Зов истины: С тремя текстами о правде Хайдеггера
نداء الحقيقة: مع ثلاثة نصوص عن الحقيقة لهيدجر
Жанры
أهو اتجاه جديد في الفلسفة الأوروبية؟ ما من أحد خطر على باله أن يشك في هذا، ولكن هل تنسخ الظاهريات كل ما سبقها من فلسفات، كما توحي بذلك بعض شروح صاحبها ومزاعمه؟ أم هي بداية جديدة وتتويج لمحاولات ظلت كامنة في كثير من مذاهب الفكر الحديث والقديم؟
لم يكن في مقدور أحد أن يقدم الجواب الحاسم على مثل هذه الأسئلة، ولكن الشيء الذي لا ريب فيه أن الظاهريات الخالصة أرادت لنفسها أن تكون فلسفة كلية أو بالأحرى علما كليا تتأسس عليه سائر العلوم ومناطق الوجود المادية والصورية، أضف إلى هذا أن هذه الظاهريات «الخالصة» أو المتعالية «الترنسندنتالية» لا تقوم بغير الذاتية، أي الذات الخالصة التي تصدر أحكام المعرفة والقيمة والفعل، وهذا كله يدل على أن الظاهريات قد أصلت «الذاتية الترنسندنتالية» وعممتها، ووضعت نفسها بذلك في سياق الفلسفة الحديثة من حيث هي - كما سيقول هيدجر - ميتافيزيقا الذاتية، وهل من شك في هذا ما دامت الظاهريات لا تزال محتفظة بتجارب الوعي، وإن كانت تحصر بحثها المنهجي في استخلاص بنية هذه التجارب والأفعال وبيان «موضوعية» الموضوعات التي تجرب فيها تجربة حية معاشة؟
مهما يكن الأمر، فإن «الأفكار» قد بددت كثيرا من ظلمات القلق والشك التي أحاطت «بالبحوث المنطقية» (التي ظهرت طبعتها الثانية المنقحة في نفس السنة)، كما ألقت أضواء جديدة على مقال هسرل المشهور «الفلسفة علما دقيقا»
4
الذي كان قد ظهر في مجلة «لوجوس» الجديدة بين سنتي 1910-1911م، وتوالت بعض ثمار المنهج الظاهرياتي الذي أثبت مدى خصوبته على مر الأيام، وكشف عن مدى تحرر المريدين والحواريين الذين راحوا يطبقون منهج «المعلم» ويتخلصون من بعض جوانب فلسفته (وبخاصة في مرحلتها المتأخرة التي أوغلت في الذاتية الخالصة!) واستقبل الناس بحث ماكس شيلر الذي ظهر في نفس السنة (1913م) بحفاوة بالغة، وكان عنوان هذا البحث الهام الذي أسهم في تأسيس ما يوصف «بالأخلاق المادية» التي تعد الوجه المقابل لأخلاق كانط الصورية هو: «ظاهريات مشاعر التعاطف والحب والكراهية» مع ملحق عن علة التسليم بوجود الأنا الغريبة.
غير أن شوكة «البحوث المنطقية» لم تكف عن وخزه وإيلامه! فها هو ذا يعيد قراءتها من جديد، ويكتشف أن القراءة وحدها لن تعينه على تحقيق هذا المنهج الذي يصف نفسه بالظاهرياتية، ولم يكن مفر من التعرف إلى المعلم نفسه ومقابلته «بدمه ولحمه» في «معمله» الفلسفي الخاص! وكان لحسن الحظ أيضا دور في هذا اللقاء، فقد حضر هسرل إلى جامعة فرايبورج خلفا لريكرت الذي قبل دعوة جامعة هيدلبرج لشغل الكرسي الذي خلا بوفاة فندلباند (مؤرخ الفلسفة الشهير وشريكه في تأسيس جناح المدرسة الكانطية الجديدة في الجنوب)، أخذ هيدجر يواظب على حضور تمرينات هسرل وتدريباته لتلامذته على التعود على «الرؤية» الظاهرياتية خطوة بخطوة، وكانت هذه الرؤية تتطلب منهم الانصراف عن كل المعارف الفلسفية التي حصلوها أو الحذر في استخدامها على أقل تقدير، كما كانت تمنعهم من التأثر «بسلطة» كبار المفكرين أو الدخول في حوار معهم، وأفاد هيدجر من المران على هذه الرؤية أكبر فائدة، فقد وثقت ارتباطه بالفلاسفة الإغريق، وأعانته على تفسير كثير مما غمض عليه من نصوص أرسطو، وحفزه قربه من المعلم، وقد كان في ذلك الحين يتعلم منه ويقوم في نفس الوقت بالتعليم، على تجربة محاولة جديدة لفهم أرسطو،
5
ورجع إلى المبحث السادس من «البحوث المنطقية»، فساعده تمييز هسرل بين العيان الحسي والعيان المقولاتي على رؤية مشكلته القديمة حول المعاني المتعددة للموجود في ضوء جديد، وراح يدرس هذا الكتاب ويتعمق درسه مع طلابه حتى لمع في ذهنه هذا الخاطر الملهم الذي أخذ يدعمه بعد ذلك في بحوثه ومقالاته ومحاضراته: إن هذا الذي يظهر نفسه بنفسه وتحاول الظاهريات أن تصفه وصفا خالصا من خلال أفعال الوعي والشعور قد فكر فيه أرسطو من قبل كما تناولته تجربة اليونان في الفكر والوجود على نحو أكثر أصالة ووصفوه ب «الأليثين» أو «لا تحجب» الموجود وتكشفه وتجليه بنفسه، فهذا «الظهور» الذي أعادت الفينومينولوجيا اكتشافه وجعلته الموقف الأساسي للفكر والوعي هو في حقيقة الأمر أهم ما يميز الفكر اليوناني، إن لم يكن أهم ما يميز الفلسفة نفسها، وما لبثت هذه الرؤية أن اتضحت أمام هيدجر، ولكنها ظلت مع ذلك تطوي معها السؤال المحير: ما الذي يحدد تجربة «الأشياء ذاتها» التي تدعو إليها الظاهريات؟ أهو الوعي وموضوعيته؟ أم هو وجود الموجود في لا تحجبه واحتجابه، في ظهوره وخفائه؟!
هكذا توصل هيدجر إلى الصياغة المحددة لسؤاله عن الوجود، بعد أن انطلق من المشكلات التي أثارتها في نفسه رسالة «برنتانو» السابقة، وتعمق منهج هسرل الظاهرياتي - في مراحله الأولى بوجه خاص - واتجه به وجهة جديدة، بيد أن تحديد السؤال لا ينهي القضية بل يبدؤها! فقد أخذ يسير على الطريق الذي اعترف بأنه طال أكثر مما توقع،
6
Неизвестная страница