Европейская мысль XIX века
نزعة الفكر الأوروبي في القرن التاسع عشر
Жанры
كذلك الحال في بلاد الصين، فإن ما في الحياة الصينية من مظاهر السكون وعدم التقدم تجعل تاريخهم مقتضبا ضئيلا على الرغم مما فيه من التعقيد والاختلاط؛ فإن ألوفا من الأعوام تمضي على بلاد الصين لا تسد من فراغ التاريخ أكثر مما تسده أيام معدودة في تاريخ أوروبا الحديث، أو كما يقولون شعرا:
خمسون عاما من حياة أوروبا خير من دورة شمسية في غيرها.
لذلك نرى أن الفكر من طريقين اثنين ذو فائدة كبيرة وشأن عظيم للمؤرخين؛ فإننا إذ ننظر في كل تغير يحدث في الطبيعة، أو تبديل يقع في عالم الحياة الإنسانية نتساءل: أي أثر أحدث ذلك التغير في عالم الفكر؟ وأية فائدة أو ضرر أو تقدم قد أحدث في عقول الناس الذين هم كاشفو خباياه وملاحظو آثاره؟ وهل ضاعف من معلوماتنا؟ وهل زاد إلى مجموعة أفكارنا وآرائنا؟ وهل زادنا بعدا في النظر، وإمعانا في التغلغل إلى صميم الحقائق؟ وهل أوسع من آمالنا وقوى من عواطفنا؟ وبالجملة: هل أضاف جديدا إلى مصالحنا ولذاتنا؟ وهل أوسع من حياتنا الداخلية؛ حياة الفكر، فجعلها أكثر امتلاء وأقل فراغا؟
أما إذا نظرنا في التغير واقعا في الأعمال الإنسانية ونتائجها؛ فإنا نتساءل: ماذا كان أثر الفكر، عالم الحياة الداخلي، في إحداث ذلك التغير؟ وفي هذين السؤالين وحدهما ينحصر واجب المؤرخ إذا ما أراد أن يؤرخ في عالم الفكر الخفي.
ولا أظن أن هنالك ضرورة تقضي علي في هذا المقام أن أبين عن هذا الاصطلاح - اصطلاح الفكر - محيطا بمعناه من كل أطرافه، وفضلا عن بعد ذلك عن الضرورة، فإني أعتقد أن ذلك خارج عن طوق تجاريبنا. وقد يساق الكثيرون إلى المطالبة بتعريف للفكر، أو بيان أكثر من التعريف دقة في إظهار الصلة الواقعة بين الطبيعة والحياة والفكر، على أن أمثال هذه التعاريف يجب أن تترك للقارئ ذاته، إذا ما شعر بأن هناك حاجة تقضي عليه بأن يضع - خلال تفهمه هذا الكتاب
1
وما انطوى عليه - نظريات ذاتية يستخلصها من هذه المسائل في مجموعها.
فوضع أي تعريف في مثل هذه الحال قد يحوطنا بكثير من أسباب التناقض غالبا ما تفضي بنا إلى التهوش والفوضى. وإني لأعتمد في ذلك على ما تؤدي كلمة «الفكر» ذاتها من المعنى عامة غير محدودة بتعريف، على اعتبار أنها تنقل إلى كل من الناس معنى ذاتيا يدركه بنفسه، معنى يؤهل به إلى فهم هذه القضية العامة التي بدأنا البحث بالنظر فيها، أو يسوقه إلى الاعتقاد بوجود عالم خفي يقع وراء عالم الحوادث والحقائق البارزة، حتى يستيقن من أن لذلك العالم الخفي طبيعة دائمة التغير، مستمرة الحركة، أو يدفع به إلى الإيمان بأن هنالك علاقة وصلة بين هذين العالمين، وأن كلا منهما يحدث في نظيره أثرا هو نتيجة عكسية لفعل أحدهما في الآخر.
والعالم الخفي، سواء أكان من ناحية الوجود الزماني، أم من ناحية الخطورة والشأن، هو المقدم على العالم الظاهر، وسواء أكان ما ننسب من المكانة والشأن لحيز الاستدلال والاستنتاج في عالم الفكر، على ما في ذلك الحيز من الجلاء والوضوح، مساويا أو غير مساو لما ننسبه إلى حيز الإحساس والتصور، مشفوعا بحيز الانفعالات غير المدركة، على ما فيه من الغموض والإبهام، فعامة ذا مسائل ليس من الضروري أن نجيب عليها في هذا الموطن؛ إذ يكفي أن نشير إلى وجود عالمي الحياة والفكر؛ ليعرف بذلك الباحثون أننا لا نعني بعالم الفكر تلك الآراء ذوات التعاريف المحدودة الجلية المنظومة في سلسلة ما فحسب، بل نشفعها بعالم الرغبات والانفعالات والإحساس والتصور، تلك التي تؤثر في حياتنا الداخلية، حياة النفس الخالدة، تأثيرها في العالم الخارجي.
وسوف أسوق البحث متحديا هذا المعنى في كل ما سوف أسطر في هذه العجالة من الكلام في تاريخ الفكر، مقصورا على عصر من عصوره وليس في تاريخ الفكر عامة ، سأقصر البحث في تاريخ الفكر الإنساني على هذا العصر
Неизвестная страница