فلما تغمري ركابي من النيل،، واستذرت بظل المقطم، ألقيت عصا التسيار، واستقرت بي النوى، وخفت ظهورهن من الرحال، وأرحتهن من الحل والترحال، وقلت: ضالتي المنشودة، وبغيتي المقصودة، هاهنا ألبث وأقيم، فلا أبرح ولا أريم، "بلذة طيبة ورب غفور". وحيث التفت فروضه وغدير، وخورنق وسدير، وظل ظليل، ونسيم عليل.
وكم تمنيت أن ألقى بها أحدا ... يسلى من الهم أو يعدى على النوب
فما وجدت سوى قوم إذا صدقوا ... كانت مواعيدهم كالآل في الكذب
وكان لي سبب قد كنت أحسبني ... أحظى به فإذا دائي من السبب
فما مقلم أظفاري سوى قلمي ... ولا كتائب أعدائي سوى كتبي
ولم تطل مدة اللبث حتى تبينت بما شاهدته أنى فيها مبخوس البضاعة، موكوس الصناعة، مخصوص بالإهانة والإضاعة؛ وأن عيشها الرغد، مقصور على الوغد، وعقابها المر، موقوف على الحر، فلو تقدمت فعلمت ذلك لخف عنها مركبي وصرفت إلى سواها وجه مطلبي، ولكان لي في الأرض مرمى شاسع، ومنتاب واسع، بل تثبطت، حتى تورطت، حتى عوملت بما يعامل به ذوو الجرائر والذنوب، وجرعت من المذلة بأوفى ذنوب. هذا مع ما حبرته من المدح التي اشتهرت شهرة الصباح، وهبت هبوب الرياح، ولهج بها الحادي والملاح.
فسار بها من لا يسير مشمرا ... وغنى بها من لا يغني مغردا
Страница 13