين ، لم يذهب عني حق المجلس ، وتوفية الرتبة حقها ، ولكن لي عذرا ، فإن رأى أمير المؤمنين أن يسمعه ، ثم ينفذ حكمه في ، وأخبرته بخبري معك وقت استتاري عندك ، فقال : أما الآن ، فقد عذرتك فلا تعاود ، فانصرف . ثم قال لي عبيد الله : يا أبا عبد الله إني قد شهرتك شهرة ، إن لم تكن معك مائة ألف دينار معدة للنكبة ، هلكت ، فيجب أن نحصلها لك لهذه الحال فقط ، ثم نحصل لك نعمة بعدها ، تسعك وعقبك . فقلت : أنا عبد الوزير ، وخادمه ، ومؤمله . فقال : هاتم فلانا الكاتب ، فجاء . فقال : أحضر التجار الساعة ، وتقص عليهم في تسعير مائة ألف كر من غلات السلطان بالسواد بما يساوي ، وعرفني . فخرج ، وعاد بعد ساعة ، وقال : قد قررت ذلك معهم . فقال له : بع على أبي عبد الله ، هذه المائة ألف كر ، بنقصان دينار واحد مما قررت به السعر مع التجار ، وبعه له عليهم بالسعر المقرر معهم ، وطالبهم بأن يعجلوا له فضل ما بين السعرين اليوم ، وأخرهم بالثمن إلى أن يتسلموا الغلات ، واكتب إلى النواحي بتقبيضهم إياها . قال : ففعل ذلك ، فقمت عن المجلس ، وقد وصل إلى مائة ألف دينار في بعض يوم ، وما عملت شيئا . ثم قال : اجعل هذه أصلا لنعمتك ، ومعدة للنكبة ، ولا يسألنك أحد من الخلق شيئا إلا أخذت رقعته ، وواقفته على أجرة لك عليها ، وخاطبتني . قال : فكنت أعرض عليه في كل يوم ما يصل إلي فيه ألوف دنانير ، وأتوسط الأمور الكبار ، وأداخل في المكاسب الجليلة ، حتى بلغت النعمة إلى هذا الحد . وكنت ربما عرضت عليه رقعة ، فيقول لي : كم ضمن لك على هذه ؟ فأقول : كذا وكذا . فيقول : هذا غلط ، هذا يساوي كذا وكذا ، ارجع فاستزد . فأقول له : إني أستحي . فيقول : عرفهم أني لا أقضي لك ذلك إلا بهذا القدر ، وأني رسمت لك هذا . قال : فأرجع ، فأستزيد ما يقوله ، فأزاد .
الوزير عبيد الله بن سليمان ورقاع إسماعيل القاضي
: حدثني أبي رضي الله عنه ، قال : سمعت القاضي أبا عمر ، يقول : عرض إسماعيل القاضي ، وأنا معه ، على عبيد الله بن سليمان ، رقاعا في حوائج الناس ، فوقع فيها . فعرض أخرى ، وخشي أن يكون قد ثقل عليه ، فقال له : إن جاز أن يتطول الوزير أعزه الله بهذا ، فوقع له . فعرض أخرى ، وقال : إن أمكن الوزير أن يجيب إلى هذا ، فوقع ، ثم عرض أخرى ، وقال : إن سهل على الوزير أن يفعل ذلك ، فوقع له ، فعرض أخرى ، وقال شيئا من هذا الجنس . فقال : له عبيد الله : يا أبا إسحق ، كم تقول إن أمكن ؟ وإن جاز ؟ وإن سهل ؟ من قال لك إنه يجلس هذا المجلس ، ثم يتعذر عليه فعل شيء على وجه الأرض من الأمور ، فقد كذبك ، هات رقاعك كلها ، في موضع واحد . قال : فأخرجها إسماعيل من كمه ، وطرحها بحضرته ، فوقع فيها ، وكانت مع ما وقع فيه قبل الكلام نحو ثمانين رقعة .
Страница 52