Теория познания и естественная позиция человека
نظرية المعرفة والموقف الطبيعي للإنسان
Жанры
7
على أن الأمر الذي ينبغي أن نتنبه إليه هو أن باشلار كان يتحدث على الدوام من المنظور العلمي، فلم تكن مهمته هي إجراء مقارنة «مطلقة» بين الموقف الطبيعي والموقف العلمي، وإنما كان يبحث في الموقف الطبيعي من حيث مدى تأثيره في تطور العلم، ولقد كان من المتوقع، في هذه الحالة، أن يوجه انتقادا مريرا إلى الموقف الطبيعي عندما يتدخل في مجرى العلم، ويعده عقبة أساسية يتعين على العلم أن يكافحها بلا هوادة.
وعلى هذا الأساس أسهب باشلار في وصف تلك المرحلة التي كان العلماء يخلطون فيها بين مقتضيات البحث العلمي ومقتضيات الموقف الطبيعي، وهي المرحلة التي يسميها «بالفترة قبل العلمية
période préscientifique » والتي تمتد في رأيه حتى القرن الثامن عشر، ففي هذه المرحلة كان العلماء عاجزين عن التفرقة بين البحث العلمي وبين وقائع الحياة اليومية، وكانوا يملئون كتاباتهم وأبحاثهم بحكايات وقصص تنتمي إلى مجال العالم اليومي، ويبدءون دائما بإشارات إلى التجربة العامية المألوفة، ويقفون متعجبين أمام الظواهر الطريفة والملاحظات والمشاهدات المثيرة، وكان التأليف العلمي مختلطا إلى حد بعيد بالصور والمجازات والاستعارات، وفي مثل هذا المجال العيني يستحيل أن يقوم علم بالمعنى الصحيح؛ إذ إن العلم إنما هو انتقال من العيني إلى المجرد، والتجريد - الذي هو تركيب ذهني بحت - يؤلف عالما علميا خاصا يشيد عمدا على نحو منفصل عن التجربة المباشرة، ومن هنا كان قول باشلار: «ينبغي أن تتكون الروح العلمية ضد الطبيعة، وضد ما تدعونا إليه الطبيعة وتلقننا إياه في داخلنا وفي خارجنا، وضد الاندفاع الطبيعي، والواقعة الطريفة المتنوعة، فمن الواجب أن تتكون الروح العلمية عن طريق إعادة تشكيل ذاتها، وهي لا تستطيع أن تتعلم - إزاء الطبيعة - إلا بتنقية المواد الطبيعية وتنظيم الظواهر المختلطة، بل إن علم النفس ذاته لن يصبح علميا إلا إذا أصبح نظريا
discursive
كالفيزياء، وأدرك أننا لا نستطيع أن نفهم الطبيعة إلا بمقاومتها، وأن هذا يصدق على ما في داخلنا مثلما يصدق على ما في خارجنا.»
8
وهكذا كان اعتراض باشلار منصبا - في الواقع - على «الخلط» بين مجالي العلم والتجربة اليومية، لا على هذه الأخيرة في ذاتها ... فإذا اتخذت التجربة اليومية أساسا لبحث علمي كان من الضروري انتقادها، وتدل فكرة المقاومة والتصحيح المستمر - التي أكد باشلار أنها هي المبدأ الأساسي في تكوين الروح العلمية - على أنه يعترف ضمنا بأن التجربة اليومية تفرض نفسها علينا في شتى المجالات، ولكن الدخول في ميدان العلم يحتم علينا أن نقاومها ونصحح أخطاءها، ومجمل القول: إن باشلار - في نقده للموقف الطبيعي - كان يتحدث من منظور العالم، وكان له كل الحق في أن ينتقد العلم المرتكز على الموقف الطبيعي، والعلماء الذين يخلطون بين مقتضيات كل من العلم والحياة اليومية، ويطبقون معايير الثانية على الأول، وكل هذه آراء لا تتعارض على الإطلاق مع ما نقول به من ضرورة الفصل بين المجالين، وعدم محاسبة أحدهما لعجزه عن تحقيق أهداف الآخر. •••
وإذن فمن الضروري أن نفصل بين مجالي الموقف الطبيعي والموقف العلمي، ونتجنب الخلط بينهما، ولكن هذا الخلط قد حدث بالفعل خلال تاريخ الفلسفة، وكان مسئولا عن عدد كبير من الأخطاء التي ارتكبت في ميدان نظرية المعرفة.
ففي الفلسفة القديمة كان الموقف العلمي مندمجا في الموقف الطبيعي، وكان الخطأ الذي ارتكبه الفلاسفة هو أنهم نظروا إلى الموقف الطبيعي على أنه يمثل العلم في الوقت ذاته، ورأوا أن «مقولاته» - كفكرة الجوهر - تعبر أيضا عن الأسس الأولى للعلم، أي إن طبيعة الأشياء تفهم فهما كاملا من خلال الموقف الطبيعي، بحيث لا تحتاج إلى البحث عن أية صورة أخرى لها مخالفة لصورتها في حياتنا اليومية، وهذا هو ما يعلل ظاهرة عدم التفرقة بين الفيلسوف والعالم في العالم القديم.
Неизвестная страница