Зов истины: С тремя текстами о правде Хайдеггера
نداء الحقيقة: مع ثلاثة نصوص عن الحقيقة لهيدجر
Жанры
147
لنرجع إلى العلاقة بين الحقيقة واللاحقيقة، إننا نخطئ خطأ بالغا إذا تصورنا أن اللاحقيقة مجرد صورة باهتة من الحقيقة، كما نتصور الظلام بالقياس إلى النور، والمرض بالقياس إلى الصحة، والشر بالقياس للخير، ليست اللاحقيقة هي عكس الحقيقة أو سلبها، على نحو ما نفهم من تصورين متضادين، فكيف نتصور هذه «اللا» التي تسبق كلمة «اللاحقيقة»؟ (وما أكثر ما تتردد هذه اللا في الفصل السادس والفصول التالية في كلمات كاللاماهية واللاتحجب!)
لا شك أن القارئ سيدرك بنفسه أن هذه «اللا» تختلف عن «لا» السلب العادية، فهي تحيلنا إلى مجال أصلي (يفترضه أسلوب التفكير العادي وإن كان لا يلتفت إليه ولا يكترث به!) هو مجال التحجب، وهو مجال أسبق في الوجود من كل ظهور أو تكشف للوجود، في ظهور نطاق هذا المجال - الذي يتصل به الإنسان دائما على نحو أو آخر ونقف منه موقفا لا يبلغ أبدا مستوى الوعي - تكون «حقيقة الوجود»، ومن خلاله يمكن أن نقترب قليلا أو كثيرا من الوجود .
إن حقيقة الوجود أسبق من كل حقيقة متعلقة بالموجود، كما أنها أكثر منها أصالة وأهمية، هذه الحقيقة الأولية حاضرة دائما بصورة أو بأخرى، مهما تكلفنا من الجهد لتجاهلها، ومهما تصور الإنسان أن كل علاقة بالوجود قد اختفت، ومهما دخل في روعه أنه نسي الوجود وصار غريبا عنه، ذلك أن الوجود لا ينفك يظهر لنا ويقدم لنا نفسه باستمرار، مهما حاولنا إنكاره والانصراف عنه، ولو كف الوجود نوره فكيف يتسنى للإنسان أن يتعرف على الموجود الخاص الذي لا يني عن السعي وراءه، كيف يتأتى له أن ينطق فعل يوجد أو «يكون»، وهو أهم كلمات اللغة وأكثرها ابتذالا في آن واحد؟!
من خلال «ترك-الموجود-يوجد» يكون هذا الموجود ويحضر؛ ولهذا يوصف هذا الترك بأنه كشف له، ولكن حضور الموجد الخاص وظهوره يلازمه احتجاب الموجود في كليته، ومن هنا يمكن فهم هذه العبارة العويصة: «في الحرية المتخارجة للموجود-الإنساني يتم حجب الموجود بكليته، يكون الاحتجاب».
لا بد إذن من تفسير معنى الحجب إذا أردنا أن نفهم العلاقة بين الحقيقة واللاحقيقة، فلما كانت الحقيقة هي الكشف (أو بعبارة هيدجر المخيفة هي الترك المتخارج لوجود الموجود!) فلا بد أن تنطوي على نوع من الحجب ما دام الأول مستحيلا بغير الثاني، بهذا يصبح الحجب أو الاحتجاب شرطا للحقيقة بوصفها كشفا، بل إن فعل الكشف لا يتم إلا على أساسه، لا معنى إذن لأن نتصور أن هذا الحجب نوع من الظلام الذي سيبدده النور، أو أن ظهور «الموجود الإنساني» يكفي لتبديده؛ إذ لا بد من القول بأنه كامن بالضرورة في صميم الموجود الإنساني، وأنه محجوب عنه بحكم طبيعته، فالإنسان يخفي عن نفسه أن هناك نوعا من الاحتجاب والخفاء يلازم انكشاف الموجود وظهوره، أي أن الاحتجاب كامن في الموجودات الإنسانية بقدر ما تكون هذه كاشفة، ولا يخطرن ببالنا أن هذا الاحتجاب متوقف على «الذات الإنسانية» لكي تتصرف فيه بحريتها، فالواقع أن فكرة الذاتية لا مكان لها في فلسفة هيدجر - اللهم إلا مكان الرفض والإنكار - كما أن كلمة الموجود الإنساني أو الدازاين عنده ليست بديلا لكلمة «الذات» المعهودة في نظريات المعرفة، وإنما تدل على تصور مختلف للإنسان الذي يتميز قبل كل شيء بأنه «موجود-في-العالم»، ومن ثم فليس الإنسان هو السيد المتحكم في الاحتجاب ولا في التكشف، بل إن هذين هما اللذان يسودانه ويتحكمان فيه، وهذا هو الذي توحي به العبارات التالية التي تأتي في بداية الفصل السادس الذي تتحدث عنه: «إن التحجب يمنع «الأليثيا » من التكشف، بل لا يسمح لها بأن تكون «ستيريزس» (سلبا)، وإنما يحفظ لها (أي للأليثيا) أخص ما يخصها.» أو هذه العبارات التي يستطرد فيها الفيلسوف: «إنه (أي التحجب) أقدم من ترك الموجود نفسه، الذي يحجبه أثناء قيامه بالكشف، كما يتخذ موقفا من التحجب.»
لا بد من تعليق قصير على هذه العبارات التي لن تفهم إلا في سياقها، فإذا كانت الحقيقة هي الكشف، وكان كل كشف يفترض الحجب، فإن اللاحقيقة ستصبح مرادفة لعدم الكشف؛ بهذا لا تكون العلاقة بين الحقيقة واللاحقيقة علاقة تضاد منطقي، بل علاقة المؤسس بالأساس الذي يقوم عليه، معنى هذا أن الحقيقة - على العكس مما يظن الراي الشائع - تتأسس على اللاحقيقة، وأن هذه - بوصفها لاماهية الحقيقة - تحيل إلى ماهية أسبق، وإذا كان الإنسان على علاقة مستمرة بالتحجب، فلا بد من القول بأنه يوجد دائما في اللاحقيقة، وأن هذا وحده هو الذي يجعله قادرا على الكشف.
ولكن التحجب يؤكد نفسه - كما سبق أن رأينا - في كل ترك-للموجود، فترك- الموجود يحجب الموجود بكليته، والموجود بكليته هو المتحجب، ولما كان ترك-الموجود يقيم بالضرورة علاقة بالموجود بكليته الذي يظل في هذه العلاقة على احتجابه، فإن هيدجر يؤكد مع ذلك أن ترك-الموجود يحقق تحجب المحتجب، وهذا هو الذي يصفه بالسر، فليس السر في رأيه معضلة أو لغزا يتطلب الحل، وإنما هو الحدث الأساسي الذي يتغلغل في وجود الإنسان؛ ولهذا يمكن القول بأن الإنسان ليس بالكائن الذي يحتجب بقدر ما يكشف فحسب، بل إنه يصر على أن يحجب عن نفسه ذلك التحجب الأصلي ، ولعل هذا أن يكون قريبا مما يقصده هيدجر في النص الأول الذي اقتبسناه في بداية هذا الفصل حين يقول: إن التحجب يحول بين «الأليثيا» وبين التكشف، وأنه لا يسمح لها أيضا بأن تكون سلبا، بل يحتفظ لها بأخص ما يخصها، ولعل المقصود «بأخص ما يخصها» هو السر نفسه؛ ومن ثم يمكننا أن نفهم هذه العبارة العسيرة أو نحاول فهمها على أقل تقدير: فالتحجب الملازم للحقيقة يحول دون تصور هذه الحقيقة باعتبارها كشفا كليا كاملا، ولما كان هذا التحجب نفسه يتحجب في «الموجود الإنساني» الذي يقوم بالكشف، فإن «الأليثيا» تعجز حتى عن اعتبار نفسها سلبا للكشف الأصلي، لهذا فإن التحجب يحتفظ للحقيقة بصورة من صور السر الأساسي، أو بالأحرى يحتفظ لها بسر تختص به.
هل فسرنا العبارة العسيرة بعبارات أشد عسرا؟ لنقل باختصار أن التكشف لا يتم إلا على نحو جزئي، فهو يتحقق في ظل الاحتجاب وعلى أساسه، وكلما تقدم في فعله الكاشف عمل على مزيد من الحجب، وكلما اتسعت معرفة الإنسان بالموجود الجزئي دفع الموجود بكليته
148
Неизвестная страница