مقدمة المؤلف
كتبت وترجمت، وكلما كتبت سيرة رجل وترجمت عنه
1
تمثل لي مجرى نهر ومصيره، ولم يبد لي وجود نصيب بشري لنهر وصورة إنسان له غير مرة واحدة، فلما أبصرت سد أسوان العظيم للمرة الأولى في نهاية سنة 1924 كان للمعنى الرمزي الذي فرضه علي من السلطان الكبير ما ظننتني معه هنالك، في ذلك المحل الفاصل من المجري، مدركا لحياة النيل من منبعه إلى مصبه، وترى للطبيعة في ذلك المكان قوة أولية سيطر الإنسان عليها بذكائه فحول الصحراء إلى أرض خصيبة محققا ما حاوله الدهري
2
فاوست
3
وعده أرفع عمل للرجل، وما لاح لعيني في أسوان من ذكرى لخاتمة فاوست هذه أوحى إلي برغبة في كتابة قصة النيل كما أكتب قصة العظماء.
ولكنني قبل أن أقص نبأ مغامراته وأبدي عميق مخاطراته أرى سبر غوره توكيدا لبصري أو تقويما لنظري، وقد عرفت أجزاء أفريقية الأخرى منذ زمن، وأفريقية مما أحببت، وأفريقية مما جلب السعادة إلي، وفي المنطقة الاستوائية وفي منبع النيل كنت قبل الحرب العظمى، وعلي أن أدرس النيل عن كثب ليظهر لي أنه أبهر الأنهار طرا.
والنيل أكثر الأنهار طولا، وليس النيل أغزر الأنهار ماء، وفي هذا سر حياته وحياة ما يبلله من بقاع، والنيل يجوب صحاري وفلوات، ولا ينال النيل روافد ولا غيثا في شطر
Неизвестная страница