وطبعا درش لم يكن مجنونا أو شاذا أو به خبل. كل ما في الأمر أنه كان في تلك اللحظات يتصرف بوحي من إحساسه أو بوحي من حاسته السادسة تلك التي كانت تعمل بلا هوادة، ومنفعلة إلى أقصى حد. لم يكن قد ظهر في تصرفات المرأة أي شيء يدل على أي شيء، ولكنه كان يعمل كمستكشفي البترول الذين تقول لهم أجهزتهم إذا حفرتم هنا وجدتم الذهب الأسود، هو أيضا كان شيء ما ... شيء أعمق من إحساسه وتفكيره وفراسته يهيب به أن يداوم على إصراره وأن يمضي في الطريق إلى نهايته، والطريق، كخط الترام محطات، وها هو ذا قد غادر المحطة الأولى بركوبه إلى جوارها في الترام. عليه الآن أن يتبين إن كانت هناك محطات أخرى ... كيف يعرف طريقه إذن؟ ومن أين يبدأ؟
وقال لها: أنت ذاهبة إل بيتك إذن؟
كانت في تلك اللحظة تنظر من نافذة الترام، والترام بدأ يتحرك وقطع في تحركه شوطا، فالتفتت إليه وكأنها لم تسمع ما قاله. وأعاد السؤال فقالت بوجه جاد: أجل.
وضايقه جدها في تلك اللحظة، ولكنه مضى بخبث هذه المرة يسأل: تقطنين مع عائلتك. أليس كذلك؟
فقالت ببراءة: أجل. - متزوجة؟ أعتقد هذا. - طبعا متزوجة.
وكاد لسانه يزلف ويقول أنا الآخر متزوج وعندي بنت صغيرة لها صندل أحمر وسنتان أماميتان، ولكنه رد لسانه إلى حلقه، فلا داعي لتعقيد الأمور، ومضى يسألها: - لك أولاد طبعا؟
فقالت، ولأول مرة منذ أن ركبا الترام قد عادت ابتسامتها التي لا معنى لها إلى وجهها: أجل، ولدان وبنت.
وقال لنفسه: لو كانت لا تريدني لقالت أجل، واكتفت بهذا، ولكنها استرسلت تعد أولادها، فمعنى هذا أنها تريد الحديث. ولكنه استدرك أن حديث الآباء أو الأمهات عن أولادهم شيء طبيعي جدا، يفرحون له ولا يملوه، فليطرق هذا الباب إذن عله يؤدي إلى شيء.
وسألها : كبار في السن؟
قالت: تومي الكبير عمره ست سنوات، والصغيرة ستة شهور.
Неизвестная страница