Нашат Хукук Инсан
نشأة حقوق الإنسان: لمحة تاريخية
Жанры
تماما مثلما مرت القومية بطورين في القرن التاسع عشر، من الحماس المبكر لتقرير المصير نحو وقائية أكثر دفاعا عن الهوية العرقية، تغيرت الاشتراكية أيضا بمرور الوقت؛ إذ انتقلت من تشديد مبكر على إعادة بناء المجتمع بوسائل سلمية ولكن غير سياسية إلى انقسام حاد بين المؤيدين للممارسة البرلمانية للسياسة وأولئك الداعين للإطاحة بالحكومات بأسلوب عنيف. وفي خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر، عندما كانت النقابات العمالية كيانات غير شرعية في معظم البلدان، ولم يكن يحق للعمال التصويت، ركز الاشتراكيون على إضافة الطابع الثوري على العلاقات الاجتماعية الجديدة التي خلقها تحول المجتمع إلى التصنيع، وما كان للاشتراكيين أن يأملوا في الفوز بالانتخابات ما لم يكن في مقدور العمال التصويت، الأمر الذي ظل قائما حتى سبعينيات القرن التاسع عشر على الأقل. وبدلا من ذلك، أقام الرواد الاشتراكيون مصانع مثالية، وجمعيات للمنتجين والمستهلكين، ومجتمعات تجريبية للتغلب على الصراع والغربة بين المجموعات الاجتماعية. لقد أرادوا أن يمكنوا العمال والفقراء من أن يستفيدوا من النظام الصناعي الجديد، وأن يحولوا الصناعة إلى ساحة اجتماعية، وأن يستبدلوا التعاون بالمنافسة.
تشارك كثيرون من أولئك الاشتراكيين الأوائل مشاعر عدم الثقة تجاه «حقوق الإنسان». أكد تشارلز فورييه، الاشتراكي الفرنسي الذي برز في سبعينيات وثمانينيات القرن التاسع عشر، أن الدساتير والمناداة بالحقوق الثابتة هي زيف. ماذا يمكن أن تعني «حقوق المواطن التي لا يجوز المساس بها» عندما «لا يملك الفقير الحرية ليعمل» ولا السلطة ليطلب وظيفة؟ ومن وجهة نظره، فاق الحق في العمل كافة الحقوق الأخرى. وعلى غرار فورييه، استشهد كثيرون من الاشتراكيين الأوائل بالإخفاق في منح المرأة حقوقها كعلامة على عجز مذاهب حقوق الإنسان السابقة. فهل يمكن بحال أن تتحرر المرأة دون إلغاء الملكية الخاصة والتشريعات الداعمة للسلطة الأبوية الذكورية؟
20
ثمة عاملان غيرا مسار الاشتراكية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر: ظهور حق الاقتراع العالمي للذكور، وظهور الشيوعية (ظهرت لفظة «شيوعي» للمرة الأولى كمصطلح في عام 1840)، وعندئذ انقسم الاشتراكيون والشيوعيون بين أولئك الذين رموا إلى تأسيس حركة سياسية برلمانية ذات أحزاب وحملات لتولي السلطة، وأولئك الذين أصروا على أن الحكم المطلق للبروليتاريا (طبقة العمال) والثورة الكاملة وحدهما من شأنهما أن يبدلا الأحوال الاجتماعية، ومن هؤلاء البلاشفة الروس. وآمن أنصار الفكر الأول بأن إرساء حق التصويت العالمي لجميع الرجال إرساء تدريجيا قد أتاح إمكانية أن يبلغ العمال أهدافهم في إطار سياسة برلمانية؛ على سبيل المثال: تألف حزب العمال البريطاني في عام 1900 من مجموعة متنوعة من الاتحادات والأحزاب والنوادي الموجودة سلفا لتعزيز مصالح العمال. ومن ناحية أخرى شجعت الثورة الروسية التي اندلعت عام 1917 الشيوعيين في كل مكان على أن يؤمنوا بأن التحول الاجتماعي والاقتصادي الشامل يلوح في الأفق، وأن المشاركة في السياسة البرلمانية يركز الطاقات اللازمة للتصدي لصراعات أخرى.
وكما يمكن أن نتوقع، اختلف هذان الفكران أيضا في رأيهما بشأن الحقوق؛ فالاشتراكيون والشيوعيون الذين اعتنقوا العملية السياسية تبنوا أيضا قضية الحقوق. أكد جان جوريس، أحد مؤسسي الحزب الاشتراكي الفرنسي، أن الدولة الاشتراكية «تحافظ على شرعيتها بالقدر الذي تكفل به الحقوق الفردية». وقد أيد آراء دريفوس، وحق التصويت العام للرجال، وفصل الكنيسة عن الدولة، وباختصار، دعا جوريس إلى حقوق سياسية متساوية لجميع الرجال بالإضافة إلى تحسين حياة العمال، واعتبر «إعلان حقوق الإنسان والمواطن» وثيقة لها أهمية عالمية. أما أصحاب الرأي الآخر فقد اتبعوا ماركس في زعمهم - مثلما فعل أحد الاشتراكيين الفرنسيين المناوئين لجوريس - أن الدولة البرجوازية لا يمكن إلا أن تكون «أداة للمذهب المحافظ والقمع الاجتماعي».
21
لم يناقش كارل ماركس نفسه حقوق الإنسان بأي قدر من الاستفاضة سوى في شبابه؛ ففي مقاله «حول القضية اليهودية»، الذي نشر عام 1843، أي قبل صدور «البيان الشيوعي» بخمسة أعوام، أدان بالتحديد الأسس التي يقوم عليها «إعلان حقوق الإنسان والمواطن»؛ فقد تبرم قائلا: «لا يتعدى أي حق من الحقوق المفترضة للإنسان حدود الإنسان الأناني.» فتلك الحرية المزعومة تنظر للإنسان وكأنما هو مخلوق منعزل، وليس جزءا من طبقة أو مجتمع، وحق الملكية لا يضمن سوى الحق في السعي وراء المصلحة الذاتية دون اعتبار للآخرين، وحقوق الإنسان تكفل حرية الاعتقاد واختيار الدين في حين أن ما يحتاجه الإنسان هو التحرر من الدين؛ وهي تؤكد على الحق في اقتناء الممتلكات في حين أن ما يحتاجه الإنسان هو التحرر من الممتلكات؛ كما اشتملت على الحق في الانخراط في الأعمال التجارية في حين أن ما يحتاجه الإنسان هو التحرر من الأعمال التجارية. وقد مقت ماركس بالتحديد التأكيد على السياسة في حقوق الإنسان؛ إذ حسب أن الحقوق السياسية تتعلق بالوسائل وليس الغايات؛ ففي رأيه «الرجل الممارس للسياسة» هو «رجل تجريدي» و«زائف» وليس رجلا حقيقيا أصيلا، ولا يستطيع الرجل أن يسترد أصالته إلا عندما يدرك أن تحرير الإنسان لا سبيل إلى تحقيقه من خلال السياسة، وإنما يحتاج إلى ثورة تركز على العلاقات الاجتماعية وإلغاء حق الملكية الخاصة.
22
أثرت تلك الآراء وبعض تنويعاتها اللاحقة على الحركة الاشتراكية والشيوعية تأثيرا دام أجيالا. أصدر البلاشفة «إعلان حقوق جماهير الشعب العاملة المستغلة» في عام 1918، غير أن هذا الإعلان لم يتضمن حقا سياسيا أو قانونيا واحدا، وكان هدفه هو «إلغاء كافة أوجه استغلال الإنسان للإنسان، والقضاء الكامل على تقسيم المجتمع إلى طبقات، وسحق مقاومة المستغلين بلا هوادة، وتأسيس منظمة اشتراكية من أفراد المجتمع». استشهد لينين نفسه بماركس في رفض أي تأكيد على الحقوق الفردية، وأكد على أن فكرة الحق المتساوي هي في حد ذاتها انتهاك للمساواة، وتنطوي على جور؛ لأنها قائمة على «قانون برجوازي»، فتلك الحقوق المتساوية المزعومة - من وجهة نظره - تحمي الملكية الخاصة، ومن ثم تستغل العمال. وأصدر جوزيف ستالين دستورا جديدا في عام 1936 زعم أنه يكفل حرية القول، والصحافة، والدين، غير أن حكومته لم تتوان عن إرسال مئات الآلاف من أعداء الطبقة، والمعارضين، بل وحتى بعض رفاقهم من أعضاء الحزب، إلى المعتقلات، أو إعدامهم فورا.
23
Неизвестная страница