كان للمعتضد جارية أديبة ظريفة، كاتبة، فصيحة العبارة، لطيفة الإشارة، عارفة بأساليب الغناء، وكان قد أهداها إليه مجاهد العامري، فمال إليها ميلا شديدا وشغف بها شغفا زائدا حتى إنها ألهته عن بعض أموره، وكانت من توقد قريحتها وحضور بديهتها ترتجل الشعر والأمثال، فبينما كانت يوما نائمة في بيتها وكان المعتضد سهران دخل عليها وهي نائمة فقال:
تنام ومدنفها يسهر
وتصبر عنه ولا يصبر
فانتبهت من نومها وأجابته بديهة:
لئن دام هذا وهذا له
سيهلك وجدا ولا يشعر
المعتمد بن عباد والرميكية
ركب المعتمد في النهر ومعه ابن عمار وزيره وقد زردت الريح النهر، فقال ابن عباد لوزيره: أجز «صنع الريح من الماء زرد»، فأطال الوزير الفكرة، فقالت امرأة من الموجودات على ضفة النهر: «أي درع لقتال لو جمد». فتعجب ابن عباد من حسن ما أتت به مع عجز ابن عمار ونظر إليها فإذا هي غاية في الحسن والجمال، فأعجبته، فسألها: أذات بعل أنت؟ قالت: لا، قال: وما اسمك؟ قالت: الرميكية، فتزوجها وولدت له أولادا.
حماد الراوية والخليفة يزيد
قال حماد الراوية: كنت محبا للوليد بن عبد الملك، فلما ولي أخوه يزيد الخلافة هربت إلى الكوفة، فبينما أنا في المسجد الأعظم إذ أتاني رسول محمد بن يوسف الثقفي، وقال: أجب الأمير، فدخلت عليه، فقال: ورد كتاب أمير المؤمنين علي يحملك إليه، وبالباب نجيبان فركب أحدهما ودفع إلي كيسا فيه ألف دينار، وقال: هذه نفقة لمنزلك، فدخلت دمشق في اليوم الثامن واستأذن لي الرسول فدخلت عليه فإذا هو جالس في دار مبلطة بالرخام الأحمر وفيها سرادق وسط قبة حمراء، وعلى رأسه جاريتان بثياب حمراء بيد إحداهما إبريق وبيد الأخرى نبيذ، فلما قابلته قال لي: ادن يا حماد، أتدري فيم بعثت إليك؟ قلت: لا، يا أمير المؤمنين، قال: في بيت شعر ذهب عني أوله، قلت: من أي بحر أو قافية؟ قال: لا أدري إلا أنه بيت فيه (إبريق)، فقلت في نفسي: الآن وقت إجهاد الفكرة، ففكرت ساعة ثم قلت: نعم، يا أمير المؤمنين، لعله قول التبع اليماني:
Неизвестная страница