ليس لي مالك سواك فأرجو
لدفع العظائم الموبقات
فسلمت عليها وقلت لها: ما الذي أوجب ذهاب عينيك؟ قالت: بكائي على ما فرط مني في مخالفتي الله ومعصيته، وما كان من تقصيري عن ذكره في خدمته، فإن عفاني سيدي عوضني في الآخرة خيرا منها، وإن لم يعف عني فما حاجتي بعين تحرق في النار؟ فبكيت رحمة لها، فقالت: يا سيدي، هل لك في أن تقرأ علي شيئا من كتاب مولاي؛ لأنه قد طال شوقي إليه؟ فقرأت لها هذه الآية:
وما قدروا الله حق قدره
2
قالت: يا صالح ومن خدمة حق الخدمة ؟ ثم صرخت صرخة يتصدع قلب من سمعها وسقطت علي، فأردت إنهاضها فإذا بها قد فارقت دنياها.
الطريق إلى الله
قال السري السفطي: قعدت يوما أتكلم بجامع المدينة، فوقف علي شاب حسن الشباب فاخر الثياب ومعه أصحابه، فوعظت فسمعني أقول في وعظي: «عجبا لضعيف كيف يعصي قويا؟!» فتغير لونه وانصرف، فلما كان الغد جلست في مجلسي، وإذا به قد أقبل فسلم وصلى ركعتين وقال: يا سري؟ سمعتك بالأمس تقول: «عجبا لضعيف كيف يعصي قويا» فما معناه؟ فقلت: لا أقوى من المولى ولا أضعف من العبد وهو يعصاه، فنهض وخرج، ثم أقبل في الغد وعليه ثوبان أبيضان وليس معه أحد وقال: يا سري، كيف الطريق إلى الله تعالى؟ فقلت: إن أردت العبادة فعليك بصيام النهار وقيام الليل، وإن أردت الله عز وجل فاترك كل شيء سواه تصل إليه، ولا تسكن إلا المساجد والخرائب والمقابر، فقام وهو يقول: والله لا سلكت إلا أصعب المسالك والطرق، وولى خارجا.
فلما كان بعد أيام أقبل إلي غلمان كثيرة فقالوا: ما فعل أحمد بن يزيد الكاتب؟ فقلت: لا أعرفه، إلا أن رجلا جاء بصفة «كذا وكذا» فجرى معه «كذا وكذا» ولا أعلم حاله، فقالوا: بالله عليك، متى عرفت حاله عرفنا ودلنا على داره، فبقيت سنة لا أعرف خبرا، فبينما أنا ذات ليلة بعد العشاء جالس في البيت، وإذا بطارق فأذنت له بالدخول، فإذا أنا بالفتى وعليه قطعة من كساء في وسطه وأخرى على عنقه وبيده زنبيل فيه نوى، فقبل بين عيني وقال: يا سري، أعتقك الله من النار كما أعتقتني من رق الدنيا، فنظرت فأومأت إلى صاحبي أن أمضي إلى أهله فأخبرهم، فمضى، فإذا بزوجته قد أقبلت ومعها ولده وغلمانه، فدخلت وألقت الولد في حجره وعليه حلي وحلل وقالت له: يا سيدي، أرملتني وأنت حي، وأيتمت ولدك وأنت حي.
قال السري: فنظر إلي وقال: يا سري: ما هذا وفاء؟ ثم أقبل عليهما وقال: والله إنكما لثمرة فؤادي وحبة قلبي، وإن هذا ولدي وأعز الخلق علي، إلا أن هذا السري أخبرني أن من أراد رضا الله انقطع عما سواه، ثم نزع ما على الصبي وأراد أخذ ما معه فقال المرأة، والله لا أقدر أن أرى ولدي في هذه الحالة، وانتزعته منه، فحين رآها قد اشتغلت به نهض وقال: قد ضيعتم علي ليلتي، بيني وبينكم الله، وولى خارجا، فضج أهل الدار بالبكاء فقالت المرأة: إن عاد يا سري أو سمعت عنه خبرا فأعلمني إن شاء الله.
Неизвестная страница