30
الأولي ما يصل إلى الغاية، ولا تسفر الريح والشمس والصخر والحيوان والنبات عن غير وقف تلك الأمواج أو تحويلها إلى بخار، وليس ما يبلغ البحر المتوسط بعد شهور طويلة صادرا عن ذلك الينبوع، فللنيل ثلاثة ينابيع وعدة روافد في البداءة، وهذا إلى الملايين من ذرات الماء التي تتبع النهر في مجراه من ذلك الشلال الذي يولد منه إلى أن يختلط بملح البحر.
وفي الأعلى، وبالقرب من المنبع، ينشر ضباب الفجر ستره فوق البحيرة، ولا أحد يستطيع أن ينبئ أين ينتهي، فإذا طلع النهار ظهرت جزائر وجزيرات وخلجان صغيرة عميقة توغل في الأرض، وظهرت كثبان على مدى البصر، وظهرت سلاسل تلال تكسف في الزرقة البعيدة، وتسطع على الضفاف المرتفعة مراع، وهي أراض خصيبة شعرية، تحدها أدواح
31
منفردة فاصلة بين الظل والنور.
وما كانت العين لتمتد إلى الضفة البعيدة، ولو لم تزحم كثرة الخلج والجزر أبصارنا هنالك؛ وذلك لأن تلك البحيرة بحر أوسع من سويسرة مساحة، ولها قوانينها ونظمها ومخاطرها، وهي جوهر فرد في وسط تلك القارة المفتتنة، وهي مرآة كبيرة لشمس أفريقية، وهي حد لبلد رعائي: لأوغندة، وتقع أوغندة على ارتفاع 1100 متر، وتقاس بالجنة. ويسودها صيف خالد عاطل من حر قاتل في النهار ومن ضباب خانق في الليل، وتنعم العاصفة عليها بالنسيم بعد الظهر وبالريح في المساء، وتعد أوغندة بلدا مخصابا مخراقا
32
يتوازن الغيث والشمس فيه دوما.
وعلى تلالها وفوق جبالها وراء الإطار الذي يحيط بالبحيرة يتوارى أواخر عمالقة ما قبل التاريخ، وبيان ذلك أنك إذا ما سرت من ضفاف هذه البحيرة ذات الزرقة الحريرية وجدت البلد يرتفع إلى أرصفة ويصعد في الشمال الغربي نحو براكين وذرى من الغرانيت ونحو ينابيع لروافد تصب كلها في النهر الأكبر وإلى قمم جبال القمر الثلجية، ومن هذه الجبال يتألف سور لحديقة أناس من ذوي الحظ يبذرون قليلا ويحصدون كثيرا.
والحق أن ضفاف البحيرة هي حديقة من عمل الطبيعة ويد الإنسان المسمرة بفعل الشمس، وفي كل جهة من تلك الحديقة ينتصبب من السنط الأكبر عظلم
Неизвестная страница