Зов истины: С тремя текстами о правде Хайдеггера
نداء الحقيقة: مع ثلاثة نصوص عن الحقيقة لهيدجر
Жанры
غير أننا لم نفرغ بعد من كل الصعوبات! فعلينا أن نخطو خطوة أبعد لنعرف ما هو الأساس الذي تقوم عليه الإمكانية الباطنة لانفتاح المسلك، أو ما الذي يجعل المسلك يتخذ الموجود معيارا لأفعاله، صحيح أن الإنسان منفتح بطبيعته على الموجود، ولكن ليس يلزم عن هذا أنه مستعد بطبيعته للخضوع له واختياره معيارا يهتدي به في أفكاره وأفعاله، ما السبب في هذا؟ ومن أين تتأتى له هذه الإمكانية الباطنة؟ •••
الفصل الثالث يتولى الإجابة على هذين السؤالين، محاولا تفسير هذه الإمكانية وبيان الأسباب التي حددت ماهية الحقيقة وقصرتها على توافق الحكم أو تطابقه مع الشيء، على نحو ما رأينا في التصور التقليدي الذي تقدم الحديث عنه، وهيدجر لا يرفض هذا التصور كما قدمنا، ولكنه يوضح كيف انتهى - على الرغم من قصوره البين - إلى الظهور في صورة التعبير الكامل عن ماهية الحقيقة.
إن ما نسميه بالتطابق أو التوافق بين الإنسان والموجود الذي يتمثله لا يتحقق حتى «يحرر» الإنسان ليكون أهلا للدخول في المجال المفتوح الذي يمكن من خلاله أن يتم ظهور ما يظهر له، بيد أن الإنسان لا يمكنه أن يحرر نفسه إلا إذا كان حرا: «إن انفتاح المسلك، وهو الذي يجعل التوافق ممكنا من الناحية الباطنة، يقوم على أساس الحرية، إن الحرية هي ماهية الحقيقة.»
هذا أمر طبيعي لا شك فيه، ولكن ألا نبعد بهذا عن دائرة التصور المألوف عن الحرية والتحرر؟ ألا نسيء فهم العبارة السابقة إن حاولنا أن نفهم الحرية بمعناها التقليدي من حيث هي حرية القبول أو الرفض، والسلب أو الإيجاب، والفعل أو عدم الفعل؟ ألا تختلط الأمور في أذهاننا، وتقحم الحرية في مجال الحقيقة الذي يبدو غريبا عنها كما تبدو غريبة عنه؟ وكيف تخضع الحقيقة للتعسف والهوى والذاتية؟ لا بد إذا أن نفهم الحرية فهما آخر يختلف عما درجنا عليه أو تعلمناه، وهذا هو الذي يتصدى له الفيلسوف في الفصل الرابع من رسالته. •••
ما الحرية؟ سؤال ضخم، ولكنها ليست مقطوعة الصلة بماهية الإنسان، وإذا كان التصور الشائع عنها يجعلها خاصية من خصائص الإنسان، بحيث يملكها ولا تملكه، فإن علينا أن نبين الارتباط الأساسي بين الحقيقة والحرية ونبحث ماهية الإنسان بحثا يضعنا في المجال الذي تفصح فيه الحقيقة بصورة أصيلة عن ماهيتها.
ألا نلمس هنا نوعا من الدور المنطقي؟
ألم يكن الفيلسوف يريد أن يفسر ماهية الحقيقة فإذا به يقرر فجأة أن ماهية الحقيقة هي الحرية؟! وحين سألناه: وما الحرية؟ إذا به يفسرها عن طريق ماهية الحقيقة التي يزعم أنها أشد منها أصالة؟
سيبقى هذا الدور قائما ما بقيت نظرتنا إلى تفكير الفيلسوف نظرة تحليلية تهتم بالعزل والفصل، والقسمة والتمييز، ولو نظرنا إليه نظرة كلية توحد بين خطواته ومراحله لاختفى الدور الذي توحي به عبارته.
يؤكد هيدجر - بأسلوبه المعهود الذي لا يخلو من التقرير قبل الأوان! - إن ماهية الحقيقة هي الحرية، ومعنى هذا أن الانفتاح لا يقوم إلا على الحرية، ولكننا من ناحية أخرى لن نفهم معنى الحرية حتى نتجه ببصرنا إلى ماهية الإنسان بحيث نجد أنفسنا في «المجال الذي تفصح فيه الحقيقة عن نفسها» وتحضر بنفسها حضورا أصيلا، بهذا يمتنع الدور لامتناع الاستدلال، فماهية الحقيقة لن تكون نتيجة برهان ولا ثمرة استنباط، وإذا كان الفيلسوف يفكر بطريقة «لولبية» ترتب شيئا على شيء، فإنما يفعل ذلك لكي يمهد «لتجربة» الحقيقة ويعدنا «لرؤيتها».
ما هي إذن الماهية «الأصلية» للحقيقة التي نصفها عادة بالثبات والبقاء وتقول إن حقيقة الحكم تقوم عليها؟ لا بد من إلقاء الضوء على هذه الحقيقة لكي يتسنى لنا بعد ذلك أن نفهم معنى الحرية.
Неизвестная страница