Зов истины: С тремя текстами о правде Хайдеггера
نداء الحقيقة: مع ثلاثة نصوص عن الحقيقة لهيدجر
Жанры
ويستطرد هيدجر فيقول: «إن الضلال بالقياس إلى الماهية الأصلية للحقيقة، هو ضد الماهية الأساسي.» وربما تصورنا من هذه العبارة أن الحقيقة الأصلية - التي تتميز بعلاقتها الوثيقة بالسر - تستمد منها حقيقة أخرى فاسدة تكون بمثابة الضد من تلك وتستحق أن تسمى «الضلال»، ولكنا إذا واصلنا قراءة النص وجدنا هذه العبارة التي تحدد الأمر فنقول إن حجب المحتجب والضلال ينتميان معا للماهية الأصلية للحقيقة، وإذا فاللاحقيقة، بوصفها حجبا للاحتجاب وبوصفها ضلالا، تنتمي بوجهيها هذين للماهية الأصلية للحقيقة، يؤيد هذا وصف هيدجر لضد الماهية أو للماهية الضد بأنها أساسية، أي أنها أولية وأصلية، داخلة في بناء الحقيقة نفسها وماهيتها الأصلية ، فكأن هذه الحقيقة ذات جذر مزدوج، يعاند أحد طرفيها صاحبه ويقف منه موقف الضد! ما السبب في هذا؟ ليس عسيرا أن نلتمس هذا السبب، فالحقيقة علاقة بالسر ونسيان لهذه العلاقة، وكلا الأمرين يمثل في الواقع وحدة واحدة لا انشقاق فيها، ولو تأمل كل منا نفسه وحياته لرأى أنه ينتمي للحقيقة بما هو إنسان مهموم بالوجود، كما ينتمي للاحقيقة بما هو إنسان مشغول بشئون حياته اليومية وما يحيط به من موجودات تنسيه علاقته الأصلية بحقيقة الوجود بكليته، ولعل هذا أن يوضح ما يؤكده هيدجر في العبارتين المذكورتين من أن الضلال هو ضد-الماهية الأساسي للماهية الأصلية للحقيقة، وأنه - أي الضلال - ينتمي لهذه الماهية الأصلية للحقيقة، وغني عن الذكر أن الضدية هنا ليست منطقية؛ لأن الضدين المتقابلين تقابلا جدليا حاسما يرتبطان في وحدة أعلى وأسبق منهما، دون أن يحطما هذا التقابل أو يحاولا تحطيمه.
إن الإنسان يوجد دائما في الضلال، وهو يوجد فيه بصورة أولية مسبقة، والضلال هو المسرح الذي تدور عليه كل ألوان الخطأ، فإذا عرفنا أن الضلال هو ضياع العلاقة الإيجابية التي تربطنا بالسر، وأن الحقيقة الماهوية أو الأساسية هي اتخاذ موقف من التحجب، أمكننا أن نفهم عبارة هيدجر: «إن الضلال ينفتح لكل ما يناوئ الحقيقة الماهوية.»
ولما كان الضلال - بوصفه الضد الأساسي للماهية - ينتمي انتماء أصيلا للحقيقة، فإن الإنسان يستطيع أن يستعيد السر من خلال الضلال، وذلك بمجرد أن يجرب الضلال ويحس أنه هو الضلال (لا الإحساس فحسب بصوره المختلفة التي تجربها في حياتنا اليومية من تخبط وخطأ وبلبلة واضطراب وعجز وجهل)، ولو جربنا الضلال بما هو كذلك وانتبهنا إليه لعرفنا عندئذ من نحن وأين نحن، واستعدنا علاقتنا الأصيلة بالسر، فالانتقال من هذه المعرفة بالضلال إلى السر غير مستحيل، إذا تذكرنا أن الحقيقة الأصلية تتكون منهما معا على نحو أصيل، ويكفي أن ندرك الخطر الذي يتهددنا من جانب الضلال لكي نتحدد بالسر ونهتدي إلى الطريق إليه، مهما يكن من نسياننا أو تناسينا له. «إن كليهما (السر والضلال) يحمله (أي الإنسان) على الحياة في محنة القهر»، فهل تحكم الحقيقة على الإنسان (أو الموجود الإنساني) بالمحنة والقهر؟
إن وجود الإنسان في غمرة الضلال يتضح من اضطرابه ولهفته ولهاثه من موجود بعينه إلى موجود آخر، دون أن يجد راحة القلب واطمئنان الضمير؛ ولهذا يتميز الإنسان باضطرابه، وتأرجحه، واندفاعه إلى المحنة، وخضوعه للقهر والضرورة (لاحظ بهذه المناسبة أن كلمات المحنة والقهر والضرورة مشتقة في لغتها الأصيلة من جذر واحد!) ويجب ألا نتصور الضرورة أو القهر على معنى القهر المحتوم، ولا أن نأخذ المحنة على معنى يوحي باليأس أو الحزن.
فالقهر الذي يجد فيه الإنسان نفسه؛ نتيجة اضطرابه في الضلال، ليس قوة قدرية محتومة، وإنما هو صميم المحنة التي نعيشها وعلينا أن نجربها ونواجهها، هذه المحنة نفسها لا علاقة لها باليأس الذي نعرفه جميعا، وإنما تأتي من أن السر لا ينقطع تأثيره حتى في غمرة الضلال، ولما كان وجود الإنسان خاضعا للمحنة، فإن هذا هو الذي يمكنه من الكشف عن الضرورة، ووضع نفسه في «المحتوم»، ولن يتسنى له ذلك إلا عن طريق الحرية التي تشعر بتناهيها.
وتأتي خاتمة هذا الفصل فتجمع خيوطه في نسيج واحد مكثف، لقد كان الهدف منه هو بيان ماهية الحرية استنادا إلى ماهية الحقيقة، وقد أوضح أن الحقيقة - التي هي في صميمها وبحسب معناها الذي فهمه فلاسفة اليونان قبل سقراط، كشف أو تكشف - هي في نفس الوقت تحجب الموجود بكليته.
هذا التحجب هو اللاحقيقة الأصلية المتلازمة لطبيعة الحقيقة نفسها، غير أن اللاحقيقة ليس تحجبا (أو سرا) فحسب، بل هي كذلك ضلال، أي نسيان للعلاقة الأصلية بالسر، فالضلال هو الماهية المضادة للحقيقة، وهذه الماهية المضادة تنتمي كما رأينا لماهية الحقيقة.
ويختتم هيدجر هذا الفصل بقوله: «وليست الحرية هي ماهية الحقيقة (بمعنى توافق التمثل أو تطابقه) إلا لأن الحرية نفسها تصدر عن الماهية الأصلية للحقيقة، عن سيادة السر في غمرة الضلال.» ولما كانت الحرية تنشأ عن سيادة الحقيقة، فإن فعل «الترك»،
151
الذي تحدده الحرية، يصبح أصيلا متفقا مع طبيعته بمجرد أن يتم في حضرة السر، أي حين تصحبه تجربة الضلال من حيث هو الضلال.
Неизвестная страница