Нил во времена фараонов и арабов
النيل في عهد الفراعنة والعرب
Жанры
وروي في عصر فايتون الخرافي رواية أشبه إلى الخيال منها إلى الحقيقية؛ إذ قيل فيها: إن النيل كأنه لما رأى قرب الشمس من الأرض خشي من احتراقه بلهيبها، فأخفى رأسه في آخر الكرة الأرضية، وإلى القرن السابع عشر ق.م لم تصل مباحث المؤرخين إلى رأي سديد في حقيقة ومبادئ منابعه.
وقد أفرغ الفراعنة مثل سيزوستريس «رعمسيس الثاني» وغيرهم جهدا كبيرا من عنايتهم؛ للوقوف على حقيقة الينابيع فما استطاعوا، ولما قدم إلى مصر هيردوت وابتدأ مباحثه عن الينابيع لم يرشده أحد، وذكر أن بسامتيك أحد ملوك الأسرة السادسة والعشرين ألف بعثة مكونة من 240000 رجل، وأمدها بكل ما تحتاجه لتسهيل العقبات في مسيرها ، والوسائل الصناعية الأخرى في نقل الأحمال والمؤن، والوسائل الدفاعية إذا صادفها شيء من ذلك، وترتيب وصول المعلومات منها إليه عن الأقاليم التي تجتازها، والمناظر التي اهتدت إليها، وعجائب الأودية والقبائل، وأمدها بسعة الإغداق والمعونات الكبرى؛ لتتغلب بالبذخ والسخاء والمعدات الكثيرة على إنجاح مأموريتها، فقضت فيها بعض السنين وعادت من حيث أتت، ولم تدون غير اكتشافات جغرافية عن بعض المواقع في تلك المجاهل، ثم استحكمت هذه الفكرة لدى إسكندر المقدوني وكمبيز، ورتب كل منهم في عهده رحلة خاصة وأمدها بأساليب أقرب في الوصول إلى الغاية المطلوبة، وأسهل منالا في الاستكشافات والتوسع في المعلومات، فعادت كباقي البعثات الماضية راضية من الغنيمة بالإياب.
وفي القرن الثالث ق.م في عهد بطليموس إفرجت
Evergète
تكلم المؤرخون عن منابع النيل، فكانت آراؤهم متطابقة مع المعنى الذي أورده الشاعر الروماني في كتابه المعروف بالفرساي
Versailles ، على لسان يوليوس قيصر، أن النيل يخفي رأسه عن الأنظار كحسناء لا تبرح عن دلالها مهما أطال إليها المشوق الضراعة والاستعطاف، فالنيل يستمر في مجاريه فياضا متدفقا، بينما أفكار الباحثين تكد وتجهد وتعود بالملل والضعف.
وفي القرن الأول ق.م أبدى «جوبا» ملك «موريتانيا» رأيه عن منابع النيل، وتبعه فيه بلين وميلا والمؤرخ ديون كاسييس، وهو أن منابع النيل القاصية لتعمقها تحت الصخور والتجاويف العميقة بتلك الأودية والوهاد، لا يستطيع أفراد البعثات التي تنتدب من أجله خوض غمار تلك المياه، وفي هذه المنابع الفجوات التي تتفاوت بين الضيق والسعة، والمنعطفات الطويلة إلا إذا تطوعت بحياتها للخطر الذي لا يحتمل معه عود بعض أفرادها؛ لينبئ الباقين عما رأت عيناه ووعته ذاكرته من هذه المناظر وعجائب تكوينها.
وقال بطليموس الجغرافي، المولود في القرن الثاني ب.م: إن منابع النيل تلتقي في بحيرتين كبيرتين بأنحاء خط الاستواء، ولا يستطيع الغرباء التجول إلى ما وراءها؛ لأن الأذهان ممتلئة بالروايات المنفرة عن وجود الوحوش والحيوانات الضارية، التي تفتك بكل من أراد المسير في غاباتها أو مغاورها.
جاء العرب بعد اليونان خلفاء لهم في الاستعمار، وحكموا مصر واستولوا على بلاد النوبة وغيرها من البلاد المجاورة لمنابع النيل، وأحكموا صلاتهم التجارية والسياسية مع السودان وشعوب أفريقيا الجنوبية، واتخذوا هذه التمهيدات وسيلة لوصولهم إلى ما عجز عنه أسلافهم في تلك الأقاليم المجهولة.
ومن مشاهير العرب الأجلاء، الذين صرفوا وقتا مديدا وعزما صادقا في الوقوف على معلومات صحيحة بشأن منابع النيل، الإمام الشهير أحمد بن محمد بن عبد السلام المنوفي، نسبة إلى منوف، في نهاية القرن التاسع الهجري، وكان إماما في العلوم الإسلامية وتواريخ الأمم، احترمه كثير من العلماء وأئمة البحث وعظماء الشعوب، ونقلوا عنه في مؤلفاتهم، وكان يثبت لتلامذته أن العلم الصحيح والتقوى توأمان، فمن لم يزدد عقله بقوة الإيمان الذي هو فوق نواميس الطبيعة يكون دائما في تردد الحيرة والضلال، دون هذا المؤلف الشهير كتابا عنوانه: «الفيض الجديد في أخبار النيل السعيد»، وتوجد منه الآن نسختان خطيتان إحداهما في دار كتب مرسيليا، والثانية في دار الكتب المصرية بالقاهرة، تكلم فيه عن منابع النيل وأصله واستمداده وطوله وعرضه، وتضمن أبحاثا وافية فلخص منها ما أورده من الفوائد في الباب الأول «في فصل رأي العرب في منابع النيل».
Неизвестная страница