Нашат Хукук Инсан
نشأة حقوق الإنسان: لمحة تاريخية
Жанры
43
هكذا أثارت مذكرة دوباتي الرأي العام في مصلحة المتهمين وضد النظام القانوني، حتى إن برلمان باريس صوت لصالح حرقها على الملأ، واستهجن المتحدث الرسمي للمحكمة الأسلوب الروائي للمذكرة قائلا: «يرى دوباتي إلى جانبه بشرية ترتجف وتلتمس معونته، وطنا فوضويا يكشف له عن جروحه، الأمة بأكملها تتبنى صوته وتأمره أن يتحدث باسمها.» لكن تبين أن المحكمة عاجزة عن كبح جماح أمواج الرأي المتزايدة. ونشر جان كاريتا، ماركيز دي كوندرسيه - الذي لن يلبث أن يصير أكثر مدافعي الثورة الفرنسية عن حقوق الإنسان ثباتا وتأثيرا - كتيبين يؤيد فيهما دوباتي في أواخر عام 1786. ومع أن كوندرسيه لم يكن هو نفسه محاميا، فإنه ندد ب «ازدراء المحكمة للإنسان» و«الانتهاك البين المستمر للقانون الطبيعي» الذي تجلى في قضية كالاس وغيرها من الأحكام الجائرة التي صدرت منذ ذلك الحين.
44
بحلول عام 1788، أقرت الحكومة الملكية الفرنسية نفسها العديد من التوجهات الجديدة؛ ففي المرسوم الذي ينص على الإلغاء المؤقت للتعذيب بغية انتزاع أسماء شركاء الجريمة قبل الإعدام، تحدثت حكومة الملك لويس السادس عشر عن: «البراءة المطمئنة ... تجريد العقاب من أي قسوة مفرطة ... [و] معاقبة الجناة بكل الاعتدال الذي تقتضيه الإنسانية.» في أطروحة بيير فرانسوا مويارت دي فوجلانس التي صاغها عام 1780 حول القانون الجنائي الفرنسي، أقر مويارت قائلا إنه بالدفاع عن صلاحية الاعترافات التي تنتزع بالتعذيب «لا أتجاهل على الإطلاق حقيقة أنه لا مفر من أن أقاوم نظاما اكتسب في الوقت الحالي قبولا واسعا لم يكن يتمتع به في أي وقت مضى». غير أنه رفض أن يدخل في مناظرة، مؤكدا أن مناوئيه ما هم سوى مجادلين، وأن قوة الماضي تعزز رأيه. نجحت حملة الإصلاح الجنائي في فرنسا نجاحا كبيرا، حتى إنه في عام 1789 صنف تصحيح الانتهاكات في القانون الجنائي باعتباره أحد أهم القضايا المقتبسة باستمرار في قوائم المظالم المعدة من أجل المجلس التشريعي القادم.
45
الأهواء والفرد
أثناء هذه المناظرة التي تتحول على نحو متزايد إلى مناظرة من طرف واحد، أصبحت المعاني الجديدة للجسد أكثر وضوحا؛ فقد اكتسب جسد كالاس المكسور، أو حتى رجل اللص لاردواز - الذي كان يدافع عنه دوباتي - المصابة بالغرغرينا، احتراما جديدا. ظهر هذا الاحترام لأول مرة في صورة ردود أفعال سلبية تجاه الهجمات القضائية على الجسد خلال فترة الشد والجذب حول قضية التعذيب والعقوبات الوحشية. لكن أهمية الجسد باتت بمرور الوقت موضوعا لمشاعر التوحد الإيجابية، كما كان جليا في مذكرات دوباتي. ولم تتضح الافتراضات الجديدة فعلا إلا نحو نهاية القرن الثامن عشر. ففي كتيب دكتور بنجامين راش القصير والمنور للقارئ في الوقت نفسه، الذي صدر عام 1787، ربط دكتور راش عيوب العقاب العلني بالمفهوم الناشئ حول الفرد المستقل والمتعاطف في الوقت ذاته. فبصفته طبيبا، أقر راش ببعض فوائد الألم الجسدي في العقاب، مع أنه آثر بوضوح أشكالا للعقاب مثل «العمل، واليقظة، والعزلة، والصمت»، وهذا بمنزلة إقرار بتفرد كل مجرم وبالمنفعة المحتملة. في رأيه، كان العقاب العلني منفرا للغاية كما تبين بسبب نزوعه إلى القضاء على التعاطف، الذي هو «أساس النزعة الإلهية لفعل الخير في عالمنا.» كانت تلك هي الكلمات الأساسية: التعاطف - أو ما نطلق عليه الآن اسم التوحد - هو الأساس الذي تقوم عليه الأخلاق، والأخلاق هي الشرارة الإلهية التي تومض في الحياة البشرية «في عالمنا».
أكد راش أن: «ملكة الحس هي المعنية بحراسة الملكة الأخلاقية.» وقد شبه ملكة الحس هذه ب «إحساس مباغت بالصواب»، أو نوع من ردود الأفعال المكتسبة من أجل المنفعة الأخلاقية. والعقاب العلني قطع الطريق على التعاطف: «فلما كان الكرب الذي يعانيه المجرم هو نتاج لقانون صادر عن الدولة ولا سبيل إلى مقاومته، فإن تعاطف المشاهد يولد مجهضا، ويعود خاويا إلى القلب الذي ولد فيه.» وهكذا قوض العقاب العلني المشاعر الاجتماعية عن طريق جعل المشاهدين قساة الأفئدة أكثر فأكثر؛ فالمشاهدون فقدوا مشاعر «الحب العام» والإحساس بأن المجرمين بشر لديهم أجساد وأرواح مثلهم.
46
مع أن راش حسب نفسه بالطبع مسيحيا صالحا، فإن تصوره عن الإنسان كاد يكون مختلفا في كافة الأوجه عن ذلك التصور الذي وضعه بيير فرانسوا مويارت دي فوجلانس في دفاعه عن التعذيب والعقوبات البدنية التقليدية. فمن وجهة نظر مويارت، فسرت الخطيئة الأصلية عدم مقدرة الإنسان على التحكم في أهوائه. صحيح أن الأهواء وفرت القوة المحفزة للحياة، غير أن الاضطراب - بل وحتى التمرد - المتأصل فيها كان لا بد أن يخضع لسيطرة العقل، وضغوط المجتمع، والكنيسة، وإذا فشل كل هذا - في حالة ارتكاب جريمة - يخضع لسيطرة الدولة. ومن وجهة نظر مويارت أيضا، تنبع الجريمة (الرذيلة) من هوى الرغبة وهوى الخوف؛ «الرغبة في امتلاك الأشياء التي لا يملكها المرء، والخوف من فقدان تلك التي يملكها.» تلك الأهواء خنقت مشاعر الكرامة والعدالة التي غرسها القانون الطبيعي في قلوب البشر. منحت العناية الإلهية الملوك السيادة على حياة الناس، وفوض الملوك تلك السيادة للقضاة، محتفظين لأنفسهم بحق العفو. ومن ثم كان الغرض الرئيسي للقانون الجنائي هو منع غلبة الرذيلة على الفضيلة. وكان احتواء الشر المتأصل في البشرية هو شعار رؤية مويارت للعدالة.
Неизвестная страница