Золотой совет исламским группам

Ибн Таймия d. 728 AH

Золотой совет исламским группам

نصيحة ذهبية إلى الجماعات الإسلامية

Исследователь

مشهور حسن سلمان

Издатель

دار الراية

Год публикации

1410 AH

Место издания

الرياض

من درر شيخ الإسلام ابن تيمية -أ-

نَصِيحَةٌ ذَهَبِيَّةٌ

إلى

الجَمَاعَاتِ الإِسْلَامِيَّةِ

(فَتَاوَى فِي الطَّاعَةِ وَالبَيْعَةِ)

تأليف

شَيْخِ الإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّة

(٦٦١ - ٧٢٨ هـ)

قَدَّمَ لَهَا وَعَلَّقَ عَلَيْهَا وَخَرَّجَ أَحَادِيثَهَا

مَشْهُورُ حَسَن سَلْمَان

دَارُ الراية

لِلنَّشْرِ وَالتَّوْزِيعِ

1

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

2

نَصِيحَةٌ ذَهَبِيَّةٌ

إلى الجَمَاعَاتِ الإسْلامِيَّةِ

(فَتَاوَى في الطَاعَةِ وَالبَيْعَةِ)

3

جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الأولى

١٤١٠ هـ - ١٩٩٠مـ

دار الراية للنشر والتوزيع

الرياض - الديرة - طريق عمر بن عبد العزيز

هاتف: ٤٩١١٩٨٥ - مصور (فاكس) ٤٠٦٦٩٤٩

ص.ب: ٤٠١٢٤- الرمز: ١١٤٩٩ - مبرقة (تلكس) 480981 -AICO - SJ

4

مقدمة المحقق

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد :

فهذه رسالة ماتعة نافعة، تعرض فيها شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية - رحمة الله تعالى عليه - إلى تحزّب جماعة من المسلمين، حول شخص - سواء كانوا مِنَ الذَّاكرين أم الغافلين، مِنَ الحاكم عليه الهوى أم الوحي - والتعصّب له، وأخذ العهود والمواثيق على طاعته، وعدم مخالفته، وامتثال أمره ونهيه !!

وقد يخطر في بالك - أخي القاريء - تساؤل: هل هذا كائن في المسلمين؟ وفيهم أهل صلاح وتقوى، وعلم وعمل !!

وأقول مجيباً على هذا الاستفسار:

نعم، إن التعصّبَ - قديماً وحديثاً - للمذاهب والطّرق، وللأشخاص والهيئات، وللجماعات والدعوات، أصلُه أمران:

الأوَّل: إن من طباع البشر وأخلاقهم أن لا يجتمعوا على شيء إلا إذا اعتقدوا أنَّ فيه خيراً لهم، وقد يكون هذا الاعتقاد لبعضهم عن نظرٍ

5

واستدلال، أو تجربة واختبار، وللبعض الآخر عن اتباع وتقليد لمن اعتقدوا فيه الفضل والكمال!!

الثاني: إن من طبعهم كذلك: أن يأخذ ما ألفوه بالرّضا والتسليم، ويأنسوا به، فإذا وجدوا لهم مخالفاً فيه، تعصبوا له، ووجّهوا قواهم إلى استنباط ما يؤيّده ويثبته، ويدفع عنه هجمات المخالفين لهم فيه، لا يلتفتون في ذلك إلى تحري الحق، واستبانة الصواب فيما تنازعوا فيه.

ولولا فشوُّ هذا الخُلُق في الناس، لما بقيت الأديان والمذاهب والأحزاب والشّيع، والحقُّ في كلِّ منها واحدٌ، لا تعدد فيه.

وههنا مسألة، لا بد من التصريح بها، وإيضاحها إيضاحاً لا لبس فيه: إِن على العاملين للإِسلام في هذا العصر، تصحيح كثيرٍ من مفاهيمهم وتصوّراتهم:

أولا : تجاه قاداتهم ومسؤوليهم.

ثانيا : تجاه أُطرهم وتنظيمهم ومصطلحاتهم.

ثالثا : تجاه سائر المسلمين.

وقد عالج شيخُ الإِسلام في رسالته هذه الأمر الأوّل والأخير، فتعرّض إِلى حرمة الاعتداء على أحدٍ من المسلمين، وإيذائه بقول أو فعل، بغير حق، وأنه لا يجوز لمن تحزب لمعلّم أَن يطيع أستاذه في عقوبة أحد من سائر المسلمين، بمجرد أنه أمر أو نهى، ولكن لا بُدّ من التثبّت والتمحص. ومن ثم العقوبة بقدر الذّنب بلا زيادة.

وتعرض إلى وجوب التثبت عند حصول منازعة بين معلّم ومعلّم أو تلميذ وتلميذ أو معلم وتلميذ، وحرمة النصرة بجهل وهوى، سواء كان المحق من الأصحاب أم الأبعاد.

ونقول في معالجة الأمر الثّاني:

في صفوف العاملين للإِسلام اليوم مجموعة من المفاهيم التي يجب أن

6

تصحح، وعدم تصحيحها يعني ببساطة: الاستمرار في ترسيخ العوائق التي تفرّق القلوب، وتشتّت الجهود، وتمنع من الاستفادة الجادّة البصيرة من تجارب العاملين للإِسلام في أنحاء الأرض، فضلاً عن الاستفادة من تجارب غيرهم.

وإِنّ من جملة ما يجب تصحيحُه لدى الكثرة الكاثرة من أبناء الحركة الإسلامية :

أوّلاً : مفهوم البيعة .

ثانياً : مفهوم الجماعة.

وقد تعرّض شيخ الإِسلام - رحمه الله - إلى المفهوم الأوّل، فتأمّل معي مقولته :

((وليس لأحد منهم - أي المعلِّمين - أن يأخذ على أحد عهداً بموافقته في كل ما يريده، وموالاة من يواليه، ومعاداة من يعاديه، بل مَنْ فعل هذا كان من جنس جنكزخان وأمثاله الذين يجعلون مَنْ وافقهم صديقاً والي، ومن خالفهم عدواً باغي. بل عليهم وعلى أتباعهم عهد الله ورسوله، بأن يطيعوا الله ورسوله، ويفعلوا ما أمر الله به ورسوله، ويحرموا ما حرم الله)) ولبيان ما نعنيه نقول :

حين وصل العالم الإسلامي بجهله وتخلّفه وتفرّقه إلى هاوية السقوط، تمكّن الغرب من إخضاع معظم أجزاء بلاد المسلمين لسلطانه العسكري والسياسي والحضاري، فكانت الصدمةُ عنيفةً ... فاستيقظ بتأثير الصّدمة رجالٌ أخذوا على عاتقهم دعوة الأمّة إلى النّهوض من عثرتها، وبذلوا جهوداً مشكورةً في عملية إعادة الثقة بالإِسلام، أنه منهج حياة كامل، بعد أن اهتزّت هذه الحقيقة في القلوب والعقول.

استجاب عدد من المسلمين لدعوة أولئك الروّاد، وتجمّعوا حولهم، فَوُلِدَ بذلك ما نسميه «الحركة الإِسلامية المعاصرة» التي ظهرت على السّاحة متمثّلة في عدد من «التنظيمات» ... وكان طبيعياً أَن تتحرّك «التنظيمات»

7

باتجاه دعوة المسلمين إلى الالتفاف حولها، وضمّ جهودهم إلى جهودها، ولكي تقيم الدليل على وجوب التعاون من أجل تحقيق الأهداف الإِسلاميّة عمدت إلى نصوص الاسلام - وهذا حق - تبرز منها ما تعتقد أنه يقيم الحجّة، ويداوي العلل.

وإبراز نصوص معيّنة من الوحي، في ظروفٍ شاذّة، ليس أمراً سهلاً، فهذا العمل يفرض على المتصدّين له أن يكون لديهم علم شرعي، قائم على الكتاب وصحيح السنّة، ومعرفة كافية بالواقع، ضمن ظروف الفترة الزمنية التي تمر بها البشرية، ثم بعد ذلك قدرة على الربط بين النصوص والواقع، بحيث لا يتم إسقاط الواقع بغير علم على نص من النصوص، أو إسقاط نص بجهل على واقع ما، فينشأ عن ذلك انحرافات تتفاوت في درجة خطورتها.

وفي جملة النصوص التي أبرزت في ساحة العمل الإسلامي الحركي، وكان لها نتائجُ تربويّة خطيرة، تلك التي تحض على ((البيعة)) وتأمر بالتزام ((الطاعة والجماعة)).

والنصوص في هذه المعاني كثيرة، فنكتفي بذكر بعضها، مع الإِشارة إلى مكمن الخطر في فهم ما فيها من معان:

روى مسلم في ((صحيحه)) عن ابن عمر رفعه إلى النبي ﷺ:

من خلع يداً من طاعة، لقي الله يوم القيامة، ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتةً جاهلية.

وروى مسلم في ((الصحيح)) أيضاً وأحمد في ((المسند)) والنسائي في ((المجتبى)) من حديث أبي هريرة مرفوعاً:

((من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عميّة، يغضب لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، فقتل، فقتلته جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برّها وفاجرها، ولا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهدٍ عهده، فليس مني، ولستُ منه)) .

8

هذه النصوص، وما ورد في معناها، تطرح قضايا أساسيّة في فهم طبيعة العمل الجماعي في عصرنا ... أبرزها قضيتان:

القضية الأولى: ما البيعة الواجبة التي يأثم المسلم بتركها:

هل هي بيعة الشيخ أو رئيس التنظيم الإِسلامي؟ ومن هو هذا الشيخ أو رئيس التنظيم المؤهل للبيعة؟ فالشيوخ كثيرون، والتنظيمات متعددة !! أم أن هذه البيعة، التي يأثم المسلم بتركها تكون للسلطان المسلم المقيم لشرع الله عزّ وجل؟.

وإذا كان هذا هو المعنى المتعيّن، ولم يكن للمسلمين سلطانهم المؤهّل للبيعة الشرعيّة الواجبة، فهل يلحقهم الإِثم في هذه الحالة؟ أم أنهم يأثمون إذا قام السلطان المسلم ولم يبايعوه؟.

إن الذي يظهر لنا من مجموع نصوص ((البيعة)) أن البيعة الواجبة إنما هي ((بيعة السلطان المسلم)) وهذا الواجب يأثم المسلم بتركه مع القدرة عليه، فإن عجز أو لم تكن الشروط متوافرة انتفى الإِثم، والله أعلم.

والذي دعانا إلى الحديث عن ((البيعة)) كثرة ذكر أحاديث البيعة في العمل الإسلامي الجماعي، وكثير من ((التنظيمات)) تورد هذه الأحاديث للتأثير على الآخرين، وإقناعهم بضرورة الانتظام في صفوفها، فينشأ عن ذلك اقتناع بأن جميع الذين ليس في عنقهم بيعة، كبيعة ((التنظيم)) آثمون، ويُخشى أن يموتوا موتة جاهلية !!.

وهذا خطأ في الفهم يؤدي إلى مواقف متشنّجة.

وأنقل إليك - أخي القاريء - أقوال ثُلّةٍ من العلماء المعروفين، ليزداد الأمرُ وضوحاً، وليظهر الحقُّ جليّاً، دون غموض أو لبس:

قال الإِمام أحمد في ((مسائل ابن هانيء)): رقم (٢٠١١) بعد أَن أورد قوله : ((من مات وليس له إِمام مات ميتة جاهلية)) مجيباً إِسحاق بن

9

إبراهيم بن هانيء، عندهما مسألة: ما معنى هذا الحديث؟ فقال: «تدري ما الإمام؟ الذي يجتمع المسلمون عليه كلهم. يقول: هذا إمام، فهذا معناه».

وقال الكثيري في «فيض الباري» (٤/ ٥٩):

«اعلم أن الحديث يدل على أن العبرة بمعظم جماعة المسلمين، فلو بايعه رجل أو اثنان أو ثلاثة فإنه لا يكون إماماً ما لم يبايعه معظمهم، أو أهل الحل والعقد».

قلت: وعليه فلا ينطبق الوعيد في ترك البيعة الوارد في قوله ﷺ: «من مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية» إلا على الإمام الذي يجتمع عليه المسلمون. أما إذا لم يكن لهم إمام فلا ينطبق هذا الوعيد، يدلّك على ذلك أن النبي ﷺ أرشد حذيفة عند عدم وجود الجماعة والإمام بأن يعتزل، فهل نرى أن النبي ﷺ يرشد حذيفة إلى أن يموت ميتة جاهلية، كلا، وبهذا تعرف خطأ من يتمسك بهذا الحديث فيوجب به مبايعة إمام قبل أن يقوم بالدعوة والبيان، وأن تعرف أن النبي ﷺ لم يبايع الأنصار إلا بعد أن صدع بالحق وبيّن، ولم تكن بيعته هذه إلا على الإيمان وحده، والاستمساك بفضائل الأعمال، والبعد عن مناكرها. وكانت البيعة الثانية تمكيناً للهجرة، وتوثيقاً لموقف الأنصار من الرسول ﷺ، واطمئناناً إلى صفاء الجو في المدينة.

وقال السيد الألوسي في «تفسيره» من تفسير «سورة الجمعة» في باب الإشارة عند قوله تعالى: ﴿ويزكيهم﴾ متكلماً على الرابطة بين المتصوفة، فقال عنهم:

«... وقالوا بالرابطة، ليتهيأ ببركتها القلب لما يفاض عليه، ولا أعلم لثبوت ذلك دليلاً يعوَّل عليه عن الشارع الأعظم ﷺ، ولا عن خلفائه رضي الله عنهم، وكل ما يذكرونه في هذه المسألة، ويعدّونه دليلاً، لا يخلو من قادح. بل أكثر تمسكاتهم فيها، تشبه التمسك بجبال القمر، ولولا خوف الإطناب لذكرتها مع ما فيها».

فأنت ترى هذا العالم الجليل، الواسع الاطلاع، الواقف على ما قال

10

أنصار هذه الطريقة في الاستدلال على الرابطة والتوجّه، لم يعثر لهما على دليل، ولم يُرْضه شيء مما قيل. فهل كانت تخفى عليه مثل الأحاديث السابقة. وهي مشهورة مستفيضة عند المبتدئين في الطلب فضلاً عن أمثاله من المتبحرين الموسوعيين.

وعلى فرض خفائها عليه، فهل تخفى على أمثال شيخ الإِسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - فإنه سئل هل يجوز للمبتديء أن يأخذ على نفسه عهداً لمعلّم بحيث يقوم معه إذا قام بحق أو باطل، ويعادي من عاداه، ويوالي مَن والاه؟ فكان جوابه المسطر في هذه الرسالة، ولم يتعرض للاحتجاج بالأحاديث السابقة مطلقاً، فلو كان هذا مقامها، فإِنها غير خافية عليه، يعلم ذلك المطَّلعُ على كتبه، لا سيما السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرَّعيّة.

ومن ثم ... فإِن ابن عابدين - رحمه الله تعالى - سئل:

رجل من الصوفية أخذ العهد على رجل، ثم اختار الرجل شيخاً آخر. وأخذ عليه العهد. فهل العهد الأول لازم، أم الثاني :

فأجاب كما في تنقيح الفتاوى الحامدية: (٢/٣٣٤) بقوله:

الجواب: لا يلزمه العهد الأول ولا الثاني، ولا أصل لذلك

وكذلك قال السيوطي في الحاوي للفتاوى: (١/٢٥٣) وقال محمود خطاب السبكي في الدّين الخالص: (٦/٢٩٠):

((وأما ما يقع من متصوّفة الزّمان من وضع أيديهم في أيدي الرجال والنساء، ومعاهدتهم على أن يكونوا تلامذة لهم، ليتمشيخوا عليهم، ويشاركوهم في أموالهم تارة، بالأكل في بيوتهم، وتارة بضرب عوائد يدفعونها في وقت معين، كأنها جزية تؤخذ بالجبروت، فهو إِجرام وإفساد خارج عن حدّ الشّرع ولا يقرّه عقل، نسأل الله لنا ولجميع الأمة كمال الهداية، وتمام التوفیق)) .

11

ولم يقتصر الإِنكار على هؤلاء العلماء المتأخرين، بل سبقهم إليه عالم من كبار ثقات التّابعين، هو: مُطَرِّف بن عبد الله بن الشخِّير، فأخرج أبو نعيم في ((الحلية)): (٢٠٤/٢) ومن طريقه الذهبي في ((سير أعلام النبلاء)): (١٩٢/٤) بإسنادٍ صحيح إِلى مُطَرِّف قال:

«کنا نأتي زید بن صُوحان، وکان يقول:

يا عباد الله أكرموا وأجملوا، فإِنما وسيلة العباد إلى الله بخصلتين: الخوف والطمع، فأتيتُه ذات يوم وقد كتبوا كتاباً، فنسقوا كلاماً من هذا النّحو: [إن الله ربُّنا، ومحمداً نبيّنا، والقرآن إمامنا، ومن كان معنا كنا ... وكنا له ... ، ومن خالفنا كانت يدنا عليه، وكنا وكنا] قال:

فجعل يعْرِضُ الكتاب عليهم رجلا رجلاً، فيقولون: أقررتَ يا فلان؟ حتى انتهوا إِليَّ فقالوا: أقررتَ يا غلام؟ قلت: لا.

قال - يعني زيداً -: لا تعجلوا على الغلام، ما تقول يا غلام؟

قلت: إِنَّ الله قد أخذ عليَّ عهداً في كتابه، فلن أُحدث عهداً سوى العهد الذي أخذه علي.

فرجع القوم من عند آخرهم، ما أقرَّ منهم أحد، وكانوا زُهاء ثلاثین نفساً)) انتهى.

وزيد بن صوحان، كان يقوم الليل، ويكثر الصيام، وإذا كانت ليلة الجمعة أحياها، فإِنه كان يكرهها إذا جاءت، مما كان يلقى فيها، فبلغ سلمان ما كان يصنع، فأتاه فقال: أَين زيد؟ قالت امرأته: ليس ها هنا.

قال: فإني أقسم عليك لما صنعتٍ طعاماً، ولبستِ محاسن ثيابك، ثم بعثت إلى زيد. فجاء زيد، فقرب الطعام، فقال سلمان: كُل يا زيد. قال: إني صائم. قال: كل زيد لا ينقص - أو تنقص دينك - إن شر السير الحقحقة - وهو المتعب من السير، وقيل: أَن تحمل الدابة على ما لا تطيقه - إن لعينك

12

عليك حقاً. وإن لبدنك عليك حقاً، وإن لزوجتك عليك حقاً. كل يا زييد. فأكل، وترك ما كان يصنع(١).

ومنه تعلم وجه إِنكار مطرف عليه، فإن زيداً يومها كان من المغالين في الطّاعة، إلا أنه ترك ما كان يصنع، كما تقدّم.

ولم يكن مطرّف من المبتعدين عن الجماعة، فإنه كان يقول - كما في «الحلية»: (٢٠٨/٢): «ما أرملةُ جالسة على ذيلها بأحوج إِلى الجماعة مني».

فإنه - رحمه الله تعالى - كان وقّافاً عند الشّرع، بعيداً عن أهل البدع، فقد أتت الحروريةُ مطرفاً يدعونه إِلى رأيهم، فقال:

يا هؤلاء، لو كان لي نفسان، بايعتُكم بإحداهما وأمسكتُ الأخرى، فإنْ كان الذي تقولون هدىً أَتْبَعْتُها الأخرى. وإِنْ كانت ضلالة، هلكَتْ نَفْسٌ وبقيتْ لي نَّفْس، ولكن هي نَفْسٌ واحدة لا أُغرِّرُ بها(٢).

والحاصل:

إِنَّ القول بأَنَّ إعطاء «البيعة» للمشايخ والجماعات مشروعة للأحاديث الواجبة في بيعة أَمير المؤمنين، مجازفةٌ من القول، وبُعدٌ عن الصّواب، ولا مشابهة بين «بيعة» المشايخ وغيرهم و«بيعة» أمير المؤمنين، لاختلاف آثار البيعتين، فلو كانتا متشابهتين لتفطن إلى ذلك ابن تيمية وابن عابدين والسبكي وغيرهم، ولترتّب على ذلك آثار لا يقول بها عاقل. فضلاً عمّن شمّ رائحاً من علمٍ أو فقهٍ.

بقي بعد هذا أَن نقول:

تجوز البيعة على أمور جزئيّة مشروعة من الإِسلام(٣)، بالأختيار، دون

(١) انظر: «تاريخ بغداد»: (٤٣٩/٨).

(٢) انظر: «طبقات ابن سعد»: (١٤٣/٧) و«سير أعلام النبلاء»: (١٩٥/٤).

(٣) واستثنى بعض العلماء من هذا: المبايعة على الموت، فجعلها خاصة في رسول =

13

أن يكون لها آثار البيعة لأمير المؤمنين، سواء بأخذ العهد على النّفس على التزام طاعة معيّنة مشروعة، أو التزام عملٍ بينه وبين غيره، دون أن يترتّب عليه محظورٌ شرعيّ.

ومن الأوّل:

ما ذكره الإِمام البخاري في التاريخ الكبير: (٣٩/٦) في ترجمة عباد بن ميسرة المنقري التميمي أَنه عاهد الله ليقرأنَّ القرآنَ كلَّ ليلة بألف آية، فإن لم يقرأ أصبح صائماً، فاشتدّ عليه. فأتى ابن سيرين، فقال له:

لا أقول في عهد الله شيئاً، ليوف بعهد الله.

وقال الحسن: لا يكلف الله نفساً إلا ما أطاقت، ليكفّر يمينه .

= الله صلى الله عليه وسلم، فقال الطحاوي في مشكل الآثار: (٨٠/١): (( ... وقال آخرون:

المبايعة على الموت، وهي أشرف البيعات، وهو الذي لا يجوز أَن يُبايع عليه غيرُ رسول الله وَّه، لأَن رسول الله وَل كان معصوماً غير موهوم منه زوال الحال التي بها يثبت بيعته على مبايعته، وغيره ليس كذلك)) قلت: ووقعت المبايعة على الموت لغير رسول الله ( من قبل أكثر من واحد. انظر - مثلاً -: الإصابة: (٤٥٤/١) والمعرفة والتاريخ: (٣١٥/٣) والتاريخ الكبير: (١٢/٥).

واقترح فضيلة الشيخ ابن باز - حفظه الله - أَن يسمي التعاقد ((عقداً)) لا ((بيعة))، فقال في رسالةٍ له بتاريخ ١٤٠٨/٤/١١ هـ لبعض طلبة العلم: ((أما تشد يدكَ في إِنكار البيعة، فقد اقترحت على قادتهم لما اجتمعت بهم في موسم الحج الماضي بمكة - وحصل بيني وبينهم من التفاهم ما نرجو فيه الفائدة - أن يكون (عهداً) بدل (بيعة)، فقبلوا ذلك، ولعلهم تعلقوا بما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الجزء (٢٨) ص (٢١) من الفتاوى، من عدم إنكار ذلك)) انتهى.

واستخدام ((البيعة)) بمعنى ((العهد)) و((العقد)) أمر معروف عند الفقهاء، انظر - مثلاً -: المستصفى في علم الأصول: (٢٤٢/٢ و٢٥١) وشرح ثلاثيات مسند الإِمام أحمد: (٧٠/١) و(٩٢٧/٢) وبهجة النفوس: (٩٢٧/١) وفتح الباري: (٦٤/١) وانظر خلاف أهل العلم فيمن أخذ على نفسه عهداً، ثم لم يفِ به، هل عليه كفارة أم لا؟ في: فتح الباري: (٤٧٤/١١) والهداية: (٧٤/٢) و المغني: (١٩٧/١١) وفقه الإمام الأوزاعي: (٤٨١/١ - ٤٨٢).

14

ومن الثاني:

قول السيدة عائشة - رضي الله عنها - لابن أبي الشائب - قاصِّ أهل المدينة -:

ثلاثاً لتبايعَنِّي عليهنَّ أو لأناجزنَّكَ - أي لأقاتلنك وأخاصمنَّكَ ..

فقال: ما هن؟ بل أنا أبايعكِ يا أم المؤمنين؟.

قالت: اجتنب السَّجع من الدّعاء، فإن رسول الله ﷺ وأصحابه كانوا لا يفعلون ذلك.

[وقال إسماعيل - شيخ الإِمام أحمد الذي روى عنه هذا الأثر - مرّة: فقالت: إِني عهدت رسول اللّه ﷺ وأصحابه وهم لا يفعلون ذلك] وقُصَّ على الناس في كل جمعة مرّة، فإِن أبيتَ فاثنتين، فإِن أبيت فثلاثاً، فلا تملَّ الناسُ هذا الكتاب(١) ولا ألفينك تأتي القوم، وهم في حديث من حديثهم فتقطع عليهم حديثهم، ولكن اتركهم، فإذا جرءوك - أي: قدّموك - عليه، وأمروك به، فحدّثهم.

أخرجه أحمد في ((المسند)) ومسنده جيّد، كما في ((الفتح الرباني)): (٢٨٧/١٩).

ومنه:

قول الإِمام القرطبي في ((تفسيره)): (٣٣/٦) في تفسير قوله تعالى من سورة المائدة: ﴿يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود﴾:

((قال الزجاج: المعنى: أوفوا بعقد الله عليكم، وبعقدكم بعضكم على بعض. وهذا راجع إلى القول بالعموم، وهو الصحيح في الباب. قال ﷺ: ((المؤمنون عند شروطهم)) وقال: ((كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل،

(١) إنما حددت له ذلك عائشة رضي الله عنها، لأنها خشيت أن يصرف الناس عن مدارسة كتاب الله تعالى.

15

وإن كان مائة شرط، فبيّن أن الشرط أو العقد الذي يجب الوفاء به، ما وافق كتاب الله، أي: دين الله، فإن ظهر فيها ما يخالف رُدَّ، كما قال ﷺ: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد».

ذكر ابن إسحاق قال:

اجتمعت قبائل من قريش في دار عبد الله بن جُدْعان - لشرفه ونسبه - فتعاقدوا وتعاهدوا على ألا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها أو غيرهم إلا قاموا معه حتى تُردَّ عليه مظلمته، فسمت قريش ذلك حلف: «حلف الفُضُول» وهو الذي قال فيه الرسول ﷺ:

«لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً، ما أحبّ أن لي به حُمْر النّعم، ولو ادُّعي به في الإِسلام لأجبت».

وهذا الحلف هو المعنى المراد في قوله عليه السلام:

«وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإِسلام إلا شدّة» لأنه موافق للشرع، إذ أمر بالإِنتصاف من الظالم، فأما ما كان من عهودهم الفاسدة وعقودهم الباطلة على الظلم والغارات، فقد هدمه الإِسلام، والحمد لله(١).

قال ابن إسحاق:

تحامل الوليد بن عتبة على الحسين بن علي في مال له - لسلطان الوليد، فإنه كان أميراً على المدينة - فقال له الحسين:

أحلفُ بالله لَتُنْصِفَنِّي أو لآخذنَّ بسيفي ثم لأقومنَّ في مسجد رسول الله ﷺ ثم لأدعونْ بحلف الفضول. قال عبد الله بن الزبير: وأنا أحلف بالله لئن دعاني لآخذنُّ بسيفي ثم لأقومن معه حتى ينتصف من حقّه أو نموت جميعاً. وبلغت المِسْوَر بن مَخْرَمة فقال مثل ذلك، وبلغت عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي فقال مثل ذلك، فلما بلغ ذلك الوليد أنصفه. انتهى.

(١) وانظر: «شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد بن حنبل»: (١٦٢/٢ و١٦٧ - ١٦٨).

16

ومنه:

معاهدة حذيفة وأَبيه الحُسَيل للمشركين في عدم نصرة النبي ﷺ عليهم، بعدم المقاتلة معه.

أخرج مسلم في «الصحيح» وأحمد في «المسند» عن حذيفة بن اليمان قال:

ما منعني أن أشهد بدراً إلا أني خرجتُ أنا وأبي حُسَيْلٌ. قال: فأخذنا كفار قريش. قالوا: إِنكم تريدون محمداً؟ فقلنا: ما نريده. ما نريد إِلا المدينة. فأخذوا منّا عهد الله وميثاقه لننصرفن إِلى المدينة ولا نقاتل معه. فأتينا رسول الله ﷺ فأخبرناه الخبر. فقال: «انصرفا، نَفي لهم بعهدهم، ونستعينُ الله عليهم».

قال ابن القيم في «الهدي»: (٣/١٣٩):

«وكان من هديه: أن أعداءه إِذا عاهدوا واحداً من أصحابه على عهد لا يُضرّ بالمسلمين من غير رضاه، أمضاه لهم. كما عاهدوا حذيفة وأباه الحسيل أَن لا يُقَاتِلاهم معه ﷺ، فأمضى لهم ذلك، وقال لهم: انصرفا، نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم».

ومنه:

مبايعة الإِمام الكبير الشهيد أبي عبد الله أحمد بن نصر بن مالك بن الهيثم الخزاعي المروزي الناس على مباينة من يقول: القرآن مخلوق، ومحاولة القيام بحركة تغييريّة أيام الواثق، وكانت بيعتُه هذه - وزكاها الإِمام أحمد بن حنبل - تجديد العهد على التأصيل. وملك - رحمه الله تعالى - في حركته هذه قلوب أهل بغداد، ووضع رجلاً على الجانب الغربي، وآخر على الجانب الشرقي ممن عاقده وبايعه على القيام بحركته، وتواعد ومَنْ معه في حركته القيام في ليلة الخميس في شعبان سنة إحدى وثلاثين ومائتين لثلاث تخلو منه، وجعلوا علامة ذلك الضّرب بالطبل، فقام قوم من السفهاء بضرب الطبل ليلة الأربعاء قبل الموعد بليلة، وهم يحسبونها ليلة الخميس التي

17

اتّعدوا لها، فأكثروا ضرب الطبل، فلم يجبهم أحد.

وكان إسحاق بن إبراهيم غائباً عن بغداد، وخليفته بها أخوه: محمد بن إبراهيم، فوجّه إليه محمد بن إبراهيم غلاماً له يقال له (رَحش)، فأتاهم، فسألهم عن قصتهم، فلم يظهر له أحد ممن ذكر بضرب الطبل. فدُلّ على رجل يكون في الحمامات، مصاب بعينه. يقال له: (عيسى الأعور)، فهدّده بالضرب، فأقرّ على أبني أشرس - اللذين ضربا بالطبل قبل موعده - وعلى أحمد ابن نصر بن مالك وعلى آخرين سماهم، فتتبع القوم من ليلتهم، فأخذ بعضهم، وأُخذ طالباً - الذي وضعه أحمد بن نصر على الجانب الغربي - وأخذ أبا هارون السّراج - الذي وضعه أحمد بن نصر على الجانب الشرقي - وتتَّبع مَنْ سمّاه عيسى الأعور في أيام وليالٍ، فصُيِّروا في الحبس في الجانب الشرقي والغربي، كلّ قوم في ناحيتهم التي أُخذوا فيها. وقُيِّد أبو هارون وطالب بسبعين رطلاً من الحديد، كل واحد منهما، وأصيب في منزل ابني أشرس عَلَمان أخضران فيهما حمرة في بئر، فتولَّى إِخراجهما رجل من أعوان محمد بن عيّاش - وهو عامل الجانب الغربي وكان عامل الجانب الشرقي العباس بن محمد بن جبريل القائد الخراساني - ثم أُخِذ خصيّ لأحمد بن نصر فَتُهدِّد، فأقرّ بما أقرّ به عيسى الأعور، فمضى إِلى أحمد بن نصر وهو في الحمّام. فقال لأعوان السلطان: هذا منزلي، فإن أصبتم فيه علماً أو عُدَّة أو سلاحاً لفتنة، فأنتم في حلّ منه ومن دمي، ففتش فلم يُوجد فيه شيء، فحمل إِلى محمد بن إبراهيم بن مصعب، وأخذوا خصيين وابنين له ورجلاً ممن كان يغشاه، يقال له: إسماعيل بن محمد بن معاوية بن بكر الباهليّ - ومنزله بالجانب الشرقي - فحمل هؤلاء الستة إلى أمير المؤمنين الواثق. وهو بسامراء على بغال بأكُفٍ، ليس تحتهم وطاء، فقُيّد أحمد بن نصر بزوج قيود، وأُخرجوا من بغداد يوم الخميس لليلة بقيت من شعبان سنة إحدى وثلاثين ومائتين، وكان الواثق قد أُعْلم بمكانهم، وأحضر ابن أبي داود وأصحابه، وجلس لهم مجلساً عاماً ليمتحنوا امتحاناً مكشوفاً، فحضر القوم واجتمعوا عنده.

18

وكان أحمد بن أبي داود - فيما ذكر - كارهاً قَتْلَهُ في الظّاهر، فلما أتيَ بأحمد بن نصر لم يناظره الواثق في الشَّغَب، ولا فيما رُفع عليه من إرادته الخروج عليه، ولكنه قال له: يا أحمد، ما تقول في القرآن؟.

قال: كلام الله، وأحمد بن نصر مُسْتَقْتِل، قد تنوّر وتطيّب.

قال: أفمخلوق هو؟

قال: هو كلام الله.

قال: فما تقول في ربك، أتراه يوم القيامة؟

قال: يا أمير المؤمنين جاءت الآثار عن رسول الله ﷺ أنه قال: ((ترون ربكم كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته))، فنحن على الخير.

فقال له إسحاق بن إبراهيم: ويلك! انظر ماذا تقول!

قال: أنت أمرتني بذلك، فأشفق إِسحاق من كلامه، وقال: أنا أمرتُك بذلك!

قال: نعم، أمرتني أن أنصح له، إِذا كان أمير المؤمنين، ومن نصيحتي له ألا يخالف حديث رسول الله ﷺ.

فقال الواثق لمن حوله: ما تقولون فيه؟

فأكثروا. فقال عبد الرحمن بن إسحاق - وكان قاضياً على الجانب الغربي، فعزل وكان حاضراً وكان أحمد بن نصر ودّاً له -: يا أمير المؤمنين، هو حلال الدّم، وقال أبو عبد الله الأرمنّي صاحب ابن أبي داود: اسقني دمه يا أمير المؤمنين.

فقال الواثق: القتل يأتي على ما تريد.

وقال ابن أبي داود: يا أمير المؤمنين كافر يستتاب، لعلَّ به عامة أو تغيُّر عقل - كأنه كره أن يقتل بسببه -.

فقال الواثق: إِذا رأيتموني قد قمتُ إِليه، فلا يقومن أحد معي، فإني أحتسب خطاي إِليه.

19

ودعا بالصّمصامة - وهي صفيحة موصولة من أسفلها مسمورة بثلاثة مسامير تجمع بين الصفيحة والصّلة - فأخذها، فمشى إليه، وهو في وسط الدّار، ودعا بنطع، فَصُيِّر في وسطه، وحبلٍ فشُدَّ رأسه. ومُدّ الحبل، فضربه الواثق ضربة، فوضعت على حبل العاتق، ثم ضربه أخرى على رأسه، ثم انتضى (سيّما الدمشقيّ) سيفه، فضرب عنقه، وحزّ رأسه.

وقد كُر أن (بُغا الشرابيّ) ضربه ضربة أخرى، وطعنه الواثق بطرف الصَّمْصامة في بطنه، فحمل معترضاً حتى أتي به الحظيرة التي فيها بابك، فصلب فيها، وفي رجله زَوْج قیود، وعليه سراويل وقميص، وحمل رأسه إلى بغداد، فنُصب في الجانب الشرقي أياماً، وفي الجانب الغربي أياماً، ثم حوّل إلى الشرقي، وحُظر على رأسه حظيرة، وضرب عليه فسطاط، وأقيم عليه الحرس، وعرف ذلك الموضع برأس أحمد بن نصر، وكتب في أذنه رقعة:

(هذا رأس الكافر المشرك الضال !! وهو أحمد بن نصر بن مالك، ممن قتله الله على يدي عبد الله هارون الإِمام الواثق بالله أمير المؤمنين، بعد أن أقام عليه الحجة في خَلْق القرآن ونفي التشبيه، وعرض عليه التوب، ومكّنه من الرجوع إِلى الحق، فأبى إلا المعاندة والتصريح، والحمد لله الذي عجّل به إلى ناره وأليم عقابه. وإِن أمير المؤمنين سأله عن ذلك، فأقرّ بالتشبيه وتكلّم بالكفر. فاستحلّ بذلك أمير المؤمنين دمه، ولعنه) وأمر أن يُتتبع من وُسِم بصحبة أحمد بن نصر، ممن ذُكر أنه كان متشايعاً له، قُوُضعوا في الحبوس، ثم جُعل نيِّف وعشرون رجلاً وُسِموا في حبوس الظلمة، ومُنعوا من أخذ الصدقة التي يُعطاها أهل السجون، ومُنِعوا من الزُّوّار، وثقّلوا بالحديد. وحمل أبو هارون السراج وآخرُ معه إلى سامراء، ثم رُدّوا إِلى بغداد، فجعلوا في المحابس.

وكان سببُ أَخْذِ الذين أُخذوا بسبب أحمد بن نصر، أَن رجلاً قصَّاراً كان في الرَّبض، جاء إِلى إسحاق بن إبراهيم بن مصعب، فقال: أنا أدلّك على أصحاب أحمد بن نصر، فوجّه معه من يتبعهم، فلما اجتمعوا وجدوا

20