وتدنو نسوة مع جرار، وتمضي أحر مع سمك، ويركز زنجي تام العري رمحه في زورقه المقعر من ساق شجرة، ويستند راع إلى شجرة تين صامتا، ولكن ماشيته ليست من ذوات القرون الطويلة كما في أوغندة، وما يرى من أكواخ فأكثر هزالا ، وما يبصر من شجر موز فأشد تفرقا، وفي الشمال حيث تقرب الغاب من النهر، وحيث يرتفع التراب بلطف نحو الغرب باتجاه الخط القاسم لمياه الكونغو تبصر مجيء الوعول لترتوي من النيل، وتبصر قطاع الكونغوني السمر تعدو على طول الضفاف.
ويضيق الوادي بغتة، ويبدو الصوان الذي هو أكبر عدو لحياة الأنهار الواسعة الطيبة مجددا، وتتوارى السفن ويتقبض النيل الرضي بفعل الصخور في مضيق يبلغ عرضه سبعين مترا، وينحني النيل فجأة من اتجاهه الشرقي إلى الشمال نحو تسعين درجة بفعل الصخور أيضا، وينقض النيل نحو سلسلة من الدوافع ويتحول إلى سيل كما في طفولته، ويأتيه سيل آخر من الشرق فيعززه ويثيره، وتعلو ضفتاه عمقا كمجرى نهر جبلي، وهو يحمل هذا الاسم؛ أي بحر الجبل، بعد نموله، وهو يظل صاحبا لهذا الاسم مسافة تزيد على سبعمائة كيلومتر، وهو يبقى كذلك حتى الدرجة التاسعة من العرض، والنيل يضغط من جديد في مساقط ذات عرض عشرين مترا، فلا يكون له أكثر من 150 مترا في الشلالات التالية، والنيل في عزلته الصائلة المؤثرة يظهر كأنه رجل يقاتل نفسه فينزل إلى السهل نهرا معربدا.
وقام في نموله جسر طبيعي إعلاما بذلك التحول. وذلك الجسر - الذي لا ترى مثله في مكان آخر على ما يحتمل - مصنوع من النباتات المائية، وهو من الإحكام ما يستطيع معه فيل أن يمر عليه من إحدى الضفتين إلى الأخرى، وقد بلغت جذوره من التأصل ما عاد به من تلقاء نفسه إلى ما كان عليه بعد أن خربه فيضان.
وتلك الامتدادات الجبلية التي يأتي النيل منها هي آخر الجبال التي يراها، وبذلك ينتهي شبابه الهائج الطائش، ويبدأ العقل والاتزان والسهل بتعيين سيره، وينتصب في رجاف، في المكان الذي يصبح النيل فيه صالحا للملاحة، تل مخروطي منعزل صعب وعر كهرم تذكارا لجبل ورمزا إلى أفول فتاء، ويفسر سكان البلاد الأصليون بأسلوبهم الزاهي أمر الزلازل التي تهزه فيقولون: إنه كان على المجرى التحتاني فحملته الريح إلى محله الراهن فهربت البهائم ودفن الآدميون، ويتحرك هؤلاء الناس بين حين وحين رغبة في الخروج وبحثا عن القطاع.
والسودان يبدأ هنا، وما يبدو هنالك - في سفح ذلك الهرم - من بقايا جرز
13
الزبد فيذكر بدرجة هيجان النيل في جريانه حتى هذا الحين، ويحمل النيل غرينا
14
من الجبال فيضعه الآن على الضفاف ويرفع ذلك مستواه، ولكن مع احتمال الخطر وقت المطر ومع احتمال حدوث طوفان وترك غدران، والحق أن ذكرى الماضي العاصف تشتد على النيل الحاضر.
ويصبح النيل صالحا للملاحة من رجاف وجوبا، ويظل النيل كذلك بين الدرجتين 5 و18 من العرض؛ أي نحو ألفي كيلومتر، ويتطلب ذلك ربابنة ماهرين، وقليل ما هم، وعلى الربابنة أن يتبعوا الأضواج
Неизвестная страница