وكان نابوليون في ذاك الوقت إمبراطورا للفرنسويين، ونجم سعده يتلالأ في سماء العالم، وجوزفين ممتعة بمجده على ذاك العرش الأسني، إلا أنها تجاوزت حد الصواب والحكمة في بذل المال، وكثيرا ما شكا الإمبراطور نابوليون من إسرافها.
قالت الآنسة أفريلون التي كانت في حاشيتها: «إن الإمبراطور كان ينحي باللائمة على الإمبراطورة؛ لأنها لم تكن تحسب حسابا للمال، ولم تكن تجد من الشجاعة ما يساعدها على رفض أي تاجر يعرض عليها بضاعته.»
وقال كونستان في مذكراته: «إن تبذير الإمبراطورة جوزفين كان في كل آن مدعاة لتكدير صفاء الإمبراطور.»
وحدث يوما أن الإمبراطور علم بوجود عجز مالي قدره مليون فرنك في ميزانية جوزفين فغضب قائلا: «هذا كله لقصاصات من الأقمشة! ... لتركها النصابين المحتالين يبتزون الأموال! ... إنه لمن الواجب أن أقفل بابي دون كل تاجر.»
ولقد أثرت أعمال جوزفين في أحكام نابوليون من وجه عام على السيدات بدليل قوله يوما في مجلس الدولة: «إن النساء لا يشتغلن إلا بالملاهي والملابس، أفليس من الواجب أن يضاف على القانون أن المرأة لا يحق لها أن تقابل من لا يريده زوجها؟»
وليس في وسعنا أن ننبئ بما كان ممكن الحدوث لو اجتنبت جوزفين قلة الاكتراث ثم تنزهت عن ارتكاب الهفوات والفضائح وسارت على النهج القويم في نفقتها، فقد كان من الممكن المحتمل أن تتوثق عرى الحب بينها وبين نابوليون، وألا ينقلب ذاك الحب إلى صداقة ذات شكل خاص ليس بينه وبين الحب الحقيقي مضارعة أو مشاكلة، ولكن شاء حظ جوزفين وحظ نابوليون الذي كان يحلم بالعيشة البيتية الخالصة أن يجري ما جرى، فيصبح قلب ذاك البطل هدفا لحب آخر، وإن إمبراطورا عظيما وفاتحا ملأ ذكره البلدان وسجد له أرباب التيجان لا يعدم فتيات من الحسان يتزلفن إليه ويضعن جمالهن بين يديه، ومما لا ريب فيه أنه لقي فتيات من هذا الطراز فأحبهن واتخذ بعضهن خليلات، وربما أراد - كما قال أحد المؤرخين - أن يخبر نفسه في فتح القلوب كما خبرها في فتح البلدان، ولكن هناك أمرا يدلنا على أثر تربيته في حضن أسرته، وهو أنه لم يفعل كما فعل هنري الرابع، أو فرنسوا الأول، أو لويس الرابع عشر، أو لويس الخامس عشر، الذين وضعوا الخليلات تحت أنظار الحليلات، بل كان يفرغ الجهد في إخفاء علاقته بهن عن امرأته الشرعية وحاشيته والسواد الأعظم من الفرنسويين، وكانت تتعالى نفسه عن قبول أي توسط من أية امرأة سواء كان في السياسة أو توزيع الوظائف والمكافآت.
وكانت جوزفين تشتد غيرة عليه وحبا له كلما زاد مجده وسعد جده ، فكأنما صوت سري كان يصرخ في آذانها ويحذرها نتيجة سلوكها الماضي، ولقد أظهرت أشد الغيرة على نابوليون حين رأته يوما يلاطف مغنية من الأوبرا اسمها مدام برانشو، مع أنها كانت عاطلة من الجمال ليس لها من ضروب الجاذبية إلا صوتها المطرب البديع.
وقيل إن قلبه مال إلى فتاة أخرى بارعة الجمال لطيفة الحديث كثيرة اللطائف اسمها «مدموازيل جورج»، إحدى الممثلات في مسرح «الكوميدي فرنسيز»، وأنه التفت بعدئذ إلى سيدات الشرف والقارئات الخصيصات في القصر الإمبراطوري كمدام فاندي وكانت جميلة ظريفة، على أن حب نابوليون لها كان قصير الأمد، ثم مدام جازاني ولم تستمر علاقته بها أكثر من سنة.
ولما سافر نابوليون إلى بولونيا وفتحها سنة 1807 استولى القلق الشديد على جوزفين؛ لأن شهرة الجمال البولوني كانت تملأ فرنسا في ذاك الوقت؛ ولأنها كانت تعلم أن قلب زوجها لم يكن كما عهدته في أوائل عهدهما، فأخذت تكتب إلى نابوليون وتطلب إليه بإلحاح أن يأذن لها في السفر إليه، فسبحان من يغير ولا يتغير!
إن تلك المرأة التي كانت تختلق ألف حيلة لتبقى في باريس أيام كان زوجها يحرز النصر تلو النصر في إيطاليا أصبحت تلح على ذاك الزوج وتتضرع إليه أن يسمح لها بالسفر إليه، وروت الدوقة أبرانتيز أن «جوزفين كانت تستطلع بختها في ورق اللعب لترى هل يدل الورق على السفر أو عدمه.»
Неизвестная страница