وقد دارت بينه وبين تلك اللعوب محادثة قصيرة باللغة الفرنسوية، فأفهمها بأنه وإن كان يجيد هذه اللغة إلى حد بعيد، فهو ليس من سكان العاصمة؛ لأنه ذو أراض واسعة في مديرية الشرقية، وما جاء إلى القاهرة إلا لأخذ رخصة من نظارة الأشغال العمومية ببناء عزبة وتركيب وابور بخاري على النيل، فزاد رغب الفاتنة فيه نظرا لما هو مشهور عن كرم المزارعين في محال اللهو والزهو.
وما حانت الساعة الثانية إلا وقد اتفقا على أن يشرفها حافظ بزيارته إياها في تلك الليلة، فلبى طلبها مظهرا لها أنه قتيل حبها وصريع هواها.
ولا ريب أن تلك اللعوب لم يخدعها إلا الحلي التي رأتها على حافظ، فظنت ما ظنت وتاهت في بيداء الأحلام الحلوة والأماني اللذيذة.
ولما أقفلت القهوة أبوابها وغادرها كل من فيها، انسل حافظ إلى الخارج ووقف أمام الباب منزويا داخل عربة، حتى إذا ما خرجت الغادة المشار إليها دعاها إليه فركبت معه وسار إلى المنزل العامر.
وكأن حافظ أراد أن يطرد ما يجيش في صدره من الهموم والخوف من الوقوع مرة أخرى في أيدي البوليس والرجوع إلى النوم على «الأسفلت»، فطلب خمرا جيدة فجيء بها إليه، وأخذ يشرب وفاتنته بين لهو ولعب كأنه لم يكن أمس سجينا تحت رحمة القضاء.
وما حانت الساعة الرابعة من الصباح حتى أنهك التعب قوى الفتاة الأوروبية، فاضطرت إلى الرقاد وتظاهر حافظ بالنوم أيضا، ولكن هيهات لمثله أن ينام في مثل ذلك المنزل، ولذلك صبر عليها حتى أيقن من أنها استغرقت في النوم، ثم خف إلى الباب وخرج منه دون أن يدري أحد بعد أن نزع كل ما اشتراه من المصوغات الكاذبة، ووضعه على مائدة الشراب فوق ورقة كتب فيها ما يأتي:
عزيزتي ...
لا تغتري بأي كان لأول مرة، فالإنسان كالدنيا دائما يغر في الابتداء ويسيء في النهاية.
لو شئت أن أسيء إليك لاستطعت، ولكنني لا أميل إلى الشر ولا أرغب في إيذاء أحد من عباد الله فنامي براحة وسلام.
إذا استيقظت فلا تعجلي في تفقد أمتعتك ومصوغاتك، فكلها سليمة لم تمسها يدي، بل زدت عليها جميع ما كان معي من المصوغات الكاذبة لتكون لديك تذكارا من «العاشق الظريف».
Неизвестная страница