العسكر يسأل عن الصغيرة من اشتراها ويدفع له ثمنها ويحضرها وكان قد عرف قضيتها من بكرة يومه فما مضت ساعة حتى وصل الفارس والصغيرة على كتفه فما كان إلا أن وقع نظرها عليها فخرت إلى الأرض تعفر وجهها في التراب والناس يبكون على ما نالها وهي ترفع طرفها إلى السماء ولا نعلم ما تقول فسلمت ابنتها إليها وحملت حتى أعيدت إلى عسكرهم.
وكان لا يرى الإساءة إلى من صحبه وإن أفرط في الخيانة ولقد أبدل في خزائنه كيسان من الذهب المصري بكيسين من الفلوس فما عمل بالنواب شيئًا سوى أن صرفهم من عملهم لا غير.
ولقد دخل البرنس أرناط صاحب الكرك مع ملك الإفرنج بالساحل لما أسرهما في وقعة حطين في شهور سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة والواقعة مشهورة تجيء مشروحة في موضعها إن شاء الله تعالى وكان قد أمر بإحضارهما وكان أرناط هذا اللعين كافرًا عظيمًا جبارًا شديدًا وكانت قد اجتازت به قافلة من مصر حين كان بين المسلمين وبينهم هدنة فغدرها وأخذها ونكل بهم وعذبهم وأسكنهم المطامير والحبوس الحرجة وذكروا له حديث الهدنة فقال قولوا لمحمدكم يخلصكم فلما بلغه ﵀ ذلك عنه نذر أنه متى أظفره الله به قتله بنفسه فلما أمكنه الله منه في ذلك اليوم قوى عزمه على قتله وفاءً بنذره فأحضره مع الملك فشكا الملك العطش فأحضر له قدحًا من شراب فشرب منه ثم ناوله أرناط فقال السلطان للترجمان قل للملك أنت الذي سقيته وأما أنا فما أسقيه من شرابي ولا أطعمه من طعامي
1 / 69