ح :
حسنا. (ثم التفت إلى الوجيه الريفي وقال): أنت تعلم أن رتبة ميرميران عالية تشرف حاملها وتمنحه لقب باشا، فإذا ما سلمتك براءة واحدة منها وجب عليك أن تكون مثال الاستقامة والشرف والصدق بين الناس.
غ :
أنا كده برضه.
ح :
وعليه، فأنا أقلدك من الآن سيف الباشوية العظيمة الشأن. (ثم وقف وتناول سيفا كان موضوعا إلى جانبه، وهو من سيوف مراسح التمثيل المزركشة بالحجارة العاطلة التي تصنع من الزجاج ليكون ذا رونق وهاج، وبعد أن لثمه منطقه به وقال):
أهنئ سعادتكم برتبة الباشوية العظيمة الشأن (فتبسم الرجل من صميم فؤاده، وكاد أن يغشى عليه من شدة الطرب، حتى لجم السرور لسانه وأجرى دمعة من عينه فلم يسعه غير تقبيل يد دولة المندوب، ثم أشار دولته إليهما بالخروج، فخرجا بعد أن لثما أنامله الشريفة). (ولما وصلا إلى القاعة الثانية قال له: ما رأيك الآن؟ وأين هو المبلغ الذي ستتبرع به لسكة الحجاز حتى يعطيك دولة المندوب البراءة؟ فأخرج الباشا الجديد من جيبه كيسا من القماش داخله خمسمائة جنيه، وقال: هذا مبلغ كذا أتشرف بتقديمه لدولة المندوب. فأشار عليه تلميذ حافظ أن يعطيه إليه بيده، فأدخله عليه ثانيا، وتقدم «الباشا» ولثم يد المندوب ثانية، وقال له: أتشرف يا دولة الباشا أن أقدم لكم خمسمائة جنيه لسكة الحجاز.)
ح :
بورك في همتك يا باشا. وقد كنت أود أن أعطيك البراءة الآن ولكنها موجودة داخل صندوق لم أفتحه بعد، فلهذا أرى من الأوفق أن تترك سيف الباشاوية هنا، ثم تحضر غدا في مثل هذه الساعة لأخذه والبراءة معا، وإني أهنئك سلفا. (فأطاع الغني الأمر وأرجع السيف وكأن روحه خرجت عند ذلك، ثم ودع وعاد مع تلميذ حافظ من حيث أتيا على أن يعودا معا غدا إلى فندق شبرد لاستلام البراءة والسيف.) (وفي غد انتظر الغني المغفل عودة تلميذ نابغة المحتالين، فكان حظه حظ الذين انتظروا القارظ العنزي من قبل.) (ولما طال أمد الانتظار عليه، ذهب بنفسه إلى فندق شبرد وسأل عن دولة المندوب السامي فلم يجد من خدمة الفندق إلا السخرية والاستهزاء، فعجب للأمر كثيرا وكان ندمه شديدا عندما علم أن الأمر حيلة جازت عليه.)
ومما يذكر من نوادر حافظ عن الرتب والنياشين أن أحد أغنياء الريف شكا إليه سوء حظه في الرتب، وأنه سعى كثيرا للحصول على الرتبة الثانية فلم ينجح، فبعد أن أطرق حافظ قليلا قال له: إن الغرض الذي ترمي إليه من الرتبة أن تلقب بعزتلو بك؟ أجاب: نعم. فقال حافظ: إذن لا تهمك تلك الورقة التي تدعى بالبراءة؟ أجاب: نعم، لا تهمني مطلقا لأنها ليست وساما يزين صدر الإنسان.
Неизвестная страница