والوجه الثاني: أنه يلزمه أن يطلق على الاسم التكبير والتحميد والتنزيه
والتقديس، وغير ذلك من المعاني المقصود بها الله ﷿، فيقول: كبرت اسم ربي، واسم ربي أكبر، وغير ذلك مما أجمع المسلمون على تركه، ولم يؤثر عن أحد من السلف والخلف، رحمة الله عليهم.
والقول السديد في ذلك - والله المستعان - أن نقول: الذكر على الحقيقة محله القلب لأنه ضد النسيان، والتسبيح نوع من الذكر، فلو أطلق الذكر والتسبيح لما فهم منه إلا ذلك، دون اللفظ باللسان، والله ﷿ إنما تعبدنا بالأمرين جميعًا، ولم يتقبل من الإيمان إلا ما كان قولًا باللسان، واعتقادًا بالجنان، فصار معنى الآيتين في هذا: اذكر ربك أو سبح ربك، بقلبك ولسانك، وكذلك أقحم الاسم تنبيها على
هذا المعنى حتى لا يخلوا الذكر والتسبيح من اللفظ باللسان، لأن الذكر بالقلب متعلقه بالمسمى المدلول عليه بالاسم دون ما سواه، والذكر باللسان متعلقه اللفظ مع ما يدل عليه، لأن اللفظ لا يراد لنفسه.
فلا يتوهم أحد أن اللفظ هو التسبيح دون ما يدل عليه من المعنى، هذا ما لا يذهب إليه خاطر، ولا يتوهمه ضمير فقد وضحت تلك الحكمة التي من أجلها أقحم ذكر الاسم، وأنه به كملت الفائدة وظهر
الإعجاز في النظم والبلاغة في الخطاب.
وهذه نكتة لمتدبرها خير من الدنيا بحذافيرها، والحمد لله على ما فهم وعلم.
ومما غلطوا من أجله قوله ﷿: (مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا) .
والمعبود هو المسمى.
والجواب: أنهم ما عبدوا إلا المسميات، ولكنهم عبدوها من أجل الأسماء
المفخمة الهائلة التي اخترعوها لهم، كاللات والعزى، وتلك أسماء كاذبة غير واقعة على حقيقة، فكأنهم لم يعبدوا إلا الأسماء التي اخترعوها.
وهذا من المجاز البديع الغريب وكذلك قامت الحجة عليهم، ولو كانت الأسماء ها هنا هي المسميات لقلت
فائدة الكلام، ولخلا عن الإعجاز والبلاغة هذا النظام.
1 / 35