حدثني أبو محمد ، يحيى بن محمد بن سليمان بن فهد الأزدي الموصلي : إن أبا عبد الله ، والده ، رحمه الله ، توسط بين أبي محمد المهلبي ، وناصر الدولة ، في مال يحمله إلى معز الدولة ، من صلح الموصل ، فأنفق من المال أربعين ألف درهم ، لإضافة لحقته . وسبب عليه المهلبي بالمال كاملا ، وهو لا يعرف الخبر ، وكانت بينهما مودة وأنس ، فصحح أبو عبد الله الموجود ، ودافع بما أنفق . وجلس يوما في داره ليحتال العوض ويرده ، فجاءته رقعة أبي محمد يدعوه للشرب ، فدافع ، فركب ، فأكلا ، وجلسا للشراب . فقال له أبو علي الأنباري : أرى فيك يا سيدي أبا عبد الله فتورا ، وكانت بينهما مودة ، وأبو علي - إذ ذاك - يخلف الوزير أبا محمد على الوزارة وعنده ابنته ، فحدثه أبو عبد الله بالحديث ، وإن قلبه مشغول ، إلى أن يتم له العوض ويرده ، وسأله كتمان ذلك . وتبين المهلبي في أبي عبد الله ذلك الفتور ، فسأله عنه فورى عن الصدق وكبرت نفسه عن إخباره بذلك ، فأمسك عنه ، وقام أبو عبد الله إلى البول ، فقال أبو محمد لأبي علي الأنباري : أما ترى فتور أبي عبد الله وهو صديقك ، وقد رأيته يسارك ، وأطنه قد خرج إليك بسبب كسله ، فما هو ؟ . فحدثه أبو علي بالحديث . فلما عاد قال أبو محمد : يا أبا عبد الله ، أيدك الله ، ما أنصفتني في المودة ، ولا أنصفت نفسك في السياسة ، تهتم بسبب أربعين ألف درهم ، أملك إسقاطها عنك ، فتكاتمني ذلك ، حتى كأنها عليك لغريب ، أو بحق واجب . وأخذ أبو عبد الله يجحد ، ويقطب في وجه أبي علي ، ثم أخرج سره . فقال المهلبي ، لأبي علي يجب الساعة أن ينفذ إلى الجهبذ ، أن يكتب له - أيده الله - روزا بها ، وأن تجعل أنت لها وجوها في الخرج ، وتولد بها نفقات واجبات - كما تعلم - على الأمير معز الدولة ، لتسقط عن أبي عبد الله - أيده الله - ولا نغرهما نحن . قال : فاستدعي الجهبذ وأخذ روزه ، وسلمه إليه . ثم قال له المهلبي : أي شيء ضرك أو ضرني من هذا ، سقط عنك هم وثقل ، وعني بقضائي بعض حقك ، وخرج المال من مال الأمير ، عد الآن إلى شربنا . فما برح ليلته تلك من عنده ، وسقط المال عنه .
عطايا الوزير المهلبي متواصلة
وقد أخبرني جماعة من ندماء أبي محمد : إنه فرق في ليلة من الليالي عليهم ، وعلى جماعة كانوا حضورا معهم ، من مغنين وملهين وغير ذلك ، من الدراهم والثياب ، ما يبلغ قيمة الجميع خمسة آلاف دينار . ورأيته أنا ، غير مرة ، قد وهب للجهني ولأبي الفرج الأصبهاني خمسة آلاف درهم وأربعة آلاف درهم ، ولغيرهما دائما .
Страница 47