اتفاقًا بل ومن العرش والكرسي (١)، ورفعهم أمر ذلك للخليفة، وانتظارهم لما برز منه من الأمر دليل أنهم رأوا الخطاب بعمارة مثل ذلك المحل الجليل العظيم ليس متوجهًا لكل ذي قدرة من المسلمين بل لخليفتهم القائم بإقامة أحكام شريعتهم وملتهم.
وكان بالمدينة في الحريق الثاني (٢) محققُها السيدُ السَّمهوديُّ الذي قال في حقه الحافظ السيوطي (٣): (وناهيك به حافظ طيبة، وقد كان من أئمة الدين علمًا ودينًا، وعدم مبالاة في إقامة الحق بأحد)، فموافقته على ترك التعمير لما احترق منه ورفع الأمر لسلطان عصره شاهدٌ وأيُّ شاهد.
وقول بعض الأفاضل لما استشهدت بذلك: -هذا سَوقُ حكايةِ ما وقع لا شاهدَ فيه للمدَّعَى- مردودٌ، فإن سياقَه قضيةٌ لما صدر في الحريق الثاني أنه ممن أقرَّ على ما فعلوه في كَتْبِهم بذلك لسلطان عصره ورضاهُ به، وأنه الشرعُ، إذ لو كان غير مُقِرٍّ على ذلك لأنكره عليهم باللسان [...] (٤) إنه منكر كما أنكر غيره، وألف فيه وما خاف من معارضه.
وبفرض وجود ما يمنع من التصريح بالإِنكار على الكاتبين في ذلك فكان يذكره في أنهم ارتكبوا بالتأخير للعمل انتظارًا لمجيء جواب السلطان ترك ما توجه عليهم من الخطاب بالفرض الكفائي بعمل ذلك، كما ذكر فيه أشياء من