Нашат Хукук Инсан
نشأة حقوق الإنسان: لمحة تاريخية
Жанры
التفاسير البيولوجية للإقصاء
فيما باتت القومية أكثر تداخلا مع العرقية، تحولت إلى تأكيد متزايد على التفاسير البيولوجية للاختلاف. كانت مناقشات حقوق الإنسان قد اعتمدت على الافتراض أن طبيعة الإنسان عبر الثقافات والطبقات هي واحدة، وبعد الثورة الفرنسية، تزايدت صعوبة إعادة التأكيد ببساطة على الاختلافات على أساس التقاليد، أو العرف، أو التاريخ. وكان لا بد أن تتمتع الاختلافات بأساس أكثر متانة إذا كان مطلوبا أن يحتفظ الرجال بسموهم على النساء، أو البيض على السود، أو المسيحيون على اليهود. وباختصار، إذا كان من المفترض أن تقف الحقوق عند مستوى أقل عالمية، ومساواة، وطبيعية، فلا بد من عرض الأسباب. ونتيجة لذلك، شهد القرن التاسع عشر طفرة في التفاسير البيولوجية للاختلاف.
وما يدعو إلى السخرية هو أن فكرة حقوق الإنسان نفسها هي التي فتحت الباب سهوا أمام أشكال أكثر خبثا من التحيز على أساس الجنس، والعرق، ومعاداة السامية؛ ففي واقع الأمر، تسببت المزاعم الجارفة بشأن المساواة الطبيعية بين البشر جميعا في ظهور تأكيدات عالمية مماثلة على الفوارق الطبيعية، مما نتج عنه نوع جديد من المناوئين لحقوق الإنسان، أعتى من المناوئين التقليديين وأشد خطرا وتهديدا. وطرحت الأشكال الجديدة للعنصرية، ومعاداة السامية، والتحيز على أساس الجنس، تفاسير بيولوجية لفطرية اختلاف البشر، وفي ضوء العنصرية الجديدة، لم يكن اليهود فقط قتلة المسيح؛ وإنما دناءتهم العنصرية المتأصلة فيهم هددت بتلطيخ نقاوة البيض من خلال التزاوج معهم، ولم يعد السود أدنى لأنهم عبيدا ؛ فحتى مع انتشار إلغاء الرق في أنحاء الأرض، باتت العبودية أكثر سمية وليس أقل، ولم تكن المرأة أقل عقلانية من الرجل لأنها لم تحصل على التعليم الكافي، إنما حتم عليها تركيبها البيولوجي الحياة المنزلية الخاصة، وجعلها غير مؤهلة بالمرة للسياسة، أو التجارة، أو المهن الحرفية. وفي ظل هذه المذاهب البيولوجية الجديدة، ما كان التعليم أو التغيرات الطارئة على البيئة لتغير أبدا الهياكل الهرمية المتأصلة في الطبيعة البشرية.
كان التحيز على أساس الجنس هو أقل المذاهب البيولوجية الجديدة من حيث التنظيم السياسي، والمنهجية الفكرية، والسلبية العاطفية، فعلى أي حال، ما من أمة تستطيع أن تتكاثر بدون أمهات، لذا حين بدا ممكنا مناقشة أمر إعادة العبيد الأمريكيين من أصول أفريقية إلى أفريقيا أو منع اليهود من الإقامة في منطقة معينة، كان مستحيلا إقصاء النساء تماما، ومن ثم كان يسمح لهن ببعض المزايا الإيجابية التي قد تكون هامة في محيطهن الخاص. وعلاوة على ذلك، لما اختلفت المرأة اختلافا بيولوجيا واضحا عن الرجل (مع أن مقدار هذا الاختلاف ما زال موضوع نقاش)، فإن قليلين فقط هم من رفضوا النقاشات البيولوجية بشأن الاختلاف بين الجنسين، التي كان لها تاريخ أطول بكثير من النقاشات البيولوجية بشأن العرق. غير أن الثورة الفرنسية كانت قد بينت أنه حتى الاختلاف بين الجنسين، أو على الأقل علاقته بالسياسة، يمكن التشكيك فيه. فمع ظهور حجج صريحة تنادي بالمساواة السياسية للمرأة، تغيرت الحجة البيولوجية التي تؤكد على نقص المرأة؛ فلم تعد النساء تشغل منزلة أدنى على نفس السلم البيولوجي الذي يوجد عليه الرجال، بل أصبح ينظر إليهن باعتبارهن متشابهات بيولوجيا مع الرجال، وإن كن أدنى مرتبة. باتت الإناث توصفن على نحو متزايد بأنهن مختلفات بيولوجيا تماما عن الرجال؛ فقد صرن «الجنس الآخر».
10
لا يسهل أن نحدد بالضبط توقيت هذا التحول في طريقة التفكير بشأن المرأة أو حتى طبيعته، غير أن فترة الثورة الفرنسية تبدو مهمة في هذا الصدد. كان الثوار الفرنسيون قد اعتمدوا على مناقشات تقليدية إلى حد كبير بشأن اختلاف المرأة عندما منعوا لقاء النساء في النوادي السياسية عام 1793، صرح المتحدث الرسمي للحكومة حينها قائلا: «النساء غير قادرات بصفة عامة على الإتيان بأفكار سامية وتأملات جدية.» غير أنه في السنوات التالية اجتهد أطباء فرنسيون في ترسيخ هذه الأفكار الغامضة على أسس أكثر بيولوجية؛ أثبت عالم الفسيولوجيا الفرنسي البارز بيير كابانيس أن المرأة تملك أليافا عضلية أضعف، وأغشية دماغية أكثر حساسية، مما يجعلهن غير مؤهلات للمهن العامة، غير أن حساسيتهن الزائدة وسرعة تأثرهن المترتبة على ذلك أهلتهن لدور الزوجة والأم والممرضة، وساعد مثل هذا التفكير في ترسيخ تقليد جديد بدت فيه المرأة مخلوقة لتحقيق ذاتها في نطاق حدود الحياة المنزلية أو عالم أنثوي منفصل.
11
شكك الفيلسوف الإنجليزي جون ستيوارت مل في مقاله المؤثر بعنون «خضوع المرأة» (1869) في وجود هذه الاختلافات البيولوجية، وأكد أننا لا نستطيع أن نعرف كيف يختلف الرجل والمرأة في طبيعتهما؛ لأننا لا نراهما إلا في أدوارهما الاجتماعية الحالية. أكد مل قائلا: «ما يطلق عليه الآن طبيعة المرأة هو قطعا شيء مصطنع زائف.» وربط مل إصلاح وضع المرأة بالتطور الاجتماعي والاقتصادي الشامل، وأكد أن التبعية القانونية للمرأة «خاطئة هي نفسها» و«ينبغي أن يحل محلها مبدأ المساواة الكاملة الذي لا يعترف بأن القوة والامتياز من نصيب جانب واحد، والعجز من نصيب الجانب الآخر». غير أنه لم يكن هناك حاجة إلى عصب أو أحزاب مماثلة لتلك المعادية للسامية للحفاظ على الجدل البيولوجي مستمرا بقوة؛ ففي واحدة من القضايا القانونية الهامة التي نظرت أمام المحكمة العليا في الولايات المتحدة عام 1908، استخدم القاضي لويس برانديس نفس الحجج القديمة مرة أخرى عندما علل سبب كون الجنس أساسا قانونيا للتصنيف؛ ف «البنية الجسدية للمرأة»، ووظائفها المتعلقة بالولادة، وتربية الأطفال، ورعاية المنزل، كل هذا يضع النساء في فئة منفصلة ومختلفة. وشاع استخدام مصطلح «النسوية» في تسعينيات القرن التاسع عشر (تعبيرا عن الحركة المنادية بالمساواة بين الرجل والمرأة)، وكانت مقاومة المطالب التي ينادي بها هذا المصطلح مقاومة ضارية. ولم تحصل المرأة على حق التصويت إلا عام 1902 في أستراليا، وعام 1920 في أمريكا، وعام 1928 في بريطانيا العظمى، وعام 1944 في فرنسا.
12
وعلى غرار التحيز على أساس الجنس، اتخذت كل من العنصرية ومعاداة السامية أشكالا جديدة بعد الثورة الفرنسية، فلم يعد أنصار حقوق الإنسان، على الرغم من أنهم لا يزالون هم أنفسهم يحتفظون بالعديد من القوالب النمطية السلبية لليهود والسود، يقبلون بوجود التحيز كأساس كاف للجدل، فما كان من التقييد الدائم لحقوق اليهود في فرنسا إلا أن أثبت أن العادة والعرف مارسا سطوة هائلة، وليس أن تلك القيود مبررة منطقيا. وبالمثل، لم ير أنصار إلغاء الرق أن الرق يثبت انحطاط الأفارقة السود، وإنما أماط اللثام عن جشع ملاك العبيد وأصحاب المزارع البيض، ومن ثم احتاج أولئك الذين رفضوا فكرة منح الحقوق المتساوية لليهود أو السود إلى مبدأ - قضية مبرهنة ببراهين دامغة - يدعم موقفهم، لا سيما بعدما حصل اليهود على الحقوق عام 1833 وألغي الرق عام 1848 في المستعمرات البريطانية والفرنسية. وعلى مدار القرن التاسع عشر، لجأ مناوئو حقوق اليهود والسود على نحو متزايد إلى العلم - أو ما اعتبر علما - بحثا عن هذا المبدأ.
Неизвестная страница