ولعل القارئ يقول مسائلا: إن نابوليون كان يهتم بملك روما وماري لويز وهو في شرفة العز والمجد، فكيف صارت حاله عندما بدت دلائل الشؤم إبان تلك الحملة؟
إن حاله مع ابنه وزوجته لم تتغير؛ فقد بقي يفكر فيهما وينتبه لأصغر شئونهما ويعنى براحتهما مع كل المصائب الفادحة التي كانت تدور به من كل صوب، وهاك بعض ما كتبه لكامباسريس المستشار الإمبراطوري الأكبر سنة 1913؛ أي بعد نزول نازلة روسيا على رأسه: «يجب على الوزراء ألا يخبروا الإمبراطورة بما يحدث لها قلقا أو حزنا.»
وكتب إلى مربية ابنه بعد معركة درسد: «يسرني أن ابني ما برح يزداد نموا فيزيدنا آمالا، ولا يسعني إلا إظهار الرضى والارتياح إلى عنايتك به.»
وكان شوق نابوليون إلى رؤية زوجته أيام تلك الحرب الهائلة شديدا حارا، فرغب إليها أن تلاقيه في مدينة مايانس، فسافرت إليها في 26 يوليو من ذاك العام، وذكر كولنكور تلاقيهما فقال: «إن نابوليون حدثني عن هذا التلاقي، فاظهر تحمس الشباب، وبرقت أسرته فلم أعد أرى عليه ما ظهر لي في أوائل الحديث من دلائل الهم والقلق والتأثر.»
ولما خاب أمل نابوليون بالسلام، وعقدت دول أوروبا العظمى تحالفا آخر لمقاتلته بعد الحرب الروسية بقي يهتم بأقل الأشياء المتعلقة بماري لويز، ومما كتبه يوما: «لقد ساءنى أن ترتيب حفلة 15 أغسطس كان مختلا، وأن الإمبراطورة بقيت حينا طويلا وهي تسمع موسيقى تمجها الآذان.»
ولما قامت بعدئذ المعارك الشهيرة المعروفة ب «حرب فرنسا» وظهر نبوغ نابوليون في أعظم مظاهره فقاوم أوروبا كلها بثلاثين ألف رجل، كان نابوليون مع ذاك الموقف الهائل يفكر في عزيزته «لويز» فقد كتب يقول: «نزهوا خاطر الإمبراطورة فهي تذوب كمدا ...»
ثم كتب بعد أن ساء طالعه: «لا تدعوا الإمبراطورة وملك روما يقعان في قبضة العدو، فأنا أفضل أن يذبح ابني على أن يربى في بلاط النمسا كأمير نمسوي، وأظن أن الإمبراطورة على هذا الرأي.»
وكان نابوليون يضع راحته البيتية وكرامته الشخصية فوق كل شيء، بدليل ما كتبه في إبان تلك الحوادث الجلى قال: «إياكم والأقوال التي يؤخذ منها أني أطلب حماية الإمبراطورة أو حماية أبيها، فإنها تكدر صفاء راحتها وتفسد جميل خلقها ...»
وبعد أن استنفذ نابوليون كل مواهبه ومعارفه الحربية في قتال عدو كان أضعاف أضعاف رجاله، وبعد أن خذله جماعة من كبار قواده فاضطر إلى التنازل في مونتبلو، لم يبق له من تعزية إلا التفكير في زوجته وابنه، وعند سفره إلى جزيرة ألب قال لأمينه: «يمكنني أن أعيش سعيدا مع ابني وزوجتي في تلك الجزيرة.» وعلى أثر توديعه للحرس ذاك التوديع المشهور الخالد، كتب إلى ماري لويز يقول: «أيتها الصديقة، إني سأقضي الليل في بريار ثم أسافر غدا إلى سان تروبيز، فآمل أن تساعدك صحتك على الصبر والتجلد وأن تتمكني من المجيء إلي ... أودعك أيتها العزيزة ويمكنك أن تعتمدي دائما على زوجك وشجاعته وسكون جأشه وصداقته لك.»
الفصل الخامس عشر
Неизвестная страница