وملأت حياضًا، ونورت رياضًا، وأذلت درًا مصونًا، وشرحت صدورًا، وأقرت عيونًا، وألبست الحدائق برودًا عليها طلاوة، وأهدت للزهر قطرًا ظاهر الحلاوة:
ترى فواقعه في الأرض لائحة ... مثل الدراهم تبدو ثم تستتر
فأمسى الناس في عيشة راضية، يرفلون في حلل الرفاهية، أمرعوا بعد الضنك والشظف، وأخصبوا بعد الجدب والطفف، وأصبح محل المحل دارسًا، ووجه الأمل يضحك بعد أن كان عابسًا، وأخذت الأرض زخرفها بعد أن كان زرعها يهيج، واهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، فثغورها مبتسمة، وفرائد قلائدها منتظمة، ونمارقها مدبجة، ورؤوس
أشجارها متوجة، وغدرانها طافحة، ومخايل السعادة عليها لائحة، وألسنة أهلها مشتغلة بشكر علام الغيوب، وقلوبهم مطمئنة بذكره ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾.
يبدئ ويعيد، ويمتحن العبيد، ثم يفتح لهم أبواب جوده الوافر وفضله المديد. ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾.
الفصل الرابع: في الليل والنهار
أرقت ذات ليلة في مهادي، فسمعت طارقًا ينادي في النادي
1 / 15