كتاب
النَّظْمُ المُسْتَعْذَبُ
فِي تفْسِير غريبِ ألْفَاظِ المهَذّبِ
تصنيف الإمام
بطّالِ بْن أحْمد بْن سُليْمان بْن بطّالِ الرَّكْبِيِّ
المتوفى سنة ٦٣٣ هـ
القسم الأول
دراسة وتحقيق وتعليق
دكتور
مصطفى عبد الحفيظ سَالِم
١٤٠٨ هـ - ١٩٨٨ م
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ المكتبة التجارية - مكة المكرمة الشامية أمام فندق الصفا تليفون المركز الرئيسي: ٥٧٤٩٠٢٢ تليفون فرع النزهة: ٥٤٥٩٨٥٠ تليفون فرع الجامعة: ٥٥٨١٥٨٤
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ المكتبة التجارية - مكة المكرمة الشامية أمام فندق الصفا تليفون المركز الرئيسي: ٥٧٤٩٠٢٢ تليفون فرع النزهة: ٥٤٥٩٨٥٠ تليفون فرع الجامعة: ٥٥٨١٥٨٤
Неизвестная страница
- أ -
[مقدمة التحقيق]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تمهيد:
أحمد الله تعالى وأصلى وأسلم على خير خلقه سيدنا ونبينا محمد ﷺ وعلى آله وصحابته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد. . . . فإن من أجل العلوم وأشرفها وأعلاها منزلة: علوم القرآن وعلوم الحديث، وما يتصل بهما، وقد نالت هذه العلوم عظيم الاهتمام، من حين نزول الوحى بالقرآن الكريم على النبي ﷺ، وإشراق الدنيا بنور القرآن الكريم مصدر التشريع الأول، والحديث الشريف مصدر التشريع الثاني.
وقد نمت وترعرعت هذه العلوم فى ظل الرسول الأعظم والمعلم الأكبر محمد ﷺ، والأئمة الأعلام من صحابته، رضوان الله عليهم أجمعين، وتمت نعمة الله على المسلمين بقوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ وكان تمام هذه النعمة فى استواء التشريع، وبيان العقيدة، وإيضاح معالم الدين من شرائع وقوانين كاملة للمعاملة والسلوك فى المجتمع الإسلامي الجديد.
وصرف علماء الإسلام عنايتهم إلى دراسة مصادر التشريع، وتفرعت هذه الدراسات وآتت ثمارها، وكان من نتاجها المذاهب الفقهية الأربعة الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي، وانكب أصحاب كل مذهب على دراسته وتأصيله وتفريعه، وتوضيحه، يستمدون فى ذلك العون من أنواع العلوم الإسلامية والعربية.
وازدهرت الحضارة الإسلامية وانبثق نور الإسلام على ربوع الدنيا، ودخل الناس فى دين الله أفواجا، لا يحجبهم جنس، ولا يمنعهم عنصر، ولا تدفعهم قومية، كل الخلق انضوى تحت لواء شعاره: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾.
وكان لزاما على علماء الإسلام أن يجنحوا إلى الإطناب فى التوضيح والتفصيل والتدوين وتمخضت جهودهم عن شتى أنواع العلوم، ومنها: غريب القرآن الكريم، وغريب الحديث وغريب الفقه.
أما غريب القرآن الكريم، وغريب الحديث فقد حظيا باهتمام كبير، فحسبهما الارتباط الوثيق بأهم مصادر التشريع. وأما غريب الفقه فقد أخذت أطراف العناية تتجه إليه فى أثناء القرن الثاني للهجرة، وبدأت بذور تدوينه فى أثناء القرن الثالث الهجري. فقد صنف ابن قتيبة كتابه غريب الحديث، وضع فى مقدمته شرحًا يسيرًا لبعض المصطلحات الفقهية العامة وهي، وإن كانت قليلة ومختصرة قياسًا إلى حجم كتابه، إلا أنها تعد من البذور الأولى فى تدوين غريب الفقه.
المقدمة / 2
- ب -
ثم صنف أبو بكر محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الأنباري، كتابه الزاهر في معاني الكلمات التي يستعملها الناس في صلواتهم ودعائهم وتسبيحهم. وجمع في هذا الكتاب جملة وافرة من الألفاظ ذات الطابع الفقهي، غير أنه تناول أقوال العرب وأمثالهم فأكثر منها، فاتسم الكتاب بسمة كتب الأمثال، وغابت في طياته تلك الألفاظ.
المصنفات في غريب الفقه:
ثم أخذ التدوين في غريب الفقه يتخذ شكلًا آخر يتصف بالاستقلال والتخصص، شأنه شأن غريب القرآن الكريم، وغريب الحديث الشريف، وهو -وإن لم يكن منفصلًا عنهما في باب التشريع- في أمس الحاجة إلى مصنفات خاصة به، يقصدها الباحث والدارس تيسيرًا وتسهيلًا، فضلًا عن أنه يهتم بتفسير مصدر عظيم من مصادر التشريع. ومن ثم اتجه العلماء إلى وقف مصنفاتهم على هذا النوع من الغريب، ومنها:
١ - تفسير غريب الموطأ- لأبى عبد الله أصبغ بن الفرج المصري (توفى سنة ٢٢٥) في غريب الفقه المالكي.
٢ - تفسير غريب الموطأ -لأحمد بن عمران بن سلامة الأخفش- معاصر للأول. في غريب الفقه المالكي.
٣ - شرح ألفاظ المختصر- لأبى منصور الأزهري (٢٨٢ - ٣٧٠ هـ) في غريب ألفاظ الشافعي.
٤ - شرح غريب الموطأ- لابن السيد البطليوسي (توفى ٥٢١ هـ) في غريب الفقه المالكي.
٥ - طلبة الطلبة- للإمام نجم الدين بن حفص النسفي (توفى ٥٣٧ هـ). في غريب الفقه الحنفي.
٦ - شرح غريب الرسالة- للقاضي أبي بكر بن العربي (توفى ٥٤٣ هـ) في غريب الفقه الشافعي.
٧ - الأسامي والعلا في شرح غريب المهذب للشيرازي للإمام عمر بن محمد المعروف بابن البزري (توفى سنة ٥٦٠ هـ).
٨ - المغرب في ترتيب المعرب- للطرزى الحنفي (توفى سنة ٦١٠ هـ) في غريب الفقه الحنفي.
٩ - اللفظ المستغرب من شواهد المهذب- لأبي عبد الله بن محمد بن على القلعي (توفى ٦٣٠ هـ) في غريب الفقه الشافعي.
١٠ - النظم المستعذب في تفسير غريب ألفاظ المهذب- لابن بطال الركبي (توفى سنة ٦٣٣ هـ) في غريب الفقه الشافعي.
١١ - المغني في الإنباء عن غريب المهذب والأسماء- لابن بطال الركبي (توفى سنة ٦٣٣ هـ) في غريب الفقه الشافعي.
١٢ - تهذيب الأسماء واللغات- للنووي (توفى ٦٧٦ هـ). في غريب الفقه الشافعي.
١٣ - التحرير على ألفاظ التنبيه للنووي (توفى ٦٧٦ هـ). في غريب الفقه الشافعي.
المقدمة / 3
- جـ -
١٤ - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للفيومي الشافعي (توفى سنة ٧٧٠ هـ تقريبًا) في غريب الفقه الشافعي.
١٥ - لغات مختصر ابن الحاجب- للإمام عز الدين محمد بن عبد السلام الأموي (توفي سنة ٧٩٧ هـ) في غريب الفقه المالكي.
١٦ - غرر المقالة في شرح غريب الرسالة- لأبى عبد الله محمد بن منصور بن حمامة (مجهول) وغريب الفقه الشافعى وقد قمت بتحقيق كتاب اللفظ المستغرب من شواهد المهذب للقلعي، وصنفت دراسة تحليلية لأهم المصنفات في غريب الفقه تناولت فيها أكثر المصنفات المذكورة، ورأيت أن إتمام الفائدة يستوجب العمل الدائب في تحقيق ما يمكن تحقيقه من مصنفات هذا النوع من الغريب، فعقدت العزم على إخراج كتاب النظم المستعذب لابن بطال- بخاصة وأنه أشمل هذه المصنفات للألفاظ الفقهية، وأبسطها شرحًا، فاستعنت بالله تعالى، وبإرشاد أستاذى الفاضل الأستاذ الدكتور عبد الغفار هلال- في تحقيق هذا الكتاب.
والله تعالى أسأل أن يوفقني إلى سواء السبيل
وهو حسبي ونعم الوكيل
دكتور
مصطفى عبد الحفيظ سالم
المقدمة / 4
ابن بطال الركبى
حياته
اسمه ونسبه وقبيلته:
هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان بن بطال الركبى اليمنى، المشهور ببطال الركبى وعلى هذا اتفق كل الذين ترجموا حياته، وفى مقدمتهم: البهاء الجندى (١)، وأبو مخرمة (٢) والخزرجي (٣)، وغيرهم.
وعن شهرته ببطال: ذكر البهاء الجندى (٤) أنه "ظهر لما منه ما ظهر من الكمال، قال عقلاء زمانه ضد اسمه".
ولقب بشمس الدين كما ذكر حاجى خليفة (٥)، والبغدادى (٦)، وكحالة (٧)، حين ترجموا له، صدروا ذلك بقولهم: "شمس الدين أبو عبد الله" أو الشيخ الإمام شمس الدين".
والركبى: نسبة إلى قبيلة الركْب من قضاعة في اليمن (٨)، وهم من ولد أَتْغَمَ بن الأشعر. والأشعر هو: نَبْتُ بن أدد بن زيد بن يشْجُبَ بن عَرِيب بن زيد بن كهلان بن سَبَأ (٩). وإلى الأشاعر ينتسب الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري، ﵁.
وفي قبيلة الركب يقال المثل المشهور: "أَحبِبْ بِالرَّكْبِ وَبَني مَجِيدْ" (١٠)، وكانت تسكن مواطن متفرقة في اليمن، فمعظمهم كان ينزل في الجبال المطلة على طريق زبيد، وبعضهم في الجبال المطلة على حَيْس، وهو مخلاف بتهامة، بين المعافر وصنعاء غربًا، بينه وبين زبيد نحو يوم (١١)، قال ياقوت (١٢): وهو للركب من الأشعرين، وفيه يقول المسلم بن نعيم المالكي:
أما ديار بنى عوف فمنجدة ... والعز قومى بحيس دارها الشعف
من بعد آطام عز كان يسكنها ... منا الملوك وسادات لهم شرف
وبعضهم كان ينزل في الدُّمْلُوَة، وهو حصن عظيم، في بلاد الحجرية شرقي الجند (١٣). وفى هذه المنظقة حبل يقال له: حبل الْحَرِيم، وكان ابن بطال الركبى يقطن قرية فيه تعرف بذي يَعْمِد (بفتح الياء المثناة من
_________
(١) السلوك في طبقات العلماء والملوك للجندي ٢/ ٤٢٧ مخطوط دار الكتب.
(٢) تاريخ ثغر عدن ٢/ ٢٠٠.
(٣) العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولة ١/ ٣٩١.
(٤) في السلوك بالرقم السابق.
(٥) كشف الظنون ٥٢، ٥٣، ١٩١٣.
(٦) هدية العارفين ٢/ ١١٣.
(٧) معجم المؤلفين ٩/ ٦.
(٨) السلوك ٢/ ٤٢٧، وتاريخ ثغر عدن ٢/ ٢٠٠ والعقود اللؤلؤية ١/ ٣٩١ وشمس العلوم ٤/ ٢١٣ ومنتخبات في أخبار اليمن ٤٢.
(٩) نسب عدنان وقحطان للمبرد ص ١٨، وجمهرة أنساب العرب ٣٩٧.
(١٠) شمس العلوم ٤/ ٢١٣، ومنتخبات في أخبار اليمن ٤٢ والأمثال اليمانية ٥٦.
(١١) السلوك ٢/ ٤٢٧، وتاريخ تغر عدن ٢/ ٢٠٠ وصفة جزيرة العرب ١٠٣.
(١٢) معجم البلدان ٣/ ٣٨١.
(١٣) مراصد الإطلاع ٥٣٤ والسلوك ٢/ ٤٢٧ وتاريخ ثغر عدن ٢/ ٢٠٠.
المقدمة / 1
تحت، وسكون العين المهملة، وخفض الميم وسكون الدال) كما ضبطها الجندى، وأبو مخرمة (١٤). وقد أجمع المترجمون لابن بطال على أنه من ركب الدملوة، وآنه كان يقطن هذه القرية.
نشأته واتجاهه العلمى:
بدأت حياة ابن بطال العلمية، من حين أودعه أهله رهينة عند الشيخ الموفق أبي الدر جوهر بن عبد الله المعظمي (١٥)، وكان أستاذًا حبشيًا، من موالى الزريعيين، تقيًا عاقلًا، ذكيًا، عالمًا، عاملًا حافظًا، فقيهًا، مقرئًا.
وكان ينسب إلى سيده الداعى المعظم محمد بن سبأ بن أبى السعود الزريعى، الذى جعله نائبًا عنه في حصن الدُّمْلُوَة، ولما توفى وخلفه ابنه المكرم بن محمد، أبقى جوهرًا على نيابته للحصن، فلما دنت وفاة المكرم: جعل جوهرًا وصيًا على أولاده الصغار كلهم، فأكرمهم جوهر، وقام على تربيتهم خير قيام.
ولم يذكر المترجون لابن بطال سببًا لإيداع أهله له رهينة عند جوهر المعظمى. غير أن جوهرًا تكفل بتربيته وتهذيبه، وتعليمه، يقول أبو مخرمة: "وببركة جوهر صار الإمام بطال بن أحمد الركبى إمامًا مقصودًا وذلك أن أهله تركوه رهينة عند الطواشى جوهر، فأشفق عليه، فعلمه القرآن، ثم أشغله بطلب العلم، حتى صار إلى ما صار إليه" (١٦).
وقال البهاء الجندى في ترجمة جوهر المعظمى: "وكان من آثاره الفقيه بطال" (١٧) وفى ترجمة ابن بطال: "كانت بدايته وسلوكه لطريق العلم بإرشاد الحافظ أبى الدر جوهر المعظمى، إذ كان أهله رهنوه عنده فرباه وهذبه وجعله مع من عنده، ومن يصله من الفقهاء، فتفقه وتعلم العلم" (١٨).
أساتذته:
يعد أبو الدر جوهر المعظمى من أكبر أساتذته، والموجه الأول له، على ما سبق، وكما نص عليه المترجمون له، وفى مقدمتهم الجندى وأبو مخرمة، وغيرهما.
ومن أشهر شيوخه: الإمام إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن حَدِيق السَّكْسَكِى (١٩)، وهو ممن أدرك رئاسة العلم في جَبَأ، وأخذ بها عنه جماعة من العلماء، وانتفعوا به، ونهم ابن بطال الركبى، وذكر ذلك كل من الجندى، وأبو مخرمة، وقدماه على سائر شيوخه بعد الشيخ جوهر المعظمى ومن كبار أساتذته: الإمام محمد بن أبي القاسم بن عبد الله المعلم الْجَبَائي.
ذكره الجندى (٢٠)، وأبو مخرمة (٢١)، وقال الأخير عنه: قرأ على القاضى محمد بن أبى العباسى أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبى سالم القريظى الغريبين للهروى بعدن في جمادى الأولى (سنة ٥٨١ هـ) ولا أعرف من
_________
(١٤) السلوك ٢/ ٤٢٧، وتاريخ ثغر عدن ١/ ٢٠٠.
(١٥) انظر ترجمته في تاريخ ثغر عدن ٢/ ٤١ - ٤٣ والسلوك ١/ ٣٩٩ وغاية الأمانى في أخبار القطر اليمانى ١/ ٣٣١ وطبقات فقهاء اليمن لابن سمرة الجعدى ٢٢٦ وانظر الأيوبيون في اليمن ١٣١، ١٣٢.
(١٦) تاريخ ثغر عدن ٢/ ٤٣.
(١٧) السلوك ١/ ٤٠١.
(١٨) السابق ٢/ ٤٢٧.
(١٩) ترجمته في طبقات ابن سمرة ٢٣١.
(٢٠) السلوك ١/ ٤٣٩.
(٢١) تاريخ ثغر عدن ١/ ٢٠٠.
المقدمة / 2
حاله غير ذلك؛ إلا أنه كان موجودًا في سنة (٥٨٦ هـ) وتوفى لثلاث بقين من شهر ذى الحجة (سنة ٦٠٩ هـ).
وقال الجندي: كان ابن بطال في مبتدأ أمره كثير التردد بين بلده، وعدن، وجبأ فأخذ عن محمد بن أبي القاسم الجبائى شارح المقامات.
ومنهم: الإمام أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي سالم القريظي (٢٢).
وهو شيخ عمر بن على بن سمرة الجعدي صاحب الطبقات، قال عنه: لديه معرفة تامة في اللغة والعربية، وفي الحديث حافظ مجود، لبث في مجلس الحكم والقضاء بعدن أربعين سنة، أيام الداعى المعظم محمد بن سبأ توفى سنة ٥٨٤ هـ ونعته أبو مخرمة بأنه كان فقيها محدثًا لغويًا متفننًا جامعًا لأسباب الفضائل.
وذكر الجندى وابن أبي مخرمة (٢٣) أن ابن بطال أخذ عنه بعدن في بدء نشأته.
ومنهم: الإمام أبو عبد الله محمد بن على بن إسماعيل بن أبي الصيف اليمنى (٢٤).
من أهل زبيد، جاور بمكة، صاحب كتاب "الميمون" جمع فيه الأحاديث الواردة في فضائل اليمن وأهله وجمع أربعين حديثًا عن أربعين شيخًا من أربعين بلدة، وأكثر أسانيد علماء اليمن تنتهى إليه توفى بمكة (سنة ٦٠٩ هـ) وذكر الجندي أن ابن بطال أخذ عن ابن أبي الصيف، ولزم صحبته، قال: "ورأيت إجازته له وأن تاريخ ذلك سنة إحدى وسمائة" (٢٥). وذكر ذلك أيضًا أبو مخرمة (٢٦).
ومنهم: الإمام رضي الدين الحسن بن محمد الصغاني (٢٧).
وهو اللغوى المشهور صاحب العباب، والتكملة والذيل والصلة، ومجمع البحرين، وغيرها، يعدله ثلاثة وعشرون مؤلفا في اللغة، ونحو أربعة عشر في الحديث، ونحو أربعة في الوفيات، وكتابان في الفقه، وسبعة متفرقة. قال عنه الجندى: "كان إمامًا متضلعا لعلوم شتى، منها النحو، والفقه، والحديث، والفقه بمذهب أبي حنيفة غالبا" (٢٨).
يذكر المؤرخون له أنه قدم اليمن أكثر من مرة، فبعدما حج سنة (٦٠٥ هـ) اتجه إلى عدن سنة (٦٠٦ هـ) ثم غادرها، وعاد إليها سنة (٦١٠ هـ) وهناك سمع من القاضى إبراهيم بن أحمد بن عبد الله بن سالم القريظى، وأخذ عنه جمع من علماء اليمن، وذاع صيته، والتقى بسليمان بن بطال الركبى، وأقام وفي هذا يقول الجندى (٢٩): "قدم اليمن مرارًا، وأقام في عدن، وصحبه ولد الفقيه بطال، سليمان وأقام معه مدة، ثم طلعا إلى بلدهم، فأقام معهم بذى ثور، وأخذ عنه الإمام بطال وغيره" وفي ترجمة بطال (٣٠) ذكر أن الصغانى قدم عليه موضعه، فأخذ كل واحد منهما عن صاحبه مالاق له أخذه عنه. وكذلك ذكر ابن أبي مخرمة (٣١) تبعا للجندي.
_________
(٢٢) ترجمته في تاريخ ثغر عدن ١/ ٣ وطبقات ابن سمرة ٢٢٥.
(٢٣) السلوك ٢/ ٤٢٩ وتاريخ ثغر عدن ١/ ٣.
(٢٤) ترجمته في السلوك ١/ ١٨١ وطبقات الخواص أهل الصدق والإخلاص ١٤١.
(٢٥) السلوك ٢/ ٤٢٩.
(٢٦) تاريخ ثغر عدن.
(٢٧) ترجمته في معجم الأدباء ٣/ ٢١٧ والبلغة في تاريخ أئمة اللغة ٦٣ وبغية الوعاة ١/ ٥١٩ وتاريخ ثغر عدن ٢/ ٥٣ ودول الإسلام ٢/ ١٥٦، ١٥٧ والجواهر المضية ١/ ٢٠١ وشذرات الذهب ٥/ ٢٥٠ والسلوك للجندى ٢/ ٤٣١.
(٢٨) السلوك ٢/ ٢٣١.
(٢٩) السلوك ٢/ ٤٣١.
(٣٠) السابق.
(٣١) تاريخ ثغر عدن ٢/ ٥٤، ٢٠٠، ٢٠١.
المقدمة / 3
كما ذكر الجندى أن ابن بطال انتسخ كتاب التكملة والذيل والصلة، وانتسخه غيره من فضلاء أهل عدن وغيرهم.
وهؤلاء ما تيسر لي الوقوف عليه من شيوخ ابن بطال، وهم أكثر من ذلك بكثير، يدل عليه ما ذكره كل من الجندى وأبو مخرمة (٣٢) من أنه ارتحل إلى مكة فلبث بها أربع عشرة سنة، فازداد علما ومعرفة، ولم يكن يترك أحدًا من الواردين، أو المقيمين لديه فضل يتحقق إلا أخذ عنه.
تلامذته:
أخذ عنه جمع من أعلام اليمن، ويذكر أنه لما عاد من مكة إلى اليمن ابتنى مدرسة في بلده، وقصده الناس من أنحاء اليمن للأخذ عنه، ومنهم:
الإمام الحافظ: أبو الخير بن منصور بن أبي الخير الشَّمَّاخِي (٣٣).
كان إمامًا في الفقه، والنحو، واللغة، والحديث، والتفسير، والفرائض، أخذ العلم في زبيد، ثم سافر إلى مكة، فأخذ عن أصحاب الحافظ السلفي، ويذكر الخزرجي والجندي وأبو مخرمة أنه أخذ عن الإمام بطال بن أحمد الركبي. وقالوا: "لم يكن له في آخر عمره نظير في جودة العلم، وضبط الكتب، وجمعت خزانته مائة أم سوى الختصرات توفى سنة (٦٨٠ هـ) بعد أن بلغ عمره نحوًا من تسعين سنة".
الإمام: أبو الحسن على بن محمد بن عثمان بن أبي الفوارسي القيني (٣٤).
قال عنه الخزرجي: نسبة إلى قين من عك. تفقه في الجبل على الإمام بطال بن أحمد الركبي توفى سنة (٦٨٨ هـ).
الإمام: أبو الخطاب عمر بن مسعود بن محمد بن سالم بن سالم الحميري الأبْيَنِي، ذكره الخزرجي (٣٥)، وقال عنه: كان فقيها صالحًا، متورعًا، متعففًا، ملازمًا للسنة، تفقه بمحمد بن إسماعيل الحضرمى، وعلى بن قاسم الحكمي، وبطال بن أحمد الركبي. كان مدرسًا بذي هريم بالمدرسة النظامية توفى سنة (٦٥٨ هـ).
الإمام عبد الله بن محمد بن قاسم بن محمد بن أحمد بن حسان الخزرجي. قال صاحب العقود: أخذ عن الشيخ بطال ابن أحمد بن على السُّرْدُدِي، ودرس في هريم، في المدرسة التى أنشأها الطواشي نظام الدين مختص. وعنه أخذ الإمام أحمد بن محمد الوزيري [النظم] المستعذب. وهو أحد شيوخ الشيخ أحمد بن على السُّرْدُرِي توفى سنة (٦٥٥ هـ) (٣٦).
الإمام محمد بن سالم بن محمد بن سالم بن عبد الله بن خلف العامري.
الإمام عبد الله بن سالم بن محمد بن سالم بن عبد الله بن خلف العامري.
وهما أخوان، والدهما الشيخ سالم بن محمد، كان من كرام الفقهاء، غلب عليه علم الحديث، تفقه به ولداه محمد، وعبد الله، وقصده جمع كبير من أنحاء اليمن للأخذ عنه، وصحبته، ولما توفى سنة (٦٣٠ هـ) ارتحل ولداه إلى الإمام بطال، فأخذا عنه. ذكره الجندي (٣٧)، وأبو مخرمة (٣٨).
_________
(٣٢) السلوك ٢/ ٤٢٩، وتاريخ ثغر عدن ٢/ ٢٠٠.
(٣٣) ترجمة في السلوك ١/ ٤٥٧ وتاريخ ثغر عدن ٢/ ٧١ والعقود اللؤلؤية ١/ ٢١٧.
(٣٤) ترجمته في العقود اللؤلؤية ١/ ٢٥٣.
(٣٥) العقود اللؤلؤية ١/ ١٣٢.
(٣٦) العقود اللؤلؤية ١/ ١٢٣ وانظر تاريخ ثغر عدن ٢/ ٢٤٤.
(٣٧) السلوك ٢/ ٣٥٢، وانظر طبقات الفقهاء لابن سمرة الجعدي ٢٠١.
(٣٨) تاريخ ثغر عدن ٢/ ٨٦، وانظر طبقات ابن سمرة ٢٠١.
المقدمة / 4
الإمام رضي الدين الصغاني:
وقد سبق أنه لقى الإمام ابن بطال، ونزل في بيته، وأخذ كل منهما عن صاحبه.
الإمام جمهور بن على بن جمهور، صاحب المذاكرة العربية في النحو، ذكره الجندي، وأبو مخرمة (٣٩) وذكر الجندي (٤٠) غير هؤلاء، منفردًا، منهم:
الإمام عمر بن مفلح بن مهتون.
الإمام عبد الله بن على بن أبي عبد الله المرادي.
الإمام يحيى بن إبراهيم بن محمد بن موسى الإبى.
الإمام محمد بن إبراهيم بن محمد بن موسى الإبى.
وذكر من أصحاب الإمام بطال:-
الإمام أبو الحسن على بن محمد بن على بن إبراهيم العامري الْوَعِلَاني. قال الجندي (٤١): "تفقه بالإمام بطال وكان كبير القدر شهير الذكر" وكان يروى عنه النظم المستعذب.
الإمام: عمر بن محمد ابن الشيخ أحمد بن محمد. قال الجندى (٤٢): "كان فقيهًا فاضلًا، تفقه بالوعلاني، وغيره، وربما أدرك الإمام بطالا أيضًا وأخذ عنه، إذ كان جده يصحب الاثنين، أعنى بطالا، والوعلاني، ويقتدى بهما "وكان مع الفقه ذا فراسة وشجاعة".
الإمام أحمد بن محمد بن مفضل بن عبد الكريم بن أسعد بن سبأ الداري: جد السابق (٤٣).
أبناء ابن بطال ممن أخذوا عنه:
الإمام أبو الربيع سليمان بن محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان بن بطال الركبى (٤٤).
ابن المصنف، وصاحب الإمام اللغوى المشهور رضي الدين الصغاني. ذكر الجندي، وأبو مخرمة (٤٥) أنه كان دينا، أريبا، عارفًا، غلب عليه علم الحديث، والأدب، وأن غالب أخذه كان عن أبيه، وعن الصغاني. وقد سبق أنه لقى الصغاني في عدن، واصطحبه إلى بلده، وتوطدت عرى الصداقة بين الصغاني وبين أسرة سليمان، وبخاصة والده المصنف، الذي أخذ عنه الصغاني وأخذ هو أيضًا عنه، كما سبق. وأخذ أيضًا أبناء المصنف عن الصغانى.
وكان سليمان أجمل شباب أهل عصره، وكان الصغاني معجبًا به، لما قدم إليه من سابق فضل ولما لمسه فيه من نجابة وشهامة. ويروى الجندى وأبو مخرمة أن الصغاني حين عاد إلى اليمن سنة ٦٣٧ هـ ونزل في مسجد بن البصرى، كتب إلى سليمان "صلنى معجلا، ولا يصحبك غير زاد الطريق، فعندى عشرة أحمال من الوَرَق
_________
(٣٩) السلوك ٢/ ٤٢٧ وتاريخ ثغر عدن ٢/ ٢٠٠.
(٤٠) في السلوك ٢/ ٤٢٨.
(٤١) السابق ٢/ ٤٣٨.
(٤٢) نفسه.
(٤٣) ترجمته في السلوك ٢/ ٤٣٩، ٤٤٠.
(٤٤) ترجمة في السلوك ٢/ ٤٣٥ وتاريخ ثغر عدن ٢/ ٩٦، ٩٧.
(٤٥) المرجعان السابقان.
المقدمة / 5
والوَرِق" فلما وقف سليمان على الكتاب: بادر بالسفر إليه. فلما وصل إلى منزل الصغاني في مسجد ابن البصري، تلاحقت الوفود عليهما، رجالًا نهارًا، ونساءً ليلًا، بحجة زيارة الإمام الصغاني، وليس لهم من هدف سوى مشاهدة سليمان، وما حباه الله به من حسن خلقة وجمال طلعة، فلما كثر ذلك، واشتهر الأمر، خشى الوالى من الفتنة، فقرر حبسه؛ ليخفيه عن أنظار الناس. فلما عزم الصغاني على الرحيل، أخرجه الوالى، ورحلا معا.
وذكر الجندي، وأبو مخرمة (٤٦) أنه توفى بعد والده بقليل.
الإمام عمران بن محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان بن بطال الركبى.
ابن المصنف، أخذ علم النحو والتصريف عن والده، وكان عالمًا فاضلًا، ذكره الجندي (٤٧).
الإمام إسماعيل بن محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان بن بطال الركبى.
ابن المصنف، أخذ عن والده، وبرع في معرفة القراءات السبع، قال عنه الجندي: وهو آخر من عرفته من أولاد الشيخ بطال يستحق الذكر (٤٨).
أحفاد ابن بطال ممن رَوَوْا عنه:
محمد بن سليمان بن محمد بن أحمد:
ذكره الجندى، وقال: تفقه بعض فقه، ثم درس بمدرسة جده، فوصله بعض دعاة الإسماعيلية، واستدرجه حتى دخل بمذهبه؛ لضعف علمه ودينه، واستمر ذلك وانتشر في ناحية البلد، وفي قومه إلى عصرنا. ومن ذلك الوقت انقطع ذكر الفقه عن ذرية الإمام بطال، ونسبهم الناس إلى السمعلة (٤٩).
النفيس بن عبد الله بن محمد بن سليمان بن بطال:
ابن ابنة الإمام بطال تجمع معه من طريق الآباء، في محمد بن سليمان، فإن عبد الله بن والد النفيس وأحمد ولد الفقيه أخوان. ذكره الجندى (٥٠) وقال عنه: تفقه بجده الإمام بطال، ثم لما توفى جده ارتحل إلى تهامة، وأخذ عن محمد بن إسماعيل الحضرمي، ثم انتقل إلى تعز، في جوار السلطان المظفر. بسبب خلاف نشب بينه وبين عمه، وأولاد شيخه الإمام بطال، فأخذ عنه فقهاء تعز مصنفات جده وشيخه، كالمستعذب وغيره، وكانت وفاته لبضع وسبعين وستمائة، بعد أن تفقه به جماعة.
وللإمام بطال أبناء غير هؤلاء الذين أخذوا عنه، ذكر منهم الجندى وغيره:-
محمد بن بطال بن أحمد بن سليمان:
وكان مولعًا بالرياسة، مهما بالسياسة، متقربًا إلى الرؤساء، ويروى الجندى والخزرجى (٥١): أنه أخذ ولاية المقاليس من الملوك، وأنه أول من فعل ذلك من بني بطال، وأقام مدة، ثم قتله بنو عمه وله إذ ذاك ولد اسمه، محمد، مرهون بالدملوة مع خادم اسمه ياقوت، فأقامه مقام أبيه وساعده، فقوى أمره، واستمر على
_________
(٤٦) المرجعان السابقان.
(٤٧) السلوك ٢/ ٤٣٦.
(٤٨) السابق.
(٤٩) نفسه.
(٥٠) ٢/ ٤٣٧.
(٥١) السلوك ٢/ ٤٣٦ والقعود اللؤلؤية ١/ ٣٩١.
المقدمة / 6
ذلك فترة طويلة، واكتسب أموالًا كثيرة، وصاحب أعيان الدولة، فهرب منه الذين قتلوا أباه. وتوفى سنة (٧٠٩ هـ).
وذكر البهاء الجندي (٥٢) أيضًا ولدا له يسمى إسحاق، ولم يذكر هو ولا غيره من المترجمين شيئًا عنه يستحق الذكر.
كما ذكر الجندى في ترجمة الإمام عمر بن سالم أنه قدم عليهم الجند، فأخذ الإمام عمر عن الجندي كتاب الأربعين للإمام بطال بروايتها له عن التهامى بن بطال مصنفها (٥٣).
ومما ذكر نتبين أن الإمام بطال كان ذا أثر كبير في الحياة العلمية في اليمن، فحين تصدى للتدريس قصده العلماء وطلاب العلم من مختلف الأنحاء اليمنية، كما صحبه أئمة أجلاء رووا عنه مصنفاته وأخذوا عنه، وأجازهم في رواية هذه المصنفات، التى اشتهرت وانتشرت على أيديهم في شتى الأقطار، كما كان في ذريته من أبناء وأحفاد من حمل لواء العلم بعده، فأخذ عنهم العلماء مصنفاته، وانتفع به وبذريته خلق كثير.
وكان علماء عصره يتباهون برواية مصنفاته، فيقول الجندى (٥٤) عن كتابه: الأحاديث الحسان والصحاح الجامعة لما يستحب درسه عند المساء والصباح: "بيني وبينه بروايتها رجلان".
ثناء العلماء عليه:
سأل عنه البهاء الجندى (٥٥)، فأنشدوا فيه:-
وَمَا سُمِّيَتْ سَوْدَاءَ وَالعِرْضُ شَائِنٌ ... وَلكِنَّهَا أُمُّ الْمَحَاسِنِ أَجْمَعَا
وقال: "أتقن القراءات، والنحو، والفقه، والحديث، واللغة. . قصده طلبة العلم من جميع أنحاء اليمن، وجمعت حلقة تدريسه فوق ستين طالبا، يقوم بالمنقطع منهم .. وكتابه المعروف بالمستعذب يدل على ذلك. وأثنى على عائلته قائلًا: البيت الذى قد ظهر فيه الفضل، وانتفع الناس بتصنيف أهله، وانتشر عنهم الفقه انتشارًا مرضيًا: بنو بطال، أولهم جدهم أبو عبد الله محمد بطال بن أحمد".
وقال فيه وفي ذريته بعض علماء عصره (٥٦): أما الفقيه محمد الملقب ببطال، ومن اليه، فهم -ولله دره- في جيد المحاسن، ووسط قلادة بعدت عن المشاين، ووجوههم للصباحة، وألسنتهم للفصاحة، وأيديهم للمسامحة، وعقولهم للرجاحة، فهم بدور المحافل إذا جمعت، وشمس الضحى ما ارتفعت.
ونعته أبو مخرمة (٥٧) قائلًا: أوحد العلماء المشهورين، والفضلاء المذكورين، جمع بين العلم والعبادة والورع والزهادة، فما أحقه بقول القائل:-
وَمَا سُمِّيَتْ سَوْدَاءَ وَالْعِرْضُ شَائِنٌ ... وَلَكِنَّهَا أُمُّ الْمَحَاسِنِ أَجمَعَا
كان إمامًا فاضلًا متقنًا عارفًا بالقراءات، والتفسير، والأصول، والفقه، والنحو، واللغة، وبه تخرج جماعة من الفقهاء، وأخذ عنهم جماعة من الفضلاء.
_________
(٥٢) في السلوك بالرقم السابق.
(٥٣) العقود اللؤلؤية ١/ ٣٩١.
(٥٤) العقود اللؤلؤية ٢/ ٤٣٠.
(٥٥) السلوك ٢/ ٤٢٧.
(٥٦) السابق ٢/ ٤٣٨.
(٥٧) تاريخ ثغر عدن ٢/ ٢٠٠.
المقدمة / 7
وقال عنه السيوطى (٥٨): أتقن النحو، والقراءات، واللغة، والفقه، والحديث باليمن، ثم ارتحل إلى مكة، فازداد بها علما؛ لأنه لم يترك أحدًا ممن لديه فضيلة إلا أخذ عنه .. إلخ.
زهده وورعه وحبه للعلم:
يذكر المترجمون له أنه كان مع كماله في العلم ذا عبادة وورع، وكان في غالب زمانه يختم القرآن في كل يوم وليلة ختمة، وأنه ابتنى مدرسة ببلده، ووقف عليها أرضه وكتبه، وكان يتكفل بحاجة الفقراء من تلامذته.
ويروى الجندى وأبو مخرمة (٥٩) أنه كان بعد أن ينتهى من دروس اليوم، يصطحب تلامذته وأولاده إلى صلاة العصر، وبعد أن يفرغ من الصلاة، يذب بهم إلى النزهة، ويعقد بينهم مسابقات في العدو والوثب، والمصارعة، وهو جالس ينظر إليهم، وأولاده من بينهم، حتى إذا تدانت الشمس للمغيب، انصرف إلى الطهارة، واستقبال القبلة، مع الذكر حتى يصلى المغرب، يتبعه أصحابه في ذلك.
مصنفاته:
أجمع الذين ترجموا لابن بطال على أن له من المصنفات ما يأتى:
١ - كتاب النظم المستعذب في تفسير غريب ألفاظ المهذب وهو كتاب المعنى بالتحقيق، وقد اختلف قليلًا في هذا الإطلاق، فقيل في تسميته: "كتاب المستعذب المتضمن لشرح غريب ألفاظ المهذب" كذا ذكره الجندي (٦٠)، وتبعه أبو مخرمة (٦١)، والزركلى (٦٢)، وكحالة (٦٣). "المستعذب في شرح غريب المهذب. كما ذكره السيوطى (٦٤)، وحاجي خليفة (٦٥)، والبغدادي (٦٦) "المستعذب" كما ذكره الخزرجي (٦٧).
والثابت أن عنوان الكتاب: "النظم المستعذب في تفسير غريب ألفاظ المهذب" كما هو موجود على نسخة الجامع الكبير بصنعاء (٦٣ تاريخ كتاب ١٣٢) وقد كتبت على الصحيح في حياة المؤلف؛ لأن العنوان عليها مذيل بالعبارة: "تصنيف الشيخ الإمام الأوحد بطال بن أحمد بن سليمان بن بطال الركبى أعلى الله درجته، وجزاه عن المسلمين خيرًا" فهذا الدعاء له بإعلاء درجته، يدل على أنه كان لا يزال موجودًا حين كتابة هذه النسخة. وبهذا يكون عنوانها أقرب إلى الصحة.
٢ - "الأربعون حديثًا من الأحاديث الحسان والصحاح، الجامعة لما يستحب درسه عند المساء والصباح". كذا ذكره الجندي (٦٨)، وسماه أبو مخرمة (٦٩): أربعون حديثًا فيما يقال في الصباح والمساء. وسماه السيوطي (٧٠): الأربعين في أذكار المساء والصباح. وكذا ذكره حاجى خليفة (٧١) وسماه البغدادي (٧٢) أربعين فيما يقال في المساء والصباح.
ولعل ما ذكره الجندى أقرب إلى الصحة؛ لأن الركبي كان يميل إلى السجع حتى في عناوين مصنفاته كما هو
_________
(٥٨) بغية الوعاة ١/ ٤٢، ٤٣.
(٥٩) السلوك ٢/ ٤٢٩ وتاريخ ثغر عدن ٢/ ٢٠٠.
(٦٠) السلوك ٢/ ٤٢٩.
(٦١) تاريخ ثغر عدن ٢/ ٢٠٠.
(٦٢) في الأعلام ٦/ ٢١٥.
(٦٣) في معجم المؤلفين ٩/ ٦.
(٦٤) في بغية الوعاة ١/ ٤٣.
(٦٥) في كشف الظنون ١٩١٣.
(٦٦) في هدية العارفين ٢/ ١١٣.
(٦٧) في العقود اللؤلؤية ١/ ١٢٣.
(٦٨) في السلوك ٢/ ٤٣٠.
(٦٩) في تاريخ ثغر عدن ٢/ ٢٠٠.
(٧٠) بغية الوعاة ١/ ٤٣.
(٧١) في كشف الظنون ٥٣.
(٧٢) هدية العارفين ٢/ ١١٣.
المقدمة / 8
واضح في عنوان الكتاب المحقق.
٣ - أربعون في لفظ الأربعين: ذكره الجندي، وقال: لم أقف عليها، بل أخبرني عنها الثقة (٧٣). وبهذا الإطلاق ذكره أبو مخرمة، والسيوطي، وحاجي خليفة، والبغدادي (٧٤).
ويروى أن له شعرًا حسنًا، غير أن الذين ترجموا له، لم يذكروا غير أبيات مفردة، تنبىء عن موهبة ورصانة وإحكام، فقد ذكر الجندي (٧٥) وأبو مخرمة (٧٦) أن له شعرًا حسنًا، وذكرًا منه قوله:
كفاك بموت العارفين بها رزء ... لقد قلتها حقًا وما قلتها هزء
ألم تر أن الله أهلك منهم ... ثمانين جزء ثم أبقى لنا جزء
وقوله:
وطفت بها الأحياء طرا فلم أجد ... أديبًا لبيبا يعرف الخير والشرا
وفاته:
لم يحدد المؤرخون له على وجه الدقة تاريخ وفاة، كما لم يذكروا له على الإطلاق تاريخ مولد. وإنما ذكر الجندي (٧٧) أنه توفى بمنزله في قرية ذى يَعْمِد لبضع وثلاثين وستمائة وتابعه على هذا أبو مخرمة (٧٨)، والسيوطي (٧٩).
وأنفرد حاجي خليفة بأنه توفى سنة ٦٣٠ هـ، وذكر ذلك في أكثر من موضع من كتابه (٨٠) وذكر كل من البغدادي (٨١) والزركلي (٨٢) وكحالة (٨٣) أنه توفى سنة ثلاث وثلاثين وستمائة للهجرة.
وإذا ما عرفنا أن الجندي من أقدم- إن لم يكن أول من ترجم لابن بطال الركبي: كان قوله بالقبول أحرى في إطلاقه لفظ البضع دون تقييد، واتباعه أولى، وبخاصة وقد تابعه أبو مخرمة، والسيوطي.
_________
(٧٣) السلوك ٢/ ٤٣٠.
(٧٤) تاريخ ثغر عدن ٢/ ٢٠٠ وبغية الوعاة ١/ ٤٣ وكشف الظنون ٥٢ وهدية العارفين ٢/ ١١٣.
(٧٥) في السلوك ٢/ ٤٣٠.
(٧٦) في تاريخ ثغر عدن ٢/ ٢٠١.
(٧٧) في السلوك بالرقم السابق.
(٧٨) في تاريخ ثغر عدن ٢/ ٢٠١.
(٧٩) في بغية الوعاة ١/ ٤٣.
(٨٠) في كشف الظنون ٥٢، ٥٣، ١٩١٣.
(٨١) في هدية العارفين ٢/ ١١٣.
(٨٢) في الأعلام ٦/ ٢١٥.
(٨٣) في معجم المؤلفين ٦١٩.
المقدمة / 9
منهجه
صرح ابن بطال الركبي في مقدمة كتاب "النظم المستعذب" بأن من لهم فضيلة السبق في شرح غريب ألفاظ المهذب، اعتمدوا مناهج متفاوتة، في شروحهم، فمنهم من اختصر اختصارًا، فلم يوف الكتاب حقه من البيان، وهو يعنى بهذا ابن البرزي في كتابه: "الأسامى والعلل" وهو رسالة مختصرة في شرح بعض الألفاظ الغريبة والأسماء المبهمة في كتاب المهذب للشيرازي.
ومنهم من توسط في شرحه، فتخير بعض الألفاظ، وترك بعضها، فأخل بأكثر المقصود. ولعله يقصد القلعى في كتابه "اللفظ المستغرب في شرح غريب المهذب" فإنه لم يتتبع كل الغريب في كتاب المهذب، وجعل قسما منه للأعلام الواردة في روايات الشيرازي.
ومنهم من بسط شرحه، غير أنه لم يعول على شرح الغريب، وإنما تناول الأحكام والفروع وضرب في كل مذهب.
فاختط ابن بطال الركبي لنفسه منهجا، يعتمد على استقصاء ألفاظ المهذب، وتناول ما غرب منها بالتحليل اللغوي، مستندا إلى المظان المعتمدة في اللغة، كالمعجمات الكبرى؛ والمصنفات في تفسير غريب القرآن الكريم؛ والحديث الشريف، مراعيا في شرحه "الايجاز والاختصار وحذف التطويل والاكثار".
وهو في تتبعه للألفاظ المستغربة في المهذب: يسلك منهجًا واضحًا، يصدر فيه عن قراءة متأنية مثابرة للكتاب على ترتيبه المشهور في مصنفات الفقه الشافعي، والتى تبتدأ في العادة بكتاب الطهارة ثم كتاب الصلاة، فكتاب الحج، وكتاب البيوع .. إلخ.
فيتابع الركبي هذه الكتب، بما تضمنته من أبواب، على نفس ترتيبها في كتاب المهذب، يبدأ بألفاظ كتاب الطهارة، ثم يتابع الألفاظ في باب الآنية، وباب السواك، وباب نية الوضوء، وباب صفة الوضوء، وباب المسح على الخفين، وباب الأحداث، وباب الاستطابة، وباب ما يوجب الغسل وباب التيمم، وباب الحيض، وباب إزالة النجاسة، على هذا الترتيب، ثم ينتقل إلى ألفاظ كتاب الصلاة، بما تضمنه من أبواب، وهكذا إلى آخر الكتاب.
وبهذا المنهج يندرج في نظام مدرسة الأزهري في شرحه لغريب ألفاظ الشافعي في كتابه "الأم" متتبعا ترتيب كتاب "المختصر" للمزني، وفيه يذكر جملة من كلام الشافعي تشتمل ثناياها على ما يظن فيه غرابة، فيعمد إلى تحليله وتوضيحه بما يزيل عنه غرابته، ويرفع ظواهر إشكاله.
وعلى هذا النحو نسج ابن بطال مادة كتابه "النظم المستعذب" حيث تخير في أثناء قراءته مواطن الغريب،
المقدمة / 10
وأراد تنبيه القارى إليها، فدونها كعنوان لشرحه، ثم اتبعها بشرح لغوى دقيق.
والألفاظ التى يعرض لشرحها لا تقتصر على الألفاظ الفقهية فحسب، بل تتضمن غريب الشواهد، من القرآن الكريم في الآيات التى يستدل بها على الأحكام، وغريب الشواهد، من الحديث الشريف من النصوص التى يستند إليها في توجيه هذه الأحكام.
ومذهبه في عرض الألفاظ الفقهية واحد لا يكاد يختلف، إذ يذكر من قول الشيرازي جملة، يعمد منها إلى لفظ واحد، يأخذ في ذكر مشتقاته، وما يقصد منه في جملته، يبدأ أولا بشرح عنوان الكتاب أو الباب، فيقول مثلا في أول شرحه: من كتاب الطهارة. قوله: "الطهارة: أصلها: النظافة. . . .إلخ (١).
ومن باب الآنية: قوله: "ومن باب الآنية" الآنية: جمع إناء، على أفعلة، مثل كساء وأكسية. . .إلخ (٢).
وقد يتناول لفظ العنوان من غير تقديم له بلفظ "قوله" مثل: "ومن باب نية الوضوء" النية: هى القصد. . . إلخ (٣). هذا إذا تضمن عنوان الكتاب، أو الباب، ما يستوجب التوضيح.
ثم يعين القول قول الشيرازي في المهذب، فيقول مثلا: قوله (٤): "إذا كان الماء قلتين فإنه لا يحمل الخبث" ويأخذ في شرح لفظ "القلة" ولفظ "الخبث" (٥).
وقد ينص على اللفظ المقصود مباشرة، نحو قوله (٦): قوله: "لا يقلد" (٧)؛ قوله (٨): "محضة". . . . .إلخ.
وفي عرضه للشواهد القرآنية الواردة في المهذب، يثبت موطن الشاهد على النحو الآتى:
"قوله" (٩): وقوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ أَذًى﴾ الأذى: هو المكروه الذى ليس بشديد (١٠). . .إلخ.
ويقول في بعض المواطن: قوله تعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ فيه أقوال للمفسرين (١١). . . إلخ. وهذا الشاهد ورد في المهذب (١٢) حيث قال الشيرازي: وأما طهارة الثوب الذى يصلى فيه، فهى شرط في صحة الصلاة، والدليل عليه: قوله تعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾.
وقد لا يصدر الآية بلفظ (تعالى) وهذا ما لا يغفر له، لأنه بهذا يشكل على القارىء الذى لا يحفظ القرآن، فضلا عن ترك التأدب بآداب القرآن الكريم. ومن ذلك قوله: قوله: ﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً﴾ أى: فعلة فاحشة. . . . (١٣) إلخ، قوله: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا﴾ أى: مستقبلها، و﴿شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ أى: نحوه وتلقاءه، قال الشاعر. . . (١٤) إلخ.
أما في عرضه لألفاظ الحديث الشريف، فإن سمته الغالبة: اثبات موطن الشاهد من جملة الحديث في إطار "قوله كذا" غير مميز له من كلام الشيرازي أو من كلام غيره، ومن ثم كان لزامًا عليَّ الفصلُ بين مختلف النصوص في حاشية التحقيق. ومثاله قوله: قوله: "فليرتد لبوله" (١٥)؛ قوله: "يضربان الغائط" (١٦)؛
_________
(١) ص ٩.
(٢) ص ١٧.
(٣) ص ٢٥.
(٤) في المهذب ١/ ٦.
(٥) النظم ص ١٣.
(٦) في المهذب ١/ ٩.
(٧) انظر النظم ص ١٦.
(٨) في المهذب ١/ ١٤ وانظر النظم ص ٢٥.
(٩) في المهذب ١/ ٣٨.
(١٠) في النظم ص ٤٥.
(١١) انظر ص ٦٦ من النظم المستعذب.
(١٢) ١/ ٦١.
(١٣) انظر النظم ص ٧٠.
(١٤) انظر ص ٧٤ من النظم.
(١٥) النظم ص ٣٦.
(١٦) ص ٣٧ من النظم.
المقدمة / 11
قوله: "ييجع منه الكبد" (١٧) وهذا كثير جدا في الكتاب.
وقد يميز الحديث في مواطن قليلة، مثل قوله في الحديث: "العينان وكاء السَّه" (١٨)؛ قوله في الحديث: "بل أنت نسيت" (١٩)؛ قوله ﷺ لأسماء بنت أبي بكر في دم الحيض: "حتيه ثم اقرصيه" (٢٠)؛ قوله ﷺ: "تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه" (٢١).
مصادر النظم المستعذب:
اعتمد ابن بطال الركبي في إخراج كتابه، على مصادر قيمة، صنفها أئمة ثقات، مشهود لهم بالصدارة والحُجِّية في أبواب اللغة وأنواع الغريب، واستند في كل نوع إلى المظان المعتمدة في بابه منها ومال في كثير من مواطن شرحه إلى إسناد كل قول إلى صاحبه، ومنها:
في غريب الفقه:
جعل عمدته أقدم المصنفات في هذا النوع من الغريب، وفي مقدمتها: ما جمعه الإمام اللغوى عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (٢١٣ - ٢٧٦ هـ) في أول كتابه "غريب الحديث" (٢٢) الذي افتتحه، على حد قوله "بتبيين الألفاظ الدائرة بين الناس في الفقه وأبوابه، والفرائض وأحكامها؛ لتعرف من أين أخذت تلك الحروف، فيستدل بأصولها في اللغة على معانيها، كالوضوء، والصلاة، والزكاة، والأذان، والصيام، والعتاق، والطلاق، والظهار، والتدبر، وأشباهها، مما لا يكمل علم المتفقه والمفتى إلا بمعرفة أصوله" (٢٣). وجعل عنوان ما ذكره منها: ذكر الألفاظ في الفقه والأحكام واشتقاقها (٢٤).
وثانيها: كتاب الإمام اللغوى أبي بكر محمد بن القاسم ابن الأنبارى (٢٧١ - ٣٢٨ هـ)، وهو: الزاهر (٢٥) في معاني الكلمات التى يستعملها الناس في صلواتهم ودعائهم وتسبيحهم وتقربهم إلى ربهم، وهم غير عالمين بمعنى ما يتكلمون به من ذلك. وفي مقدمته يقول ابن الأنبارى: "وأنا موضح في كتابي هذا، إن شاء الله تعالى، معاني ذلك كله؛ ليكون المصلى إذا نظر فيه عالما بمعني الكلام الذى يتقرب به إلى خالقه، ويكون الداعى فَهِيما بالشيىء يسأله ربه، ويكون المسبح عارفا بما يعظم به سيده. . . ." (٢٦).
وثالثها: كتاب الإمام اللغوى أبي عبيد القاسم بن سلام (١٥٤ - ٢٢٤ هـ) وهو: غريب الحديث (٢٧) وقد تناول فيه جملة وافرة من الألفاظ الفقهية. اعتمد عليها الركبي إلى حد كبير.
ورابعها: كتاب اللغوى الكبير أبي منصور الأزهري (٢٨٢ - ٣٧٠ هـ) وهو شرح ألفاظ المختصر (٢٨) وهو أقدم المصنفات المتخصصة في شرح غريب الفقه، فقد صنفه أبو منصور الأزهري قبل تهذيب اللغة، خاصة في تفسير ألفاظ الإمام الشافعي، فيما اختصره الإمام إسماعيل بن يحيى المزنى من كلام الشافعي،
_________
(١٧) السابق.
(١٨) السابق ص ٣٤.
(١٩) السابق ص ٣١.
(٢٠) السابق ص ١٢.
(٢١) السابق ص ٦٤.
(٢٢) طبع في ثلاثة أجزاء بتحقيق الدكتور عبد الله الجبوري، في بغداد ١٩٧٧ م.
(٢٣) غريب الحديث لابن قتيبة ١/ ١٥١، ١٥٢.
(٢٤) السابق ١/ ١٥٣.
(٢٥) طبع في جزأين بالعراق بتحقيق الدكتور حاتم صالح الضامن ١٩٧٩ م.
(٢٦) الزاهر ١/ ٩٥.
(٢٧) طبع بحيدر اباد ١٩٦٤ في أربعة أجزاء، ويقوم بتحقيقه الآن الدكتور حسين محمد شرف، وقد صدر عن مجمع اللغة العربية القاهري الجزآن الأول والثاني بتحقيق متميز.
(٢٨) رسالة "دكتوراه" بتحقيق عبد المنعم بشناتى بعنوان "الزاهر" تحت إشراف الدكتور إبراهيم محمد نجا ﵀.
المقدمة / 12
والمشهور في مصنفات الشافعية بمختصر المزني (٢٩).
والمصنفات السابقة تعد بحق أهم المصادر في شرح الألفاظ الفقهية، والمنهل العذب لكل وارد وعدة كل من تصدر للتصنيف في غريب الفقه، على شتى المذاهب.
وخامسها: كتاب الإمام أبى عبد الله محمد بن على القلعى (توفى ٦٣٠ هـ) وهو "اللفظ المستغرب من شواهد المهذب" (٣٠) ويعد من أهم المصنفات التى شرحت غريب كتاب المهذب، وقد تأثر به الركبي إلى حد كبير، وبخاصة وهو يَمَنِىٌّ مثله، وكانا متعاصرين.
وسادسها: كتاب الإمام اللغوي الأديب والفقيه الحنفي أبو الفتح ناصر بن عبد السيد المشهور بالمطرزي (٥٣٨ - ٦١٠ هـ) وهو كتاب "المُغْرِب في المُعَرَّب" (٣١) وضعه المطرزي في شرح ألفاظ الفقه الحنفي، وألفه على نظام المعاجم الحديثة، فاستوعب بطريقته هذه كمًا هائلًا من ألفاظ الفقه. ويعد هذا الكتاب أصلًا للمصباح المنير في غريب الشرح الكبير للفيومي، وقد نقل عنه الركبي في عدة مواطن.
ويضاف إلى ما سبق من مصادر: ما أثبته مسندا من التفسيرات اللغوية التى يذكرها الفقهاء في مصنفاتهم الخاصة بالفقه، كالإمام الشافعي في الأم، وابن الصباغ في البيان، وابن أبى الخير في الشامل، والغزالي في الوسيط. وغيرهم متفرقات في أثناء الكتاب.
في غريب الحديث الشريف:
اعتمد في هذا النوع أوثق المصادر وأشهرها عند أهل اللغة والغريب والحديث، ومنها:
- غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام.
- غريب الحديث لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة.
- غريب الحديث (٣٢) لأبي سليمان حَمَد بن محمد بن إبراهيم الخطابي البستي (٣١٩ - ٣٣٨ هـ).
- معالم السنن: له أيضًا.
- إصلاح خطأ المحدثين: له أيضًا.
- إصلاح غلط أبي عبيد في غريب الحديث لابن قتيبة.
- الغريبين: غريبى القرآن والحديث لأبي عبيد أحمد بن محمد الهروي (توفى ٤٠١ هـ).
- الفائق في غريب الحديث: للعلامة جار الله محمود بن عمر الزمخشري (٤٦٧ - ٥٨٣ هـ).
- شروح صحيح البخاري وصحيح مسلم، وغيرها مما نثر في ثنايا مصنفات غريب الفقه، والمعجمات من شروح لألفاظ الحديث الشريف.
في تفسير غريب القرآن الكريم:
أكثر الركبي من شواهد القرآن الكريم، وقراءاته، وشرح غريبه، واعتمد في شرحه على المصادر الآتية:
_________
(٢٩) مطبوع حاشية على كتاب الأم ط ١ الشعب.
(٣٠) رسالة (ماجستير) بتحقيق ودراسة مصطفى عبد الحفيظ سالم بإشراف الدكتور عبد الغفار هلال.
(٣١) طبع بحيدر آباد ١٣٢٨ هـ ويعاد تحقيقه الآن.
(٣٢) نشر في السعودية بجامعة أم القرى في ثلاثة مجلدات- طبع دمشق ١٩٨٢ ميلادية بتحقيق الأستاذ عبد الكريم العزباوي.
المقدمة / 13
- معانى القرآن وإعرابه لأبي إسحاق الزجاج (٢٣٠ - ٣١٠ هـ).
- الغريبين: غريبى القرآن والحديث للهروي، وكان معتمده في أكثر نقوله.
- تفسير غريب القرآن: لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة.
- تفسير غريب القرآن لأبي بكر محمد بن عزيز السجستاني العزيزي (توفى ٣٠٣ هـ).
- تفسير الواحدي على بن أحمد بن محمد النيسابوري (توفى ٤٦٨ هـ).
وفيما عدا ذلك يعمم في نقله، فيقول: قال في التفسير.
في غريب اللغة بعامة:
تبدت المادة اللغوية في النظم المستعذب صافية نقية، لا تشوبها شائبة، في غالب أحوالها، وذلك؛ لأن ابن بطال صدر في شرحه عن المصنفات اللغوية التى اعتنق مصنفوها مذهب التنقية اللغوية، فلم يثبتوا فيها إلا ما أجمع على صحته أهل اللغة والعربية، ومنها:
تاج اللغة وصحاح العربية للجوهري، وكان هذا المعجم عدته وعتاده، فلا تكاد تخلو مادة لغوية في النظم من نصوص الصحاح، يثبتها كما هي عليه، من غير ما تأليف ولا تحريف، وقد بلغ هذا حدًا كبيرًا جعلني اعتمد الصحاح نسخة ثالثة في التحقيق.
وانبرى إلى أصول الصحاح، ومصنفات النقود عليه، وتكملته، ومن ذلك:
إصلاح المنطق لابن السكيت (١٨٦ - ٢٤٤ هـ). أدب الكاتب لابن قتيبة.
- ديوان الأدب للفارابي (توفي ٣٥٠ هـ).
- التكملة والذيل والصلة للصغاتي الحسن بن محمد بن الحسن (توفى ٦٥٠ هـ).
- العباب له أيضًا.
كما نقل أيضًا عن مصادر هذه المصنفات، مثل:
- العين للخليل بن أحمد الفراهيدي (١٠٠ - ١٧٥ هـ).
- جمهرة اللغة لابن دريد (٢٢٣ - ٣٢٥ هـ).
- تهذيب اللغة- للأزهري.
- البارع لأبي على القالى (٢٨٨ - ٣٥٦ هـ) والأمالي له أيضًا.
- المجمل في اللغة لابن فارس (توفى ٣٩٥ هـ).
وغير هذا من المصنفات اللغوية في أنواع العلوم العربية، كفقه اللغه للثعالبي، وشروح المقامات للمطرزي والشريشي، ورسائل خلق الإنسان، والإبل، والنبات، والفروق اللغوية، والمذكر والمؤنث، ومصنفات النحو التصريف، وغيرها مما تكشف عنه كتاب النظم المستعذب.
وبهذا العرض نستطيع التقرير بأن كتاب ابن بطال الركبي يعد بحق من أفضل المصنفات التى اهتمت بشرح غريب الفقه، وأبسطها من حيث الاستطراد في تفسير المادة وتدعيمها بكثرة النقول عن المصنفات المتعتمدة في
المقدمة / 14
شرح أنواع غريب اللغة، ومن أصحها مادة من قبل اهتمامه بالنقل عن المصادر التى التزمت بما أجمع على صحته علماء اللغة العربية.
كما يعد من أشمل المصنفات في جمع المادة الفقهية بعامة، وفي كتاب المهذب بخاصة.
مظاهر الشرح في النظم المستعذب
تأصيل المعانى:
من أبرز سمات شرح الركبي: اهتمابه برد المعانى إلى أصولها، يفعل هذا مبالغة في توضيح المعنى المراد، بمختلف الوسائل اللغوية، ولا تكاد تخلو مادة من المواد التى تناولها من هذه المحاولات الملحة.
والوسائل المتنوعة التى نلمسها من اللغويين على تفاوت مذاهبهم في رد معانى المشتقات إلى أصولها تسير حسب اجتهاد وميل كل واحد منهم، وذلك؛ لأن اثبات أصول المعانى لهذه المشتقات لا يخضع إلى قياس محدد، ومن ثم نرى تفاوتًا بين هذه الأصول. وقد ثبت هذا في شرح الركبي على عدة صور، منها:
- التنبيه بدء على أصل المعنى، ثم ذكر الاستعمالات التى تؤيد ما يذهب إليه.
وذلك نحو قوله: "أصل العَفو: المحو، يقال: عفا الأثرُ، أى: امّحى وذهب وعفا الربع: امحى رسمُه ودرس، فكأنه مُحى عنه الذنبُ، ولم يكتب عليه (٣٣). وقوله: "أصل الفحش": القبح، والخروج عن الحق، وذلك قيل للمفرط في الطول: إنه لفاحش الطول، والكلام القبيح غير الحق: كلام فاحش، والمتكلم به: "مُفحش" (٣٤) وقوله: "أصل الفجر": الشق، ومنه سمى الفجر، كما سمى فَلَقا وفَرَقا، والعاصى: شاق لعصا الطاعة" (٣٥) وقوله: "تحريم المبتوتة" أصله: من بَتَّ الحبلَ: إذا قطعه، كأنه قطع بالطلاق مواصلتها ومعاشرتها (٣٦) وقوله: "أصل الفطر: الشق، يقال: فطر ناب البعير: إذا انشق موضعُه للطلوع، ومنه قوله تعالى: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ﴾ (٣٧) أى: انشقت، فكأن الصائم يشق صومه بالأكل" (٣٨).
وهذا فيما كان أصل معناه واضحا، ويكاد يجمع عليه أهل اللغة. ولا شك في أنه يعول على الأصل الذى يتصل بالمعنى المراد، لأن مادة (ع ف و) تحتمل أصول معان كثيرة، فمنها مثلا: العفو: بمعنى الكثرة، ومنه قوله تعالى: ﴿حَتَّى عَفَوْا﴾ (٣٩) ومنه الحديث: "أنه ﷺ أمر أن تُحْفى الشوارب وتُعْفى اللحى" (٤٠).
قال الكسائى: قوله: "تعفى" توفر وتكثر (٤١)، وقال الخطابي (٤٢): غلام عاف أى: وافر اللحم، وأصله: من قولك: عفا الشىءُ: إذا كثر، قال الله تعالى: ﴿حَتَّى عَفَوْا﴾ أى: كثروا ونموا: وأنشد أبو عبيدة (٤٣) شاهدا له قول لبيد:
ولكنا نُعِضُّ السيفَ منها ... بأسْوُقٍ عافياتِ اللحمِ كومِ
ومن أصول معانيه أيضًا: الطلب، ومنه قول الأعشى (٤٤):
_________
(٣٣) النظم ص ١٦.
(٣٤) السابق ص ٧٠.
(٣٥) نفسه ص ٥٤.
(٣٦) نفسه ص ١٢٦.
(٣٧) سورة الانفطار آية ١.
(٣٨) النظم ص ١٥٩.
(٣٩) سورة الأعراف آية ٩٥ وانظر مجاز القرآن ١/ ٢٢٢.
(٤٠) غريب الحديث ١/ ١٤٨.
(٤١) السابق.
(٤٢) غريب الحديث ٢/ ٢٩٣.
(٤٣) في مجاز القرآن ١/ ٢٢٢.
(٤٤) ديوانه ص ٧١.
المقدمة / 15
يطوف العُفاة بأبوابِه ... كَطَوْفِ النصارى بِيَيْت الوَثَنْ
ومنه الحديث: "من أحيا أرضًا ميتة فهى له، وما أصابت العافية منها، فهو له صدقة" (٤٥) وفي هذا يقول الزمخشري: كل طالبٍ رزقًا من طائر أو بهيمة أو إنسان: فهو عاف (٤٦). وقبله ذكر ذلك أبو عبيده (٤٧) وغيره (٤٨).
والأصل الذي ذكره الركبي: مجمع عليه من أهل اللغة، كأصل من الأصول المعنوية التى يؤديها يتساهل أحيانا في التعبير، فابن الأثير يقول في العفو: "وأصله: المحو والطمس" (٤٩) ثم يعود فيذكره بمعنى الطلب في الحديث المذكور.
وينقل الأزهري (٥٠) عن ابن الأنباري، أن الأصل في قول الله جل وعز: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ﴾ (٥١): محا الله عنك، مأخوذ من قولهم: عفت الرياحُ الآثارَ: إذا درستها ومحتها. بيد أن ابن الأنباري لم ينص بلفظ "الأصل" وعبارته (٥٢): معناه: درس الله ذنوبك ومحاها عنك. . . . إلخ. وإن كان ابن الأنباري يكثر من التعبير بالأصل فيقول: أصل كذا، ولكنه يريد المعنى، وقد يذكر أكثر من أصل، وهو يريد المعانى.
وبعض اللغويين يدقق ويتحرز في التعبير تحسبا لمثل هذا كالخليل (٥٣) والجوهري (٥٤) وغيرهما. ولا شك في أن الفئة الأولى تميل إلى المذهب الاشتقاقي في الربط بين تفريعات المادة وأصولها (٥٥).
- والركبى متابع في أكثر الأمثلة التى يذكرها من هذا القبيل، فإذا تفرد بعضهم بمذهب ذكره مُسنَدًا إليه، وذلك في نحو قوله: "أصل الحفد: العمل والخدمة، ومنه الحفدة، وهم: الخدم" (٥٦) وقوله: "في تسجية الميت: قال الزمخشري، قال ابن الأعرابي: أصله: الغيبوبة ومنه قوله تعالى: ﴿أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ﴾ (٥٧) أى: ذهبنا وغبنا، فكأن الكافر جار عن الطريق الحق، أو غاب عنه الحق فلم يعرفه، ولم يهد له" (٥٨).
ونلاحظ أنه ذكر حسب تعبيره أصلين في معنى الضلال، وأسند الثاني إلى ابن الأعرابي. وهذا لأن الأصل الأول متفق عليه، قال ابن فارس (٥٩): كل جائر عن القصد: ضال، وكذلك ذكر في المظان اللغوية (٦٠).
وفي المعنى الثاني قال الخطابي (٦١): قال أبو عمر: أصل الضلال: الغيبوبة يقال: ضل الماء في اللبن: إذا غاب، وكذلك: ضل النَّاسِى: إذا غاب عنه حفظه، وهو قوله تعالى: ﴿لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى﴾ (٦٢).
وفي الحديث: "ذروني في الريح لعلى أضل الله" (٦٣) يقال: أضللت الشيىء: إذا غيبته، وأضللت الميت: دفنته.
_________
(٤٥) غريب الحديث ١/ ١٤٨ والفائق ٣/ ٥.
(٤٦) الفائق ٣/ ٥.
(٤٧) غريب الحديث ١/ ١٤٨.
(٤٨) النهاية ٣/ ٢٦٦.
(٤٩) السابق.
(٥٠) تهذيب اللغة ٣/ ٢٢٢.
(٥١) سورة التوبة آية ٤٣.
(٥٢) الزاهر ١/ ٥٣٥ وشرح القصائد السبع ٨، ٢٠، ٢١، ٢٦، ٢٦٤، ٤٨٧، ٥١٧.
(٥٣) انظر العين ١/ ٢٥٨ - ٢٦٠.
(٥٤) انظر الصحاح (عفو).
(٥٥) النظم ص ٨٧.
(٥٦) السابق ص ١٢٤.
(٥٧) سورة السجدة آية ١٠.
(٥٨) النظم ص ١٣٣.
(٥٩) في المجمل ٢/ ٥٦٠.
(٦٠) انظر العين ٧/ ٩ والصحاح (ضلل) واللسان (ضلل ٢٦٠١).
(٦١) في غريب الحديث ١/ ٤٨٤.
(٦٢) سورة طه آية: ٥٢.
(٦٣) الفائق ٢/ ٦٩ والنهاية ٣/ ٩٨.
المقدمة / 16